لم تمر نتائج امتحانات شهادة التعليم الابتدائي هذه السنة على السيد عبد الوهاب. ن البالغ من العمر 47 سنة والقاطن بالجزائر العاصمة، كما مرّت على كل الآباء الذين احتفلوا مع أبنائهم بالنجاح الذي حققوه في أولى شهادات الحياة الدراسية.. ففي الوقت الذي كان الآباء يفرحون مع أبنائهم ويذرفون دموع النشوة كان السيد عبد الوهاب يبكي بحرقة، ولكنه بكاء عن راحل لن يعود.. "لقد عاقبتني العدالة بستة أشهر مباشرة بعد خروجي من قسم الاستعجالات، سألت عن ابني وحالته الصحية فقيل لي إنهم دفنوه بعد الحادث، تمنيت لحظتها أن يحكم علي القاضي بالإعدام بدل السجن الذي قضيت فيه ستة أشهر أعدم فيه نفسي في اليوم عشرات المرات.. بهذه الكلمات اختصر عبد الوهاب حياة لم تبدأ حتى انتهت. * عبد الوهاب الذي حرمه الله من الخلفة لمدة زمنية طويلة، أمضى عام 2000 كأجمل أيام عمره، حيث حملت زوجته وجاءه الفرج في طفل أسماه أنيس فكان أنيسا له في وحدته.. لم يشغله حرمانه بعد مولد أنيس مرة أخرى من البنين والبنات فقد كان أنيس أغلى الناس على قلبه.. لم يتمالك نفسه وهو يروي بعضا من الأنس الذي كان يعيشه مع ابنه الوحيد وفاجعته الوحيدة.. "كان صديقي ينصحني بأن اقلل من السرعة كلما ركبت سيارتي، كان يخاف على حياتي وليس على حياته.. منحته من عمري كل عمري، فقد كان لا يطلب شيئا إلا ويناله، فحقق مع مرور الوقت التفوق الدراسي الذي يحلم به أي أب، فهو إما في المركز الأول أو الثاني في أسوأ الأحوال، شعر بسكرات الموت عندما أذكر معلمته وهي تقول لي أنت أب لملك من السماء؟.. كنت متأكدا بأني سأحقق به أمنيات العمر التي عجزت عنها جميعها. بدأ يفكر وهو دون سن العاشرة في كيفية التكفل بي وبوالدته.. يبني أحيانا قصورا من الخيال ولا يهدمها أبدا، يجعل لوالدته غرفة من الفردوس ويخصني بكل القصر، حتى الحصّالة التي كان يجمع فيها نقوده كان يشتري منها لي ولوالدته هدايا بقدر ما هي صغيرة في قيمتها المادية هي كبيرة في قيمتها المعنوية.. لم أكن أقدّر النعمة التي حباني الله بها فتنقلت مرة في زيارة عائلية إلى أعمام أنيس في منطقة المسيلة، وأثناء العودة كنت أسابق الريح حتى اصل قبل أن يسدل الليل ستائره.. لم يكن أنيس أنيسي كعادته بمرحه وكلامه الذي لا يتوقف، قال لي كلمة واحدة.. بابا سأنام في السيارة ولا تنسى أن توقضني إذا رأيت قطيعا من الغنم، اكتفى بالنوم في المقعد الخلفي، فاعتبرتها فرصة أسرق فيها المسافات، فكنت أسير بسرعة جنونية إلى أن قمت بتجاوز خطير وجدت فيه نفسي مقابل شاحنة مقطورة وغابت الصورة بعد ذلك.. وبعدها صحوت من غيبوبة جاوز زمنها الأسبوع لأسأل من حولي.. أين أنا وأين ابني؟؟ وليتني ما صحوت من غيبوبتي فقد اكتشفت أنني سأعيش للأبد من دون أنيس، الحادث لم يخلف مقتل وحيدي وإنما هلاك أيضا صاحب الشاحنة، فكان أن توبعت بالقتل غير العمدي، وكان أن رضيت بجزائي المستحق، أفكر أحيانا بإنشاء جمعية لأجل تحذير السوّاق من المآسي، وأحيانا أفكر في أداء عمرة لروح ابني.. هي مجرد مشاريع، ولكني بمجرد أن أعلم أن أنيسي لن يعود أشعر بأنني انتهيت يوم أن تسببت في نهاية ابني.