محمد يعقوبي الإلتزامات التي قدمها رئيس الحكومة، عبد العزيز بلخادم، حول محاربة الفساد والمفسدين حتى ولو كانوا إطارات نافذة في الدولة، مشجعة ومن شأنها أن تطمئن الرأي العام على خزائن الدولة في القادم من السنوات، بالنظر إلى الفائض في المال العام و"الفائض" أيضا في السرقات والاختلاسات.. ومن حق بلخادم أن يقول بأن الفساد ليس وليد السنوات الأخيرة، بل هو تراكم لعقود ما بعد الإستقلال، ساهم في تكريسه وتحويله إلى ثقافة رائجة، الاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية التي عرفتها البلاد وبخاصة منذ منتصف الثمانينيات، وما قاله بلخادم هو الحقيقة بعينها، لأن الجديد في موضوع الفساد، ليس انتشاره واستفحاله، بل بروز عزيمة الدولة في محاربته حتى عندما يتعلق الأمر بإطارات سامية في الدولة، ويكفي هنا كمؤشر إيجابي أن يلتزم رئيس الحكومة بالتخلي عن أي وزير أو إطار يثبت تورطه في قضية الخليفة على سبيل المثال لا الحصر.. لقد كان الحديث عن الفساد والرشوة في وقت سابق ضربا من المغامرة وزاد في استشراء هذا السرطان، إستغلال الوضع المأساوي للجزائريين والإستثمار في الأزمة الوطنية، وبقدر ما سُحقت الطبقة المتوسطة، انتفخت بطون "الأمراء" الجدد لوضع جديد لم يكن الجزائريون منشغلين فيه إلا بالدفاع عن أنفسهم ومحاربة الإرهاب بصدور عارية، أما اليوم فقد كسرت طابوهات الفساد والرشوة، وامتلكت الدولة الجزائرية شجاعة فضح أي ممارسات منافية للقانون حتى ولو كان ضحاياها نافذين ومؤثرين في دواليب الحكم، وتلك مؤشرات إيجابية تعطي الكثير من المصداقية للخيارات السياسية الراهنة رغم كل ما يمكن أن يوجه لها من إنتقادات.. الجسم المريض يجب المسارعة لمداواته قبل أن تكثر أمراضه وتتطور إلى ما يصعب احتواؤه، وكلما كان الكشف عن الداء مبكرا كانت محاربته أسهل، أما عندما يطول أمد المرض وتتكاثر تفريعاته، فإن المعالجة يمكن أن تتحوّل إلى مغامرة حقيقية.. وهو الحال الذي ينطبق على محاربة الفساد في الجزائر، فاستفاقة الدولة لهذا المرض في مراحله المبكرة وعزيمتها بقطع دابر المفسدين مهما كانت مكانتهم، كلها مؤشرات على إمكانية إحتواء هذه الظاهرة إذا ما تكاتفت الجهود وصدق العزم ووفى المسؤولون بالتزاماتهم المعقودة وأكملت الدولة معركتها حتى النهاية.