يكشف المسار المنحرف الذي اتخذته، من البداية، الإصلاحات السياسية المعلنة منذ شهور عن الوضاعة والخساسة السياسية التي بلغتها الجزائر والتي تجاوزت ما كان قائما حتى في أحلك فترات الأحادية السياسية وهيمنة الحزب الواحد، في الوقت الذي يدعي النظام أنه يهدف من هذه الإصلاحات إلى الانفتاح على المجتمع وخلق ظروف الانتقال السياسي الهادئ تفاديا لما قد يحدث على غرار ما جرى ويجري من أحداث مأساوية في البلدان العربية ذات الأنظمة الديكتاتورية الشمولية المشابهة للنظام الجزائري. * فزيادة على ضحالتها وهزالها وعدم الجدية التي أعدت بها وكونها استمرارا في الكثير من بنودها لسياسة المصالحة الوطنية المعتمدة على الإقصاء السياسي والتعامل بمنطق الغالب والمغلوب كما تبينه التعديلات المدخلة على قانوني الانتخابات والأحزاب، زيادة على ذلك سقطت في أيدي الانتهازيين القدامى والجدد الذين كشفوا من جديد عن الوجه البشع والبالي للنظام. فما يجري من استغلال لهذه الإصلاحات بين الأفراد والأحزاب، خاصة منها التي تسمى أحزاب الائتلاف، يؤكد أنها تتخذ مطية لتحقيق المآرب والمكاسب السياسية والمادية وممارسة القهر والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. * هذا ما يفسر التناحر أو الحرب الأهلية القائمة بين أحزاب ما يسمى الائتلاف الرئاسي الذي يعمل كل طرف فيه على الاستحواذ على هذه الإصلاحات وما توفره من إمكانات مالية وسياسية وإدارية تمكن الفائز بها من ضمان الفوز بمناصب الاستحقاقات المقبلة وهو ما يهدف النظام من ورائه إلى ضمان استمراره واستقراره دون أية تنازلات، وهو ما يجعل الإصلاحات مجرد ذر للرماد في العيون إن لم تكن صبا للزيت على النار خاصة وأنها ملازمة لعملية جنونية لشراء السلم الاجتماعي والسياسي بتبذير الأموال ورميها يمينا وشمالا بطريقة عملية الرشق للشطاحات في الأعراس ببعض المناطق، دون مراعاة ما ينجر عن ذلك حتما من ارتفاع في حمى الاستهلاك في ظل الانعدام الكلي للإنتاج فيحدث التضخم وترتفع الأسعار وتحل الكارثة الاقتصادية ومعها كوارث وكوارث من كل نوع لا أحد يعلم كيف يستعد صانعوها ومروجها لمواجهتها؟. ثم أن ما يجعل الإصلاحات المطروحة إضافة للأزمة وليس حلا لها، وتكريسا للنظام واستمراره بسلبياته وليس تغييرا له، هو ليس فقط وضع هذه الإصلاحات بين مخالب ذئاب الائتلاف الرئاسي وبعض الأفراد المشبوهين وأشباه الأحزاب ولكن أيضا العودة إلى ما يشبه المنظمات الجماهيرية والزوائد الدودية للحزب الواحد والشخص الواحد من خلال التجنيد الكثيف لطفيليات المجتمع المدني لممارسة الكذب والتضليل على المجتمع وهذا ما لاحظه العام والخاص من الجزائريين على النشاطات الأخيرة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تحول إلى بوق لإسماع هذا الكذب والتضليل ووسيلة تجنيد للكذابين والمضللين من المجتمع المدني المزيف والمرتزق على حساب كامل المجتمع الجزائري الذي خاب ظنه أكثر من أي وقت مضى في هذه الإصلاحات مدبريها ومروجيها..