يؤكد رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية أن التصعيد الأمني المتبادل بين الفصائل الفلسطينية "حماس" و"فتح" يعود الى اختلاف وجهات النظر السياسية. ومع ذلك يبدي في هذا الحوار الذي خصّ به صحيفة الشروق اليومي أملا كبيرا في تجاوز حالة الاحتقان التي تسود الشارع الفلسطيني، وإن كان قد رفض أن يكشف عن الأطراف التي تحاول إضعاف حكومة حماس التي انبثقت عن الانتخابات التشريعية، ويفتح الباب واسعا أمام إنشاء حكومة وحدة وطنية ذات قبول دولي وعلى أساس برنامج سياسي وهو وثيقة الوفاق الوطني. أجرى الحوار: مراد أوعباس فهو يؤكد أن حكومته قد استطاعت أن توقف تدهور المال العام ويفضل أن تبقى لغة الحوار مفتوحة بين الفلسطينيين. * كيف تقيمون الوضع الميداني في الأراضي المحتلة؟ - الوضع الفلسطيني يمكن تقييمه من جهتين، من جهة الاحتلال الإسرائيلي والذي لايزال يمارس سياسة التصعيد العسكري بما يشمل من عمليات اغتيال وقتل وهدم للبيوت. أما بشأن العلاقات الفلسطينية الداخلية فإن الأوضاع يشوبها شيء من التوتر والاحتقان على خلفية أسباب متعددة. * ما هي خلفيات هذا التصعيد، ولماذا فشلت كل مبادرات التقارب بين حماس وحركة فتح؟ - هذا التصعيد لم يأت بشكل مباشر لكن بسبب تراكمات وبسبب اختلاف وجهات النظر السياسية. حتى الآن لا نستطيع أن نقول إن كل المبادرات فشلت بين حماس وفتح، بل هناك خطوات كثيرة تم انجازها من حيث الرؤية السياسية والتوافق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية... صحيح انه تواجهنا عقبات كثيرة وصعوبات وعراقيل لكن نحن على قناعة بأنه سيتم تجاوز كل هذه العقبات قريبًا إن شاء الله. * من المسؤول عن هذه الحالة؟ - بلا شك هناك عدة أطراف مسؤولة عن الحالة الفلسطينية، والتي هي ليست وليدة حادث أو حادثين بل نتيجة تراكمات طويلة. فالحصار مثلا تسبب في وجود احتقان داخلي كبير نتج عنه إضرابات في بعض المدن، إضافة إلى أن الاشتباكات بين حماس وفتح خلقت أجواء سلبية ساهمت في إيجاد حالة من التوتر، كما أن الاختلاف في وجهات النظر السياسية عززت من حالة التوتر. الحكومة من جهتها وجدت أن أطرافا عديدة تحاول إضعاف الحكومة وتشويه صورتها، فضلا عن مشاركة بعض أفراد الأجهزة الأمنية في خلق اضطرابات، كل هذا ساعد في خلق أجواء سلبية. * هددتم في وقت من الأوقات بفضح الأطراف التي تقف خلف تعفين الوضع الفلسطيني، هل حان وقت ذلك؟ - الحكومة تحدثت بشكل عام عن جهات تقف وراء محاولات إضعاف الحكومة ومحاولة عزلها سواء داخليا أو خارجيا، لكن في نفس الوقت نحن نحافظ على إبقاء لغة الحوار قائمة لحل كافة العقبات. * بعض الأطراف الفلسطينية تحمّلكم مسؤولية العجز عن تقديم الحلول للازمة التي يعيشها يوميا المواطن الفلسطيني، وأهمها صرف رواتب العمال. كيف فشلت الحكومة في الوفاء بوعودها؟ - بالعكس، فالحكومة ليست مسؤولة عن الحصار، وهي حاولت جاهدة كسر هذا الحصار بكافة الوسائل ونجحنا في توفير أموال كثيرة. لكن للأسف، فإن الحصار كان محكما لدرجة انه لم يسمح بتحويل الأموال للأراضي الفلسطينية، فضلا عن أن الحكومة نجحت في كثير من الجوانب وأهمها وقف إهدار المال العام وضبط أوضاع الوزارات وإنجاز العديد من المشاريع الاقتصادية. * هل التزمت الدول العربية والإسلامية التي زارها وفد حماس بتقديم دعمها المالي للحكومة؟ - بعض الدول التزمت أن تقدم مساعدات شهرية وبعضها قدم دفعة مستقطعة، لكن بشكل عام يمكن القول إنه لو تم تنفيذ الالتزامات العربية، كما اتفق في مؤتمر الخرطوم، لكان يمكن أن تساهم بشكل كبير في حل الأزمة المالية. * ما هو السبيل الى تأمين حاجيات الحكومة والشعب الفلسطيني وسط هذا الحصار. هل لديكم خطة لمواجهة هذه الأزمة؟ - هناك عدة توجهات، أولها: تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مقبولة دوليا وتعمل على رفع الحصار واستئناف تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، وثانيها: الانفتاح على العالم العربي والإسلامي من خلال تنشيط حركة التجارة، وهذا لا يمكن ان يتأتى إلا إذا أصبح معبر رفح تحت السيطرة الفلسطينية، وثالثا: العمل على سلخ الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي تدريجيا وإعادة الحياة إلى الاقتصاد الفلسطيني من خلال جلب رؤوس الأموال ورجال الأعمال والاستفادة من المصادر الطبيعية. * في ظل هذا الحصار الدولي، ومع وقوف أغلب الجهات إلى الصف الأمريكي والإسرائيلي وحتى الفلسطيني، ممثلا في الرئاسة، فمن يدعم الحكومة ومن أين تستمدون قوتكم؟ - صحيح إن الحصار محكم وقاسي، لكن نحن كشعب فلسطيني تعودنا على حياة الشظف والتحمل منذ سنوات طويلة وقد كيّفنا أنفسنا للتعامل مع الظروف القاسية والصعبة، وهذا دائما يدفعنا للتغلب على حالة الحصار من خلال تنشيط العمل الخيري الذي تقوم به المؤسسات الاجتماعية، وفي نفس الوقت فإن هناك دولا عربية وإسلامية وكذلك أوروبية لاتزال تساهم في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني من خلال تقديم المساعدات الخيرية وتنفيذ مشاريع اقتصادية. * أنا أقصد قوة إقليمية أو دولية. ما هو الدور الإيراني والسوري الداعم لكم؟ - أولا يجب أن نؤكد أننا لا نعمل ضمن تحالفات إقليمية أو دولية، بل نعمل ضمن ما يضمن تحقيق المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، لذا فإن علاقتنا بكثير من الدول العربية والإسلامية جيدة. وعلاقتنا بسوريا وإيران جيدة لكن هذا لا يعني على الإطلاق أننا نعمل بتعليمات أو توجيهات من أحد، نحن نحافظ على قرارنا الفلسطيني المستقل وفي نفس الوقت نتمتع بعلاقات جيدة يمكن أن تستثمر في دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام. * بعد سلسلة الأزمات التي عرفتها الحكومة، طرحت فكرة حكومة وحدة وطنية، ثم سرعان ما تبيّن أن هذا الإنجاز بعيد المنال في هذه اللحظة، لماذا؟ - هذا غير صحيح، فحكومة الوحدة الوطنية لايزال خيارا قائما ومقبولا على كافة القوى والفصائل. صحيح أننا واجهنا بعض العقوبات والصعوبات لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى طريق مسدود. لازالت الفرصة قائمة لإنجاز هذا الهدف وكل ما نحتاجه هو شيء من الصبر وطول النفس. * كان محمود عباس من أشد المتحمسين لفكرة حكومة وحدة وطنية، ثم تراجع عن هذه الفكرة. لماذا برأيكم؟ - الرئيس كان متحمسا لهذه الفكرة ولازال، ولم نسمع انه تراجع. لازالت الاتصالات قائمة معه ولازالت قائمة مع كافة القوى والفصائل. * البعض يتحدث عن ضغوط تمارسها أطراف أوروبية وأمريكية، ما طبيعة الدور الدولي في هذا الموضوع، ثم كيف تقيمون الدور العربي؟ - الضغوط قائمة من قبل أطراف عديدة، بعضها يريد فرض شروط الرباعية، وبعضها يريد أقل من ذلك، لذا نحن تعاملنا بمرونة سياسية وواقعية في كل ما طرح علينا ونؤكد أن حساباتنا هي حسابات فلسطينية وفي نفس الوقت نراعي أن تكون هذه الحكومة مقبولة دوليا. هناك بعض الأطراف الأوروبية التي وقفت موقفا إيجابيا ودعمت باتجاه تشكيل حكومة وحدة دون إلزامنا بشروط الرباعية. موقف الولاياتالمتحدة كان دوما متصلبا ويتبنى المواقف الإسرائيلية. أما الموقف العربي فإنه جيد إلى حد ما رغم انه لم يرق إلى مستوى تقديم دعم قوي لهذه الحكومة لأن بعض الدول العربية تعتقد ان تسويق الحكومة يكون من خلال الموافقة الأمريكية. * ما هو تصوركم لحكومة الوحدة الوطنية، وما هو سر إصراركم على رفض الاعتراف بإسرائيل، في وقت أن جميع الأطراف التي تحيط بكم محليا وإقليميا لها علاقات أو تعترف بهذا الكيان؟ - تصورنا لحكومة الوحدة أنها حكومة تمثل كافة القوى والفصائل الفلسطينية، إضافة إلى خبراء ومستقلين على أساس برنامج سياسي وهو وثيقة الوفاق الوطني. أما الاعتراف بإسرائيل فإنه لازال مرفوضا، باعتبار أن إسرائيل لاتزال تتنكر لكافة الحقوق الفلسطينية وترفض حتى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 67 ، لذا لا يمكن إعطاء إسرائيل شرعية مجانية. * هل صحيح أن حركة حماس قد أفشلت مبادرة وزير الخارجية القطري؟ - ليس صحيحا ما يقال بأن حماس أفشلت مبادرة وزير الخارجية القطري، بل إن حماس قدمت رؤية ايجابية وواقعية وتعاملت بمرونة مع كل الطروحات، لكن بسبب قصر وقت الزيارة لم يتسنّ مناقشة ما جاء به وزير الخارجية القطري بشكل تفصيلي ولذا قررنا أن نكون على تواصل ولم نشعر بأن الموضوع موضوع فشل، ولازالت هناك فرصة لاستئناف المباحثات والمشاورات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. * يرى البعض أن هناك ترددا في صفوف حماس بين الاعتراف بإسرائيل من خلال مبادرات تقترب من هذه النقطة، على سبيل المثال، طرح مبادرة هدنة لمدة عشر سنوات مع إسرائيل. ما سر ذلك؟ - موقف حماس واضح، أنها لا تريد الاعتراف بإسرائيل، لكنها في نفس الوقت قدمت رؤية سياسية واقعية تشكل قاسما مشتركا لكافة القوى الفلسطينية وتدفع باتجاه كسر الحصار. موضوع الهدنة طرح من قبل حماس منذ زمن بعيد، لكن الطرف الإسرائيلي رفضه بشكل قاطع. المشكلة يجب ألا تصور دوما أنها عند الطرف الفلسطيني بل هي عند إسرائيل التي ترفض الاعتراف بأدنى حقوق الشعب الفلسطيني. * كيف ستتعاملون مع مبادرة السلام الجديدة التي تعتزم العديد من الأطراف، عربية ودولية، طرحها مستقبلا؟ - حتى الآن لم يصلنا أي تصور أو مقترح حول مبادرة سلام جديدة. لكن نحن مع أي توجه سياسي يمكن أن يعزز حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال بشكل كامل. * كيف تقيمون زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية إلى الأراضي الفلسطينية، وهل وصلتكم رسائل من واشنطن قبل هذه الزيارة وبعدها؟ - إن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس لم تكن معنية بتقديم رؤية جديدة للصراع القائم وأصرت على نفس الشعارات القديمة التي تصب باتجاه تعزيز قوة إسرائيل ومنح الفلسطينيين مجرد وعود لا رصيد لها. حتى الآن الإدارة الأمريكية لا تتعامل كوسيط نزيه بل تتبنى المواقف الإسرائيلية وهذا ما يضعف قدرتها على تقديم حلول واقعية ومقبولة. * هناك طرح أمريكي يسعى إلى تجاوز صلاحيات الحكومة، بوضع المعابر تحت إدارة الأمن الرئاسي، وتحويل الأموال على الرئيس محمود عباس فقط دون سواه، كيف تقرأون هذه المواقف؟ وكيف ستتصرفون؟ - أولا نحن نرفض أي تدخل أمريكي في شؤوننا الداخلية، لأن هذه القضايا يجب أن تعالج ضمن المصلحة الوطنية وضمن الحسابات الفلسطينية فقط ولا ينبغي أن تعالج قضية المؤسسات الفلسطينية إلا بما يسمح به القانون أو ما يجري التوافق عليه وطنيا. * عودة إلى الحوار الفلسطيني الفلسطيني، أين وصل الحديث حول توسيع منظمة التحرير الفلسطينية إلى بقية الفصائل؟ - حتى الآن لاتزال الأمور في نقطة البداية ونأمل خلال الأيام القادمة الشروع في اتخاذ خطوات جدية باتجاه إصلاح منظمة التحرير وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة. * ماذا عن مفاوضات إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، وماذا عن الأسرى الفلسطينيين؟ هل هناك موعد ما لتبادل الأسرى بين الطرفين؟ - لا يوجد شيء جديد حتى الآن، ولايزال الموقف الإسرائيلي يرفض التعاطي بايجابية مع المطالب الفلسطينية بإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين. * هل تتوقعون من الرئيس عباس أن يحل البرلمان ويقيل الحكومة، وما هو رد فعلكم؟ - حتى الآن لم نسمع من قبل الرئيس عن أي خيارات أخرى، بل هناك موقف واضح باتجاه تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما نسعى جميعا لإنجازه.