لو كانت شركاتي مهددة بالإفلاس لما اشتريت 30 بالمائة من "سوسيتي جنرال" كنت أوظف 40 ألف جزائري ولم أكن أدير المجمع بقصاصات ورقية بين نهاية تسيير أكبر مجمع اقتصادي خاص في تاريخ الجزائر المستقلة والمطاردة القضائية في محاكم عاصمة الضباب، قرابة عشرية من الزمن قضى رفيق عبد المومن خليفة منها إلى اليوم أربع سنوات وسبعة أشهر موقفا في سجن واندزورث جنوبلندن إلى أن يبت القضاء البريطاني في طلب ترحيله إلى الجزائر، معركة قضائية ملفوفة بالطعون فصولها ليست مرشحة لتنتهي في وقت قريب. * بعد "وساطات" معقدة ومحاولات عديدة، نجحت "الشروق" في الوصول إلى المطلوب رقم واحد لدى السلطات الجزائرية "لتلقي" عليه القبض داخل سجنه ولتطرح عليه ما أمكن من الأسئلة في غضون ثلاثين دقيقة التي هي مدة الزيارة المسموح بها. وبعد المرور بإجراءات أمنية وتفتيشية دقيقة تم اصطحابنا إلى أحد المكاتب المخصصة للمحامين، حيث جلس الخليفة مبتسما وهو يحمل كوبا من القهوة حيث لم يتردد لحظة في المبادرة بالحديث قائلا: "ليست لدي زيارات وليست من عادتي استقبال الصحفيين هنا". * لم يكن من اليسير إلقاء جميع الأسئلة التي يتمنى الكثير من الجزائريين الوصول إلى أجوبة مقنعة لها، ذلك لأن الخليفة يعرف أن قضيته ما تزال أمام العدالة وهو حتما لا يريد توريط نفسه في أية متاهات جديدة. ولم يكن متاحا لنا اصطحاب أي وسيلة عمل معنا لا آلة تسجيل ولا تصوير.. * = أنت موقوف منذ مارس 2007، لماذا طالت قضيتك؟ * == وأنا أجيب بسؤال آخر، لماذا أخذت السلطات القضائية في الجزائر أكثر من أربع سنوات ونصف ولم تنظر بعد في طعون محاكمة البليدة؟.. القضية طالت لأن المسألة معقدة والعدالة البريطانية يجب أن تمحص وتدقق في كل الوثائق والأدلة وهذا ليس بالأمر الهين. طول المدة يعود أيضا للصبغة السياسية للقضية ولطبيعة الملفات المفبركة ضدي. * = ماذا تقصد بالمفبركة؟ * == أقصد أنه ومنذ البداية لم تكن الانطلاقة جيدة لأن القضية لم تكن تستند إلى أية أدلة حقيقية ضدي، بل مجرد اتهامات أطلقها بعض الساسة، الذين منهم من بدأ بالحديث عن إفلاس شركاتي واختفاء 14 مليار دولار ثلاثة أشهر قبل بداية مسلسل الانهيار.في حين شرعت بعض وسائل الإعلام بمحاكمتي تحت عنوان "فضيحة القرن" وأرسل قرار توقيفي للصحافة عوضا عن جهاز الشرطة. * بداية القضية بهذا الشكل تجعل أية محاكمة معقدة وطويلة والعدالة البريطانية حسب علمي تحاول التحقق من صحة الوثائق التي قدمها دفاع السلطات الجزائرية ضدي. * = هل تريد القول إنك كنت مستهدفا ومجمعك لم يكن في طريقه للإفلاس؟ * == شركاتي كانت بخير وإلا لما كنت قادرا على شراء 30 بالمائة من أسهم بنك سوسيتي جنرال الفرنسي وسط العاصفة التي بدأت بتحطيم شركات الخليفة. الإفلاس القانوني لا يتم بالصورة التي وقعت لشركاتي. اسألوا أهل الاختصاص كيف تتم العملية بالطرق القانونية لتعلموا أن المسير الإداري الذي عُين على رأس المجمع قام بدوره جيدا لهدم شركات الخليفة. أنا لا أقول هذا الكلام من فراغ ألم يقرؤوا ما صرح به الوزيران السابقان عبد اللطيف بن اشنهو وعلي بنواري لجريدتكم قبل بضعة أسابيع فقط. ألم يتحدثان عن مخطط لتصفية "اسم الخليفة" من السوق. * = لكن كانت هناك عدة خروقات مالية وتذكر أن شرطة مطار الجزائر ألقت القبض على مقربين منك وهم يحاولون تهريب مليوني أورو في إحدى طائراتك عام 2003 . * == قالوا إن لديهم صورا للمتورطين، لكن لا أحد تمكن من رؤيتها. ثم دعني أقول لك إن تلك الحادثة لم تكن بمثابة بداية المشاكل بل ربما كانت آخر حلقات المسلسل لأنني كنت حينها في بريطانيا. فهل يعقل أن يقوم مقربون مني بتهريب الأموال إلي وهم يعلمون أنهم مراقبون من قبل الأمن وسط تلك الأحداث؟، وهل فرنسا هي أحسن وجهة للهرب مع أن المشاكل بدأت من هناك؟ * لو كانوا هاربين إلى بنما مثلا لكانت الحادثة تبدو أكثر مصداقية، لكن وجودي في بريطانيا تُبقي الأسئلة مطروحة عن صحة تلك الواقعة. * = هل هناك من حذرك من عدم العودة إلى الجزائر؟ * == لم أكن في حاجة إلى أيّ تحذير، فالأوضاع كانت واضحة جدا حسب قراءات وسائل الإعلام الفرنسية التي كانت تبشر بانهيار المجمع. * = تقول وجودك في بريطانيا مع أنك فررت من العدالة الجزائرية. * == لست فارا من العدالة ولم أهرب من الجزائر، بل كنت في لندن، ومع تدهور الوضع لم أعد للجزائر والأمور لم تكن واضحة ولا حتى العدالة كانت تبدو جاهزة لحل القضية قضائيا. * في بريطانيا خضعت لعدة تحقيقات من قبل سكوتلانديارد وأنا أواجه القضاء البريطاني منذ 2007 فرجاء لا تسميني فارا من العدالة.. * = مقاطعة.. لكن الشرطة البريطانية كانت السباقة إلى إلقاء القبض عليك حتى قبل صدور مذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة عن القضاء الفرنسي. * == هذا صحيح، لأن فرقة الجرائم الاقتصادية في سكوتلانديارد أرادت التحقيق معي حول تهم تبييض الأموال، غير أنها لم تعثر على شيء ثم أخلت سبيلي. ثم اعتقلت بعدها استجابة لمذكرة التوقيف الفرنسية. * = هل تريد أن تقنع الجزائريين أن الملياردير رفيق عبد المومن خليفة لا يملك أموالا في الخارج؟ * = لو كنت أملك أموالا في حسابات بالخارج لكان يسيرا على دول مثل فرنسا وبريطانيا كشفها في دقائق. وليعلم الجميع أن مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي أي" قام بتحقيقات كبرى في الولاياتالمتحدةالأمريكية لكنه لم يعثر على شيء له علاقة بي.. * = أين هي ملايير الخليفة إذن؟ * == سؤال يجب أن يوجه للمسؤولين في الجزائر لأن الملايير التي تتحدث عنها تركتها ورائي في الجزائر. * = جلسات محاكمة البليدة لم تشر إلى ذلك!؟ * == محاكمة البليدة "قعدة قيل وقال" أين هي الأدلة الدامغة؟، هل استطاع أحدهم أن يكشف عن الثغرات المالية المزعومة موثقة في ذاكرات أجهزة الكمبيوتر التي كنا نستعملها على سبيل المثال؟ وهل هناك من يستطيع إدارة مجمع بقصاصات ورقية؟ لقد كنت أوظف أكثر من 40 ألف موظف والأمور لا تدار بذلك الشكل كما يروج البعض. * = وماذا عن حياة الترف التي عشتها وأنت على رأس الإمبراطورية التي أسستها؟ * == "حياتي كامل وأنا خدّام" وقد عملت سنوات طويلة في الأدوية فأنا لم أكن فقيرا حتى أتهم بالبذخ. * = هل تتهم أحدا أو جهة معينة بتحطيمك؟ * == لا أريد أن أتهم أحدا فالقضية منذ مدة وهي بين أيدي العدالة ولا يمكن التعليق على كل شيء، كما لا يمكن الإجابة عن كل الأسئلة. * = هل يرى الخليفة نفسه ماثلا أمام القضاء الجزائري قريبا؟ * == الله أعلم، ولكن المسألة ليست بهذه السهولة ولا بتلك السرعة كما يعتقد الناس. لدي الكثير من الخيارات القانونية لتفادي الترحيل إلى الجزائر. فالملف الآن بين أيدي قضاة محكمة الطعن للفصل فيه. وبعده يمكنني الطعن على مستوى المحكمة العليا التي كانت تُعرف باسم محكمة مجلس اللوردات، كما يمكنني بعدها، وفي حال فشل تلك الطعون، الاستعانة بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. * = وفي حال رفضت محكمة الطعن تسليمك للسلطات الجزائرية؟ * == قد يطلق صراحي.. * = وماذا عن الطلب الفرنسي لمحاكمتك في فرنسا؟ * == الفرنسيون لم يتفاهموا حتى فيما بينهم عن جدوى محاكمتي لديهم. فالإدعاء العام الفرنسي أوصى بضرورة سحب الدعوة ضدي أمام القضاء البريطاني لأن شركاتي مسجلة في الجزائر وليس من الطبيعي خوض معركة قانونية بهذا الشكل والمضمون، في حين يصر قاضي التحقيق الفرنسي على تلك الدعوى. * = برأيي هذه القضية مفروغ منها ولا تزعجني لأنها وكما قلت ما تزال موضوع خلاف بين الفرنسيين أنفسهم والقضاء البريطاني على علم بذلك. * = وكيف تقضي أوقاتك في السجن؟ * == عاديٌ جدا، لدي الكثير من الحركة إن صح التعبير. أمارس شيئا من الرياضة وأقضي وقتا طويلا في تتبع الأخبار والأحداث الدولية. * = وما تعليقك على الثورات العربية؟ * == لست سياسيا، لكن الوضع في ليبيا وسوريا يبدو خطير جدا. تونس برأيي عملت انتفاضة مشابهة لانتفاضة أكتوبر 1988 في الجزائر وحكم المجلس العسكري في مصر أرى أنه أسوأ من أيام حكم مبارك.