النقاش الدائر حول حزمة الإصلاحات السياسية والدستورية التي أقرها الرئيس بوتفليقة ولدت قناعة لدى جل الفاعلين في الحقل السياسي والاجتماعي بوجود إرادة للذهاب نحو الإصلاح الحقيقي، ويبدو أن السلطة مقتنعة فعلا هذه المرة بأنه لا خيار أمام الجزائر، لتفادي السيناريوهات السوداوية التي يجري تنفيذها في الكثير من الأقطار العربية، غير القيام بتغيير سلمي وسلس بمشاركة فعلية من المعارضة. المشاورات مع التشكيلات السياسية والشخصيات الوطنية وحركات المجتمع المدني حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي اقرها الرئيس بوتفليقة سوف تشمل كل الأطر المتاحة ولن تتوقف عند عتبة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي كلفه رئيس الجمهورية، بقيادة اللجنة المكلفة بالاستشارة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين قبل رفع نتائج المشاورات إلى لجنة الخبراء، فهناك المجلس الشعبي الوطني الذي يستعد رئيسه هو الآخر للشروع في مشاورات تخص بعض النصوص القانونية التي ترتبط بحزمة الإصلاحات. والملاحظ هو أن الجميع تقريبا مقتنع بأن نية الإصلاح حقيقية وليست مجرد محاولة لربح الوقت أو التحايل والالتفاف حول مطالب الاصلاح الجذري، فمطلب تشكيل مجلس تأسيسي الذي يرفعه خصوصا حزب الأفافاس وحزب العمال، تجري مناقشته بشكل عادي وطبيعي، فهذا نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني الدكتور مسعود شيهوب المنتمي إلى كتلة الأفلان يعبر صراحة في حصة إذاعية بأن المجلس التأسيسي مطلب يتجاوز حدود المعقول، كما تطرق بالكثير من الشرح للخيارات المتاحة فيما يتعلق بالنظام الدستوري الذي قد تعتمده الجزائر، علما أن أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم كان قد أكد بان النظام الشبه رئاسي هو الذي يناسب الظرف الحالي الذي تمر به الجزائر، على اعتبار أن النظام البرلماني لا يوفر الاستقرار السياسي المطلوب ويتطلب بشكل خاص وجود تقاليد راسخة في الممارسة الديمقراطية. ويشكل اعتماد أحزاب جديدة أولوية بالنسبة للكثير من الشخصيات السياسية التي تحمل مشاريع حزبية لم تتحصل على الاعتماد ويذهب الاعتقاد إلى أن وزارة الداخلية سوف تشرع في منح إعتمادات للأحزاب الجديدة قبل نهاية العام الجاري، وهذا بعد دراسة متأنية ومستفيضة لهذا القرار الذي يرتقب أن يعالج جزءا هاما من مشكلات الديمقراطية في بلد يرفض خلافا لما ينص عليه الدستور، منح الاعتماد لأي تشكيلة حزبية جديدة، بعد الأزمة الخانقة التي عاشتها الجزائر سياسيا وأمنيا. السلطات مقتنعة بأان موجات العنف التي تجتاح الكثير من الأقطار العربية قد تصل في أي لحظة إلى الجزائر، رغم أن البلد خرج لتوه من مرحلة الإرهاب، وقد عاش ثورته منذ حوالي 20 سنة، واستمرار الاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من قطاع قد يضعف سلطة الدولة أو يجرها إلى تنازلات متتالية تفضي إلى حالة من الانفلات التي قد تدفع نحو المجهول، مع العلم أن حالات التململ وصلت أيضا إلى هيكل المركزية النقابية التي أصبحت مهددة ب »ثورة« من قبل قيادات نقابية سابقة على رأسها لخضاري وعيسى نواصري وعمار مهدي. والظاهر أن حالات الغضب لم تعد محصورة في النقابات والقطاعات الاقتصادية، بل انتقلت إلى قطاعات أخرى هي وليدة الأزمة، فمؤخرا فقط تحرك التائبون بمنطقة الأربعاء وقاموا باعتصام للمطالبة بحقهم في السكن وبتفعيل المصالحة الوطنية وتطبيق بنودها على أرض الواقع ويرتقب أن ينظم هؤلاء أنفسهم في حركة مطلبية على غرار باقي الشرائح الاجتماعية، هذا فيما دخل التراشق الثقيل بين بعض الشخصيات الثورية الكبيرة والمعروفة مرحلة حرجة، فتصريحات المجاهد وبطل معركة الجزائر ياسف سعدي ورد المجاهدة لويزة إغيل أحريز لخصتها المجاهدة ظريف بيطاط بقولها بأن الحاصل إنما يخدم فرنسا التي تسعى، خاصة منذ مجيء نيكولا ساركوزي إلى قصر الاليزيه، إلى تشويه صورة الثورة الجزائرية لدى الرأي العام الفرنسي والعالمي، وطمس معالم الجرائم الاستعمارية في الجزائر. فرنسا التي تمارس العنصرية في أقبح صورها ضد المهاجرين، هي نفسها فرنسا التي ترعى ما يسمى ب »الثورات العربية« خصوصا في ليبيا، وتدفع نحو التعفين في سوريا لترتيب سقوط بشار الأسد الذي يتهم بدعم المقاومة خصوصا في لبنان وفلسطين، وهي نفسها التي تحمي النظام المغربي من السقوط وتدعم مواقفه في الصحراء الغربية، فالتغيير الذي يتم تسليحه في سوريا وليبيا ممنوع وغير مباح في المغرب، رغم أن حركة التغيير التي بدأت محتشمة تطالب بملكية دستورية وسقوط الاستبداد، رفعت خلال الأسبوع الأخير من سقف مطالبها في مسيرة بمراكش وطالبت بإسقاط النظام وعدم الاكتفاء بتغيير الواجهة. وتطرح الرعاية التي يتمتع بها النظام المغربي من بعض الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا، فضلا عن رعاية ملوك الخليج الكثير من التساؤلات حول خلفياتها وأهدافها، فالمغرب الذي ينتمي إلى محور »الاعتدال« العربي مكلف بلعب أدوار خطيرة في المنطقة، وتندرج الدعوة الأخيرة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي مؤخرا في ختام دورته إلى الأردن وخصوا المغرب للانضمام إليه في إطار سيناريو خطير حتى على أمن واستقرار الجزائر، فالمجلس الذي يقدم نفسه على ما يبدو كبديل للجامعة العربية بعدما فقدت هذه الجامعة سبب وجودها مع العدوان الصهيوني على لبنان ثم غزة، انتهت عمليا بعد تقسيم السودان وقبلها احتلال العراق و الصومال، وتأكدت هذه النهاية مع الفوضى العربية الحالية التي تسمى مجازا ب»ثورات التغيير«، قد يتحول إلى شبه جامعة لملوك وأنظمة منبطحة تبسط الأراضي العربية أمام عساكر أمريكا وحلفائها. ويبدو أن التصريحات الأخيرة لوزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري التي أكد فيها عدم التعارض بين تلبية الرباط لمطلب الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وفي نفس الوقت العمل على ترقية اتحاد المغرب العربي، لم تقنع أحدا، فالمغرب الذي ساهم في تجميد الاتحاد المغاربي بسياسته اتجاه الجزائر ومساومته باحتلاله للصحراء الغربية، يريد لعب دورا في محور »الاعتدال« الذي يسعى إلى حماية الأنظمة الملكية من حركات الشارع، وفي المقابل تكليف هذه الأنظمة برعاية حركات العنف في باقي البلدان، التي تصنف في محور الممانعة، ومن هذا المنطلق قد تبدو دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون استهدافا للجزائر لما سترتب عنها من تبعات سياسية وأمنية خطيرة في المنطقة العربية، حتى وإن كان البعض يزعم بأن توسيع مجلس التعاون الخليجي هدفه التصدي لإيران.