نظام الحكم يراهن على شرعية بوتفليقة السياسية لإطلاق الإصلاح والأشراف عليه الجزائريون يثمنون عودة الاستقرار ويمنحون بوتفليقة فرصة تنفيذ برنامجه الانتخابي انتهت دراسة جديدة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول الوضع السياسي والاجتماعي في الجزائر وقدرة الإصلاح الجاري على تجنب تطور الاحتجاجات الاجتماعية إلى ثورة للشارع السياسي تطالب بإسقاط النظام، على غرار ما حدث ويحدث في دول عربية، إلى أن السلطة في الجزائر، ممثلة في رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، نجحت في إطفاء أو احتواء حراك الشارع، أو على الأقل تأجيله، من خلال اعتماد الإصلاح و"التغيير المتدرج" استجابة للتحولات المحلية والإقليمية، ومطالب الطبقة السياسية، إلى جانب ما تحقق من قرارات اجتماعية فورية وسعت من هامش السياسة الاجتماعية المعتمدة، تعلقت أساسا بالأسعار والسكن والشغل، وإلغاء حالة الطوارئ، وفتح نقاش سياسي حقيقي وفق أجندة واضحة، وقبلها مصالحة أطفأت نار الفتنة في البلاد، التي جاءت عقب نشوب عدة انتفاضات قوية وعنيفة، ومنذ أكتوبر 88. * وتحاول هذه الدراسة، التي حملت عنوان "مشروع الإصلاح السياسي في الجزائر: مبادرة تاريخية للتغيير أم استمرار احتكار السلطة للصواب؟"، نشرت أمس الأربعاء، على موقع المركز، الرد على سؤال عام وكبير، هل يهدف النظام السياسي في الجزائر إلى ربح الوقت وتفادي عملية الانهيار المفاجئ نتيجة الضغوط الشعبية، وتكرار سيناريو أحداث أكتوبر 1988، أم أن الظروف الدولية والإقليمية تفرض على الجزائر اقتناص فرصة تغيير جدي يجنب البلاد خطر التدخل الخارجي أو أية محاولات من المعارضة الداخلية الاستقراء بالخارج وفرض التغيير من الخارج؟. * وللرد على هذا السؤال، تقف الدراسة على مضامين وأبعاد ودلالات المبادرة الرسمية للإصلاح التي التزم بها الرئيس،عبد العزيز بوتفليقة، متبنيا خيار الإشراف الرئاسي على رزنامة "التغيير المتدرج"، كما تبحث مدى قدرة الخطاب الرسمي على كسب التأييد الكافي لرسم خريطة طريق التغيير في الجزائر، بعد الانتهاء من المشاورات السياسية بين مفوضي الرئاسة وممثلي الطبقة السياسية، كما توحي الدراسة بترقب ما تنتهي إليه المشاورات السياسية في الواقع العملي من ممارسة وحريات، من خلال تعديلات قوانين الأحزاب، الانتخابات، والإعلام. * وبينما أشارت الدراسة إلى أن النظام بالجزائر يراهن على شرعية الإنجاز التي يتمتع بها الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، من خلال "نجاح" مشروعه للمصالحة الوطنية، واسترجاع السلم الأهلي، من أجل تمرير الإصلاحات، وكسب الوقت، غير أنها أثارت عاملا آخر ساهم في بقاء الاحتجاجات في الجزائر بعيدة عن مطلب إسقاط النظام، وهو خشية الشارع الجزائري من عودة البلاد إلى زمن المواجهات الدامية في تسعينيات القرن الماضي. * وتنقل الدراسة راهن حرارة حراك الشارع، الذي مازال محدودا في الجبهة الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية وظروف المعيشة، ولم يصل بعد إلى حراك سياسي يلوح بتغيير النظام القائم، رغم بروز تنظيمات تتبنى منهج التغيير الجذري للنظام، بمعنى إسقاطه، منها ما عرف ب "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير"، غير أن نشاطها وتأثيرها ظل محدودا، بل تعرضت إلى انقسام داخلي بسبب اختلاف الرؤى، فضلا عن منع مسيراتها المطلبية التي كانت تنظمها كل يون سبت. * وقالت الدراسة "وعلى الرغم من ذلك، ظلّت "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير" بجناحيها الأحزاب وتنظيمات الشباب وحقوق الإنسان مستمرة في التظاهر طوال الشهور الماضية كل يوم سبت لتأكيد مطالبها السياسية بتغيير النظام. ولم تسمح وزارة الداخلية، رغم رفع حالة الطوارئ، بتظاهر المعارضين من التنسيقية في الجزائر العاصمة، وفصلت الحكومة التنسيقية عن الجماهير باستخدام الإعلام الحكومي والخاص الموالي لها، وزعمت أن مطالب الجماهير الجزائرية اجتماعية وليست سياسية، فكانت النتيجة زيادة تأجيج التظاهرات ضد قطاعات وزارية، والمطالبة بإسقاط عدد من الوزراء". * وأضافت "...والملاحظ أن المطالبة بإسقاط المسؤولين لم تتجاوز المستوى الوزاري في مطالب المتظاهرين، ما يعطي الانطباع بأن الرئيس لا يزال يمتلك شعبية جماهيرية تجعل الاحتجاجات الاجتماعية مركزة على المستوى الحكومي والأداء الباهت للوزارة، لا غير. ويعني ذلك أن الجزائريين يثمنون عودة السلم الأهلي، والمحافظة على الاستقرار السياسي والأمنيّ في عهد الرئيس بوتفليقة، وبفضل سياسته للمصالحة الوطنية، ويمنحونه الفرصة لمواصلة تنفيذ برنامجه الانتخابي. * وترى الدراسة أن أبعاد ودلالات المبادرة الرسمية للإصلاح التي تقدم بها بوتفليقة، في 15 أفريل، تعني أن الخيار القائم هو إطباق السيطرة والإشراف الرئاسي التام على رزنامة "التغيير المتدرج" والعمل على إدارة وامتصاص الغضب الشعبي، كما فسرت المبادرة بأنها اعتراف رسمي بشطب أطروحات دعاة "الجزائر استثناء"، واعتراف بأن خروج الجزائريين إلى الشارع هو مسعى مشروع، يهدف إلى المطالبة بإطلاق الحريات والديمقراطية الحقيقية، لتحقيق التغيير السياسي. * وأوضحت الدراسة أنه "بعد أقل من شهرين من إعلان الرئيس بوتفليقة مبادرة الإصلاح السياسي وإلغاء حالة الطوارئ، حصل النظام السياسي الجزائري على ترحيب فرنسي وأميركي بمبادرة الإصلاح، وإشادة بريطانية بها. ويمكن اعتبار هذه المواقف الدولية موقفا مبدئيا من الغرب بعدم التدخل في الشأن الداخلي للبلاد، وتشجيعا على سياسية الحوار، لتجنيب بلد عربي آخر حالة الفوضى التي يمكن أن تنذر بانهيار نظام سياسي عربي حليف مرتبط بشبكة الرأسمالية العالمية، وتهديد المصالح الغربية الضخمة فيه، خصوصا وأن الجزائر تعتبر بلدا نفطيا وغازيا مهما، ومجالا جيو-استراتيجيّا مهما مليئا بالفرص الاستثمارية في قطاعاتٍ حيوية، بالإضافة إلى موقع البلاد في قلب المنطقة المغاربية التي تعتبر سوقا مهما بالنسبة للدول الغربية، التي تمتلك مصالح اقتصادية وحيوية مهمة في الجزائر". * وقالت في قراءة سياسية إن خطاب الرئيس بوتفليقة جاء في سياق زمني وظروف داخلية تسودها الخشية من مآلات المستقبل السياسي للبلاد، والخشية من تكرار التجربة "البومدينية"، 1965-1978، في بناء دولة ترهن قوتها بمصير قادتها لا بمصير مؤسساتها الراسخة وبنائها الديمقراطي المتجذر. * وفي هذا السياق، نقلت الدراسة إشكاليات إصلاح نظام الحكم المعلقة، مثل النظام البرلماني، الفصل في إشكالية ازدواجية البرلمان ومبررات اعتمادها في دستور 1996، لبعث "لسلطة التشريعية" وتمثيلها لإرادة الشعب وانشغالاته، وتمكينها من أداء دورها الرقابي عن طريق تعزيز صلاحياتها، وترسيخ التعددية الإعلامية الحقيقية، وتفتحها على كل القوى السياسية المتواجدة في الساحة، بما فيها خطاب المعارضة، مشيرة إلى جبهة القوى الاشتراكية، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والأحزاب الإسلامية. * وخلصت الدراسة إلى أن النظام السياسي في الجزائر يراهن على الشرعية السياسية التي يمتلكها بوتفليقة، لإطلاق مبادرة الإصلاح وفرض احتكاره الإشراف عليها، وأن هيئة المشاورات السياسية غطت مطالب معظم الشرائح والحساسيات السياسية في التغيير السياسي المطلوب، وأنها رفضت الاستماع للقيادات الإسلامية المحسوبة على حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور. * وقالت"لقد كان إقصاء الإسلاميين ولا يزال أحد أكبر مسببات قصور التجربة الديمقراطية في الجزائر، وهو الموضوع الذي دفع عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، إلى طلب مقابلة هيئة المشاورات، بعد أن كان قد رفض المشاركة فيها سابقا. وطالب بفتح باب الحوار السياسي أمام جميع الجزائريين، وفي مقدمتهم الإسلاميون، وعدم استمرار إقصائهم بهذه الطريقة المنظمة". * كما اعتبرت "أن الانفتاح الإعلامي أصبح أكثر من ضروري لإعادة الروح المفقودة للحياة السياسية، من أجل منح الطبقة السياسية القدرة على طرح مشاريعها السياسية عبر إعلام حر، يمنحها فرصة تقديم نفسها أمام الرأي العام، والتنافس بكل حرية لامتلاك وعاء انتخابي يجدد صورة المشهد السياسي، الذي احتكرته أحزاب المولاة لأكثر من عشر سنوات باستخدام الإعلام الحكومي".