بقلم: خضير بوقايلة لعلكم لا تقدّرون مدى الغضب والإحباط (مرة واحدة!) اللذين اعترياني وأنا أقرأ تصريحات وزير الدولة منسِّق الحكومة ثم وزير الدولة وزير الداخلية وهما يعلنان للناس أن الاستفتاء حول الدستور الجديد لن يكون نهاية السنة مثلما وعدنا فخامته، ثم تتالت تصريحات وبيانات أحزاب الحاكم تبارك تأجيل الاستفتاء. استغربت وأنا أقرأ تلك التصريحات فقلت في نفسي لعل القوم يأتمرون بصاحب الفخامة ليقتلوا جنينه الذي كاد يطلق أول صرخة له في هذه الدنيا. منسّق الحكومة قال إنّ التداخلات التي حدثت في جدول أعمال فخامته هي السبب في تأجيل العرس، وقال وزير الانتخابات النزيهة والديمقراطية إنّ المعطيات الموضوعية لا تسمح بتحديد موعد الاستفتاء قبل نهاية السنة الجارية. ثم طلع كبير الحمسيِّين مهللاً للتأجيل ومدّعياً أنّ ذلك سيسمح بمزيد من التشاور حول محتوى الدستور، وهو الذي كان قبل أسابيع يهلّل للدستور من دون تشاور، بينما خرج رأس المتحالفين (كالعادة) مؤكداً أنّ التأجيل لا يهمّ وأن الحزب العظيم موافق اليوم وغداً على كل ما يراه صاحب الفخامة مناسباً. أما أنا فلي رأي آخر، وأرجو أن أجد بينكم من يشاركني فيه، في الواقع كنت أتمنّى وأنتظر بفارغ الصبر نهاية العام حتى ندخل عهد الدستور الجديد الموعود، والحق أنني أدعو الله من زمان أن يحمل بلدنا أعلى علّيين وجاءت الفرصة مع الدستور الموعود، لكن خرج علينا في آخر لحظة من أراد أن يفسد علينا العرس. لماذا سكت فخامته عن المؤامرة، وهل هو راض فعلا بتأجيل الاستفتاء؟ لماذا؟ هل أغضبك شعبك العزيز يا فخامتك حتى تحرمه من سعادة أبدية كان متشوِّقاً إليها؟ لماذا تحالفت مع أعداء الشعب وقرّرت تأجيل فرحتنا؟ نحن نريد دستورنا الجديد الموعود قبل نهاية السنة، لقد انتظرنا طويلا وكاد يوم السعد يطلّ علينا، فطلع علينا المتآمرون مرة أخرى ليقفوا ضدّ رغبة الشعب. نحن نريدك يا صاحب الفخامة راعيا لنا أبد الدهر مع الدعاء بطول العمر، نريدك أن تكون خمسة أرباع الرئيس وتدير كل شيء يتحرك في البلد بحكمتك الظاهرة، كل شيء، من مصلحة الحالة المدنية إلى مشروع المدينة التكنولوجية التي حملتها لنا معك هدية من رحلتك إلى الصين، نريد أن تبقى عينك الثاقبة على كل مشروع وعلى كل مصلحة في كل البلد، فنحن لا نثق في أحد، مثلك تماماً، ولكن نشدّ على يدك لتخطو خطوة أخرى في مشوار حكمك العملاق فتعلن لنا أنك قرّرت، وقرارك الحق، أنك لم تعد راغبا في مواصلة لعبة التوازنات الداخلية ولا حتى الخارجية لأن الشعب كله معك ويريدك أن تكون أنت فقط المتوازن الوحيد في كل المعادلة. خرج علينا من يقول إن هناك مواعيد سياسية هامة اقتضت تأجيل الاستفتاء حول الدستور الموعود، وهم بالطبع يقصدون انتخابات المجالس البلدية والولائية وانتخابات البرلمان. كلام فارغ هذا الذي يقولونه، لأن الشعب أحبّ الدستور الجديد حتى قبل أن يرى ما فيه (المهمّ أنه رغبة صاحب الفخامة، ونحن نعلم أنك أحسن من يعرف أين هي مصلحتنا وأين المضرّة)، وهو متلهِّف لحمله واحتضانه، وأنا أعلنها من هذا المقام بكل صراحة، الشعب لا يريد شيئا آخر غير الدستور الجديد والعهد الجديد، لا حاجة لنا لا بالانتخابات البلدية ولا البرلمانية، نحن لا نريد رؤساء بلديات ولا نوابا ولا أعضاء في مجلس الأمة، بل لا نريد هذه المجالس أصلاً، البركة فيك أنت وحدك يا صاحب الفخامة والباقي في خدمتك ورهن إشارتك. فرجاءً ألغ قرار التأجيل وأفرح شعبك بخطاب مدوٍ (ما عليهش يكون بالفرنسية) تعلن فيه أنك قرّرت وحدك ولا شريك معك أن تستفتي الشعب في دستور جديد يعيد له ما بقي من كرامة لم يسترجعها طيلة السنوات السبع الماضية، ويرفعه إلى مصافّ الشعوب الراقية الكريمة والعزيزة. وإذا كان كلام المنسِّق الحكومي صحيحا، أي أنّ جدول أعمالك الطارئ لا يسمح بتنظيم الاستفتاء، فإنني أعلن من الآن ومن ورائي ملايين المواطنين الصالحين أننا نحن أيضا فهمنا الدستور الجديد واستوعبناه ورضينا به دستورا قبل أن نطّلع على محتواه، والحق أن الشعب يعلم من زمان أن كل ما يأتيه من الحاكم هو عين الحق والمصلحة، لذا فإنني أتقدّم إليك باسم هذه الأمة الطاهرة أن تستدعينا للاستفتاء على الدستور قبل نهاية العام ولا تهتم كثيرا للآجال القانونية الواردة في الدستور الساري، لأننا لم نعد نهتم لأمر هذا الدستور من مدة طويلة. لا تهتم يا فخامتك لأمر الحملة الانتخابية، فنحن لا نحتاج حملة انتخابية ولا حملات شرح وتوعية، فجميعنا فهم الدستور الجديد وفهم كل صغيرة وكبيرة فيه، لا نحتاج منك إلى حملة انتخابية ولا إلى جولات عبر الولايات تتعب فيها نفسك من أجل أمر مكتسب أصلاً، اهتم فقط بجدول أعمالك وبجولاتك في كل مكان تريد، واترك أمر الدستور لنا نتولى أمره، وإذا رأيت أنّ جدول أعمالك لا يسمح لك ولو بتوقيع قرار استدعاء الهيئة الناخبة فاعلم أننا متسامحون وسامحون، لأننا مستعدون للإدلاء بموافقتنا من دون استدعاء، فنحن أبناء البيت وخُدّامك، وابن البيت لا يحتاج إلى دعوة ولا إلى استدعاء ليحضر، وإذا بدا لك الأمر صعبا، فإننا نكرّر إلحاحنا على حاجتنا للدستور، وحتى لا تحبطنا نأمل منك أن توقّع على الدستور الجديد وتأمر ببداية العمل به بأمر رئاسي من دون تضييع وقت في التحضيرات وفي مراقبة مؤشر التوازنات وفي الحملات الانتخابية. هل رأيت كم هو الأمر سهل ولا يحتاج كل ذلك التعقيد؟ أما إذا استمعت إلى أصوات واقتراحات المحبطين، فاعلم أننا قرّرنا تنصيب فخامتك على العرش أبد الدهر، ووضعنا في يدك حق التصرف في كل البلد وأهله من دون كلام فارغ عن الرقابة والفصل بين السلطات. أنت السلطة وأنت الفاصل وأنت الكل في الكل، فلا تحرمنا متعة الدستور الجديد، خاصة أننا لسنا وحدنا من يعنيه أمر هذا الدستور، بل كل العالم يتطلّع بشوق إلى ميلاد هذا الصبي الموعود!. أخيرا انتهى الجزء الأول من المسلسل المكسيكي وصدر باسم شعب العراق الشقيق حكم الإعدام في حق الرئيس والقائد الملهم صدّام حسين على جريمته في قضية الدجيل. ولا ندري هل سيُشنق القائد البطل في نهاية المسلسل أم أن المسلسل سيتفرع إلى مسلسلات بعدد الجرائم التي ارتكبها القائد في حق شعبه وبلده، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ حكم الإعدام لن يُنفّذ وستستمر المحاكمات المتتالية إلى ما بعد أن يقضي الله فيه أمره. وما دام الأمر كذلك، فإنني أجدّد اقتراحاً قدّمته يوم أُلقي القبض على البطل، فأنا أرى أن القائد العظيم الذي صوّت له شعبه وشعوب أخرى (واسألوا الرئيس بن بله إن لم تصدقوا) بنسبة فاقت المائة بالمائة، وفوق ذلك بدمائهم، لا بدّ أن يبقى يلهم الجماهير الواسعة ويلهبها، فهي محتاجة إليه الآن أكثر من أي وقت مضى، وحتى يبقى حيا وملهما لا بد أن يوضع في مكان آمن من أي اعتداء غادر قد يبادر إليه أعداء الأمة، مكان بعيد عن متناول القنابل والاقتتال، مدجّج بالحراسة والبناء المصفّح، مكان يمكن لعشاقه أن يزوره فيه ويرونه من بعيد ويستلهموا منه، ويمكن أيضا لأعدائه أن يروه ويسبّوه ويرجموه، لكن من دون أن يصيبه أذى. قائد مثل صدّام عملة نادرة في زمننا ولا بد أن نحافظ عليها من الانقراض. ثم إن لي سؤالا قد أجد جوابا له عند المختصين في القانون الوطني، هل يمكن أن يحاكم رئيس عسكري أمام محكمة عسكرية لأنه تولّى يوم الزحف وترك بلده لقمة سائغة للمحتل، وفضّل حفرة في أحد البساتين على البقاء صامداً وراء أسوار بغداد حتى آخر رصاصة تخرج من مسدّسه مثلما وعدنا بذلك الأخ الفاضل بشير بومعزة. على فكرة، أين اختفى الرجل وكتابه الأبيض؟!.