وعروس تكلّف والدها مليارين من المصوغات من أين لكم كل هذا؟ سؤال صار يطرحه البسطاء من الناس وهم يشاهدون أفراحا تقام في الفنادق الفخمة بعض أهلها من الموظفين الذين لا تزيد مرتباتهم الشهرية عن السبعة ملايين شهريا، ومع ذلك يصرفون مئات الملايين وأحيانا الملايير بما في هذا الرقم من معنى الثراء في أعراس أبنائهم ببذخ ليس له مثيل حتى أن المتسوّلين صاروا يتعاركون لأجل الحصول على قمامة صباح الأحد التي يكون مصدرها فنادق الخمس نجوم وبعض قاعات الحفلات التي بلغ سعر كرائها للعرسان الثلاثين مليونا لليوم الواحد. * عودة المليارديرات إلى أرض الوطن لإحياء أعراس أبنائهم جاء بعد أن اختاروا في السنوات القليلة الماضية المدن الحدودية التونسية، حيث تخصّص مركب سياحي في مدينة طبرقة في إقامة أعراس المرفّهين الجزائريين الذين يستأجرون ثلاث أو خمس حافلات وينقلون المعازيم من الجزائر العاصمة، حيث يقضون يومين أو ثلاثة بالمركب السياحي كضيوف ويُوفر لهم الاستجمام والمتعة في العرس بكل مستلزماته من أكل وغناء إلى ما بعد ساعات الفجر من إحياء فرق تونسية وجزائرية وأحيانا أوروبية، يتكفل بمصاريفها طبعا صاحب العرس إذ يقوم بعض الجزائريين بكراء جناح كامل، بينما بلغ بذخ آخرين أن اكتروا المركب السياحي بالكامل وتصوّروا تسريح سواح أوروبيين من المركب السياحي من طرف صاحبه من أجل الملايين التي يمنحها إياه الثري الجزائري، وبلغت مصاريف عرس ملياردير جزائري خلال شهر جويلية من العام الماضي في مركب سياحي بطبرقة قرابة النصف مليار سنتيم في حضور أزيد عن 500 ضيف جاءوا من الجزائر العاصمة .. * الشماريخ الممنوع استعمالها في الملاعب وحتى في مختلف المناسبات صارت الآن ميزة هاته الحفلات التي حوّلت سماء سوسة خلال شهر جويلية الماضي إلى ضياء إلى درجة أن سكان سوسة قالوا إنهم لم يشاهدوا في حياتهم مثل هاته الألعاب من حيث حجمها ونوعيتها، وهي مختلفة عن النوعية التي نشاهدها في الملاعب ويتم استيرادها من فرنسا، وعادة ما يحتفل الفرنسيون بها في أعيادهم الوطنية الكبرى، وقد تكلّف 5 دقائق من الألعاب حرق مئتي مليون سنتيم. *
* الدعوات عبر الأنترنت وكلاب لحراسة الأعراس الفخمة * صفقات تُنجز في الأعراس وشراكات تُبرم على موائد العشاء * إذا كان من العرف الجزائري أن توجّه الدعوة للحضور شخصيا ويتنقل لأجلها صاحب العرس خصيصا إلى المدعو، وإذا كان من العرف أيضا خاصة في الأرياف والأحياء العريقة أن يبقى العرس مفتوحا لكل من يريد أن يفرح مع أصحاب العرس وتبقى الموائد مفتوحة أيضا للجميع خاصة للفقراء وحضور الفرقة الغنائية إنما من أجل أهل الحي أو القرية والبذخ في عمومه والإنفاق على العرس رغم ما فيه من تباهي إنما هو موجه لأبناء الريف جميعا الذين يتداولون ما حدث في هذه الوليمة أو تلك على مدار أيام الصيف .. لكن كل هذه الصور تتغير مع أعراس بعض المليارديرات الجزائريين الذين يوجهون الدعوات عبر الانترنت في إمايلات المطلوب حضورهم للعرس الكبير ويتلقون الرد عبر إمايلات هي من تحدد عدد الحضور حتى تكون الدعوة شخصية، يتم من خلالها تحديد نوعية وكمية الحاضرين، وفي غالب الأحيان اشتراط عدم اصطحابهم لأبنائهم، فتمر الأعراس غير طفولية وتبقى الولائم شأن الكبار فقط، ولو تجرّأ أحد الحضور في إصطحاب ابنه فسيكون معرّض للتهميش وليس للطرد لأن غالبية الحاضرين في هاته الولائم من الذي لا يُطردون حتى ولو حضروا سكارى لمثل هاته الأعراس الفخمة .. ولأن صاحب العرس ملياردير فإن الحضور في عمومهم من المليارديرات ومن الأوزان الثقيلة في المجتمع، حيث يًصبح حضور بعض المدعوين صيد ثمين لصاحب العرس الذي ينزوي بهم، ويعقد رفقتهم الصفقات الكبرى التي لا يمكن أن يعقدها في المؤسسات والمكاتب وتتحول بعض موائد العشاء إلى طاولة مستديرة لا أحد من حولها يلتفت إلى الأكل رغم فخامته، ولا أحد يهمه لباس العروس والعريس ولا جمالهما، حيث ترتفع أدخنة السجائر والسيجار وترتفع الأرقام إلى ما فوق الملايير ويتحوّل العرس إلى اجتماع مغلق وأشبه بالبنوك ومراكز البورصات، ويُصبح الأكل مستقره القمامة، والغناء فيه من دون مستمع ولا راقص ويتم تطويق الفيلات الفخمة التي تحتضن هذه الأعراس بالكلاب المدربة التي يرافقها رجال أشداء لا يسمحون بالدخول إلا للمدعوين .. عموما حفلات المليارديرات الجدد وليس القدامى المحافظين تجري في أجواء مختلطة وبعضها يكون ذو طابع غربي محض خليط بالخمور والإباحية وحتى صفقات الجنس في حضور أجانب ومهاجرين يستعرضون آخر صيحات اللباس والإغراء أيضا ويساعدهم المكان على ممارسة الصيد وحتى أكل ما في الشبكة من صيد. *
* عروس ثوبها من الحرير الفرنسي وأطباق مسافرة من اسطنبول وحلويات دمشقية * يوجد إجماع لدى المجتمع الجزائري على أن أعراس مدينتي قسنطينةوتلمسان هما حضارة بعينها ويشارك الجميع في ذات الرأي الأجانب الذين حضروا واستحسنوا بل وذهلوا لفخامة هذه الأعراس، فالأطباق القسنطينية والحلويات هي رحلة تاريخية مزيج بين الشرقي والأوروبي والتركي بينما تبدو عروس تلمسان وكأنها أميرة بريطانية في يوم زفافها أو أميرة موناكو.. ومع ذلك فإن المليارديرات الجدد كفروا بهذا التراث وطلبوا ما يأتيهم من الخارج من فساتين العروس والأطباق الفرنسية والسورية والتركية وحتى البلجيكية، كما حدث في عرس أحد أثرياء قسنطينة الثري الذي كفر بالشخشوخة ومختلف الطواجن والقطائف والبقلاوة وحتى حلوى الجوزية المطلوبة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا، وقام بالتعاقد مع مؤسسة خاصة قدمت من بلجيكا، تكفلت بإرسال طباخين قدموا الأطعمة الأوروبية بعد أن أحضرت المستلزمات من بروكسل، وكانت الحفلة التي أقيمت أواخر شهر جوان فيها الكثير من الأطباق الغربية الغريبة، أما الحلويات فتم استيرادها بالكامل من أفخم محلات اسطنبول، حيث سافرت جوا من مطار كمال أتاتورك إلى مطار العاصمة، وتحولت برا إلى قسنطينة والغريب أن معظمها لا يختلف عن الحلويات القسنطينة الشهيرة مثل الغروبية والباقلاوة، أما ملياردير ينحدر من بسكرة فقد أذهل الحاضرين ومعظمهم من عائلات رجال الأعمال بفستان ابنته العروس في ليلة العمر، فإذا كان غالبية الجزائريين يستأجرون فستان الفرح لليلة واحدة ويختلف السعر بين 1000 و2000 دج، وهو في غير متناول جميع العروسات فإن الملياردير البسكري قام بشراء الفستان للاستعمال مرة واحدة وتدسّه بعد ذلك العروس في خزانتها للأبد أو ترميه، وهذا من صالونات باريس، وحريره من تصميم أشهر مصممي الحرير، وهي مؤسسة كازول الفرنسية، ناهيك عن المجوهرات الفاخرة التي زيّنت العروس السمراء وكلها مستقدمة من محلات دبي وأبو ظبي، وهي سلعة تكاد تكون مخصصة تقريبا لأثرياء وأمراء العالم. * أما عن السيارات فلا يمنحها هؤلاء أهمية كبرى لأنها ستجوب الشوارع ويلاحظها عامة الناس، لأجل ذلك تبقى الأبهة شأن داخلي لا يعيشه إلا المدعوين المحسوبين على أصابع اليد والمختارين بدقة، وإذا كان حلم العروس الجزائرية هو أن تركب سيارة فاخرة من نوع هامر أو ليموزين الطويلة التي يتم كراءها لمدة يوم واحد بمبلغ 5 ملايين سنتيم إذا كانت ستنقل العروس مِن وإلى داخل نفس المدينة و8 ملايين إذا كان تنقلها يعني مدينة أخرى مجاورة، إذا كان هذا أقصى ما يحلم به بعض العرسان الأغنياء أو حتى من عامة الناس ما دام الحلم مجانا فإن أعراس بعض المليارديرات لا تظهر فيها السيارات الفاخرة خلال إحياء العرس إلا "كاتالوغ" وصورة كهدية عرس للعريس أو العروس على أن يتسلمها في رحلة شهر العسل التي لا تقام إلا مع أمراء موناكو أو حتى في جزر هاواي، حيث يُحسب عدد الجزائريين الذين زاروا منتجعاتها في التاريخ على أصابع اليد الواحدة، أما عن الفنانين الذين يحيون حفلات القران فهم دائما الأكثر لمعانا في الجزائر والذين يغنون باللغتين الفرنسية والإنجليزية أيضا، ويتم الابتعاد عن جلب الفنانين الأجانب خوفا من جلب الانتباه وأحيانا يتقاضى فنان مثل هذه الأعراس مالا يتقاضاه خلال العام كله وربما العمر كله.