إبراهيم قارعلي أصبح الصينيون يشكلون جالية قائمة بذاتها في الجزائر، ولم يعد تواجدهم يقتصر على مدينة الجزائر العاصمة فقط، ولكن هذا التواجد قد امتد إلى الكثير من المدن الجزائرية الأخرى وقد وصل إلى عمق الجزائر، حيث القرى والأرياف. وكان من الطبيعي أن يندمج المهاجرون الصينيون بسرعة فائقة في المجتمع الجزائري، باعتبار أن الصين تعد من أهم الحلفاء الإستراتيجيين للجزائر سواء على الصعيد التاريخي الذي يتصل بالثورة الجزائرية أو على الصعيد الدبلوماسي، خاصة بعد الإستقلال، حيث واصلت الجزائر رفع لواء التحرّر من الهيمنة الغربية. وإذا ما كان التواجد الصيني في الجزائر يعود إلى السنوات الأولى للإستقلال، فإن الصينيين يكونون قد عرفوا كيف يكثفون من تواجدهم منذ بداية الألفية الثالثة، وكان من الطبيعي أن يكون مدخلهم من البناء، حيث تعاني الجزائر أزمة حادة في السكن وكأنها قد أصبحت مثل الأمراض المزمنة الحادة. وبالفعل، فإن المهاجرين الصينيين قد استطاعوا في مجال البناء أن ينجزوا في أقل من سنة ما عجز عنه الجزائريون خلال عشرات السنوات، وكان من السخرية أن يوصف الصينيون بالعملاق النائم، بل إن مثل هذا العملاق قد جعل الجزائريين يغطون في سباتهم العميق، حيث أنهم كلما استيقظوا صباحا فتحوا أعينهم على عمارات صينية جديدة. لقد استطاع الصينيون التخفيف من حدّة أزمة السكن بعد انطلاق مشاريع وكالة عدل، بل إن اليد الصينية العاملة قد استطاعت أن تحل محل اليد الجزائرية، مثلما حلت شركات البناء الصينية محل الشركات الجزائرية. يحدث ذلك في الوقت الذي قادت سياسة الأرض المحروقة شركات البناء إلى الإفلاس وبالتالي الغلق وتسريح العمال وأصبح المحظوظ من العمال الجزائريين المسرحين من يحظى بمنصب عمل لدى شركات البناء الصينية. صحيح! أن ما تتوفر عليه الجزائر من شركات ومقاولات في قطاع البناء أو ما تبقى منها، لا تستطيع أن تحقق الأهداف المسطرة، خاصة برنامج المليون وحدة سكنية التي بقدر ما تثير شهية المستثمرين وتسيل لعابهم، فإنه سرعان ما اتضح أنها مجرّد حملة انتخابية مسبقة! لا أحد يستطيع أن يجادل الخبراء الإقتصاديين أن قطاع البناء، هو الوحيد الذي يستطيع أن يمتص اليد العاملة ويخفف من حدّة البطالة، لأن البناء يعد من أهم القطاعات الاستراتيجية، خاصة في البلدان التي يتزايد فيها الطلب على السكن مثل الجزائر التي تحولت إلى ورشة مفتوحة. لقد انتقد أحد رؤساء الحكومات السابقة كيف أن الجزائر تستورد عمال البناء من الخارج في الوقت الذي تتوفر فيه الجزائر على عشرات الآلاف من الأيادي العاملة العاطلة. ولكن مثل هذا الانتقاد سرعان ما يدين صاحبه عندما يتعلق الأمر بحسابات سياسية بعيدة عن الحقائق الإقتصادية والاجتماعية. والحقيقة، أن الصينيين لم يسيطروا على قطاع البناء فقط، وإنما امتدت أياديهم العاملة إلى المنشآت القاعدية الأخرى وخاصة الطريق السيّار الذي يمتد من الشرق إلى الغرب، حيث تحولت الشركات العالمية التي دخلت باب المنافسة من خلال المناقصات إلى مجرد أقزام صغيرة، خاصة الشركات الفرنسية. نحن الجزائريين الذين يحثنا الدين الحنيف على طلب العلم ولو في الصين، نكون قد جعلنا الصينيين يطلبون العمل ولو في الجزائر!