ليلة ميلاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقلم: يحي بوكليخة: ennouryahia@yahoo.fr في تلك الأيام إلتقيت بأخينا محمد السعيد في وهران والحق يقال كان كله ترحاب واستماع ولم يظهر أنه كان متخوفا من الفكرة أو ضدها، كل ما كان يريد أن يستشار ويستدعى قبل خروج الفكرة للشارع ويحضر ما استطاع لها.. ولكن في الأخير لمست منه أنه كان مستعجلا للعمل معنا لو أعطي للرجل شيئا من القيمة والاهتمام، ويا للأسف كانت العمارة قد خرجت كما يقال عندنا أي أن الرصاصة قد خرجت والوقت كان يدفعنا للأمام ولو كنت من سكان العاصمة لما تخليت عنه ولأحضرته لمجلس الشورى وجماعته بكل وسيلة وحيلة.. ولا حولة ولا قوة إلا بالله وما نشاء إلا أن يشاء الله. أذكر أن أول المثبطين والمعرقلين والمترددين كانوا المنتمين للجماعات الإسلامية المعروفة.. قال لي أحدهم من جماعة محمد السعيد، سمعنا أنك تشارك في تأسيس الحزب الجديد مع عباسي وعلي بن حاج.. قلت نعم وهل أسستم شيئا ودعوتمونا ورفضنا المشاركة فيه.. في الوقت الذي كل التيارات تخرج للساحة وخاصة الشيوعي الباكس وأنتم مازلت تراوحون مكانكم.. قال لي بالحرف: ولكن جماعة فيها عباسي وعلي بن حاج لن تنجح، فالأول متهور ومتسرع والثاني متشدد، لن يتفقا.. قلت والله هذا رأيكم ولكن لا نحكم على الناس قبل العمل معهم وسوف لن نترك الحبل لهم فقط، ستكون شورى إن شاء الله ولنا الخبرة ومعنا رجال كبار لن نترك لأحد الكلمة لوحده، لن نؤسس الدكتاتورية باسم الإسلام، فالشعب يريد عدالة وحرية الإسلام وقد عانينا من القهر فكيف نشارك فيه.. أما أنا فلا أعرف في الإسلام مثالا غير عمر بن الخطاب، لا حلم لي إلا استرجاع حاكميته، ومثالي في الحاكمية إلا عمر بعد نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق.. هكذا كان ينظر هذا الأخ إلى الرجلين.. قلت اعطني أدلة على عدم صلاحية عباسي مدني لأقتنع.. قال لي لا أستطيع. ولكن تذكر أنه لم يستشر أحداً في قضية التجمع الذي تدبره والنقاط التي حضرها ودفع بالشباب للتجمهر لولا أننا تداركنا الأمر وقمنا بالموقف الذي جرنا للبرواقية سنة 82.. كنا أكثر دقة يا صاحبي.. مثال آخر على قلة فهمه: قال مرة لأحد الإخوة المكلف بالمطبخ في سجن البرواقية أتسمح لي بأخذ شيء من العنب.. قال له الشاب: نعم.. ثم استدار من جهتي يعلق على الموقف.. أنظر لهذا الرجل يطلب الإذن لأخذ عنقود عنب ولا يستأذن أحدا لإشعال نار الفتنة.. وأخيرا قال لي كلمة اعتبرها خطيرة في عقلية هذا النوع من البشر: قال اللهم لا بأس واصل معهم ولكن حاول أن "تفريني" كلمة فرنسية تعني تكبح المسيرة ولا تتركها تجري بسرعة أو جمدها.. تركته وحاله وبقيت أفكر في كلامه وأقول في نفسي هذا قيادي في الحركة الإسلامية يريدني أن أتعامل مع اخوة في الله بالنفاق وعدم الصدق فيا للكارثة وماذا كسب من إيمانه والمحن التي ضربته والسجون أوَلا يعرف أن هذا الدين أول ما علم الإنسانية كان قول الصدق والتصرف بصدق مع النفس والناس.. فيا علماء الإسلام راجعوا ثقافة المسلمين واكتبوها على شكل معادلات.. أولا: أَيَكُونُ المؤمنُ كذّاباً.. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.. فمن أين جاء الكذب الحركي وللمصلحة.. ألا يقلب الكذب المؤمن إلى صفر: المومن + الكذب = صفر.. هذه الطريقة العصرية التي نرجو أن تكتب بها أصول العقيدة والفقه الإسلامي، فلو يقيد لي الله العمر والصحة لأعدت كتابة كثير من تراثنا الفكري على هذا المنوال.. فكيف به إن كان يريد أن ينتسب لورثة الأنبياء ممن يحيون للإسلام دولة ويبنون حضارة وفي أي زمان.. زمان اخترع فيه النصارى آلة تكتشف الكذب وتفضح الكذاب فجزاهم الله عن ذلك وهداهم لمعرفة طريق الهداية.. وطريق الإسلام.. كانت جل أسئلة الجماعات ماذا أنتم فاعلون إذا رفض ملف تأسيس الحزب والخوف كل الخوف من أن تتبعوا أسلوب مصطفى بوعلي رحمه الله وأنتم أغلبكم ممن كانوا موقوفين بتهمة الانتماء إلى جماعته وقد حوكمتم في محكمة أمن الدولة، رغم أننا نعرف أنكم كنتم مظلومين ولكن النظام يعتبركم ممن كانوا يخططون لقلب النظام بالقوة على طريقة الخميني، فهل ستقبلون بحكم النظام في حال الرفض ولا تشعلوا نار الفتنة ونحن في غنى عنها.. أما من جماعة محفوظ رحمه الله، قال لي أحدهم لقد قمنا بدراسة الوضع الحالي وأحصينا جميع طاقات المسلمين ولم نجد ما يكفي لدخول المعترك السياسي والحكم. كيف؟ هل حسبتم عدد الإطارات المستقيمة وطنيا ولم تجدوا العدد الكافي. ولكن قل لي كيف تعرف الإطار الإسلامي؟ أظنكم تريد الحركي المنتمي لجماعتكم حاليا.. هل تعرف كم عدد الذين لهم ثقافة إسلامية واستقامة في الجزائر؟ وهل أدمجت الذين لا ينتمون للجماعات أو من جبهة التحرير.. أليس عناصرها مسلمون إلا شرذمة المشْيع الملحدين.. الذين خرجوا وأسسوا حزبهم الآن.. إنك يا أخي مازلتم تُراوحون مكانكم وفي نفس الأخطاء التي وقع فيها حسن البنا رحمه الله وجماعة الإخوان في مصر.. ثانيا: هل عرضتم منهاجكم علينا وعلى الناس ونظرتم كم عدد الذين سينتمون إليه.. ثالثا: من قال لكم إن الحزب هو الذي سيحكم إن نجح.. نظن أنها فرصة أعطيت للشعب الجزائري ليختار من لهم صفات الخير والإخلاص ونحن سوف لا نكون إلا وسيلة لجمع المخلصين لدينهم ووطنهم ليعملوا على تخريج مشروع الدولة الإسلامية والمشروع لن يتحقق إلا بمشاركة علماء من العالم كله ولن نستطيع إخراج النسخة الأولى إلا بعدما تكون لنا الوسائل الضرورية لجمع المستشارين والمختصين والأساتذة المدرسين والشيوخ المربين وتحضير كل صغيرة وكبيرة لهذا المشروع الضخم العالمي كما تقولون ولن نتمكن إلا بوسائل ضخمة ولمدة سنين عددا وهذا لن يقوم به إلا جهاز دولة انتقالية تدوم على الأقل خمس سنين.. نعم خمس سنين لتحضير المشروع ونحن في الحكم.. ثم خمس سنين أخرى لتعليم الناس وإخراجه للعالم وتدارسه مع الدول الإسلامية الأخرى في مؤتمرات وتكثيف الدروس والمحاضرات داخليا لتثبيت الإيمان وتنقية الأجواء ونشر السلم والاطمئنان ومساعدة الناس وتنحية الحقارة والخوف ومناقشة المخالفين وتحبيب التوبة للملحدين والمشْيع واللائكيين وهي المرحلة الأولى التي مر بها الصحابة في مكة والقرآن يثبت فيهم الإيمان وحب الله ورسوله واليوم الآخر.. فهذا فهمي للمشروع يا حبيبي.. إنكم في غفلتكم ساهون وتريدون للإسلام أن ينتشر.. إنه عمل الأنبياء والعلماء والربانيين وليس عملنا، فما نحن إلا وسيلة لتحضير الأجواء والوسائل لمن سيكونون خيرا منا فيضعون الخطط النهائية.. ثم في الخمسة الثالثة ستكون ظهرت الإطارات المخلصة حقا والعاملة لوجه الله حقا وإن أعاد الشعب انتخابنا وانتخاب الوجه الإسلامي أو قل الحكم الإسلامي فسنواصل شيئا فشيئا التكوين والاجتهاد والإصلاح والتبشير واستقبال العلماء والمختصين.. فالذي أراه ستصبح الجزائر مدينة القرن الواحد والعشرين والجزائريون أنصار الإسلام، منها تنطلق الفتوحات العلمية والإنسانية وملجأ للمحتاجين والمساكين من كل الأديان لا إكراه في الدين نعينهم ونرسل إليهم الخبراء والأطباء وننصر المظلومين في المحافل الدولية وننهى عن المنكر ولو كان من أخواننا في الدين ونعيد البسمة والأمل للناس كافة.. فيصبح يقال من فعل ذلك الخير، فيجاب ومن تريد أن يعمل الخير مجانا غير أبناء الجزائر المسلمة.. هذا حلمي ياحبيبي.. فإن وصلت فالحمد لله والشكر لله وحده وإن لم أصل فعلى الأقل عشت أعمل من أجل حلم جميل كما كان يقول العالم الجليل الهندي محمد إقبال رحمه الله لمخالفيه عندما كانوا يثبطونه، يقول لهم أما أنا إن لم أر لمشروعي تحقيقا فقد عشت حياتي أحلم بشيء جميل.. فماذا كان حلمكم أنتم غير النكد والسهد والحسرات والتمني.. أو كما قال.. أما الثلاثي المرح، كما أسميهم، من قدماء جماعة أخينا جاب الله (علي جدي، حشاني، بوخمخم) أتوا يوم أن حضرنا البرنامج ونحن نستعد للإعلان غدا في مسجد بن عمر في القبة. اجتمعنا ليلة الإعلان في مسجد باب الوادي وكنا نستكمل خطوات الإعلان غدا، فقد أنهينا كتابة مشروع برنامج الجبهة الإسلامية للإنقاذ وطبع منه وما بقيت إلا بعض النقاط كشعار الحزب، أقترح أحدنا أن يكون شعارنا الآية الكريمة «يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» التوبة: 120. إلتفتّ إلى صاحب الاقتراح فقلت له: لماذا هذه الآية؟. فقال: لقد جربنا نتيجة الكذب ماذا فعلت بنا.. سجون ومحن من أجل أن أحدا كان يكذب على صاحبه ويفتخر عليه بأنه مجهز للقيام بأي عمل يوصل إلى النصر فوصلت إلى آذان النظام فظنّ حقا أننا كنا نستعد لشيء كبير وهي كذبة من فم إلى أذن إلى مُخبر إلى السجن بوالوا... فلن نسمح بالكذب في هذا العمل.. جيد.. جيد.. يا صديقي.. قلت جاء تلك الليلة الثلاثي المرح كأنهم قافلة لوحدهم يلحون أن لا يكون لنا إعلان غدا، ننتظر حتى يستكملوا هم جمع شمل الجماعات على هذه الفكرة.. وكلام طويل وعريض.. فلما أحسّوا أنهم ينفخون في رماد وأن وزنهم في مجلسنا خفيف، أخرجوا لنا ملحمة لم أسمعها من قبل، خلاصتها أنهم وهم أصحاب التجربة الكبيرة يرون أن لا يكون لنا نظام على شكل هرمي مجلس شورى وأمين عام وناطق رسمي أو رئيس أو أمير.. ولكن كذا وكذا لأنهم بعد تجربتهم في الجماعة الإسلامية يخشون أن نكرر نموذج الأمير المطاع والعناوين الأخرى.. وهم على استعداد للانضمام إلينا ولكن بناءً على هذه الشروط غير المفهومة إلا واحدة أن لا يكن على شكل هرم.. لماذا، الله أعلم.. وأعادوا الكرة قبيل الإعلام في منزل الشيخ بن عزوز زبدة وأخذوا يكررون تخوفاتهم وعبارات من نوع الطلاسم المعروفة في الحركات الإسلامية السرية، لا يفهمها إلا الذي كان له اطلاع على تلك النشرات السرية والهيكلة السرية والمصطلحات الإخوانية.. مثل التمكين، الجاهلية، الحاكمية، الإعداد للجهاد، المفاصلة، المبايعة.. مصطلحات تقيّأناها في سنين السبعينيات والثمانينيات ومحن السجون.. ولكن ما أثار انتباهي ومازلت أتساءل عنه تلك الدموع التي ذرفها بحرارة كبيرهم وهو يقول للشيخ عباسي مدني وهو يتذلل وكأن مصيبة كبيرة ستحل قريبا.. يا الشيخ أرجوك أن لا تعلنوها اليوم ويا الشيخ الرجاء أن لا تعلنوا أن لها رئيسا أو إماما بدموع حارة وقد كاد أن يؤثر على الشيخ عباسي، حيث لم يبق إلا هو وصاحبنا.. فالكل خرج. ولكنني كنت في آخر البيت لما رأيت أن أخانا يريد أن ينفرد بعباسي، وقفت وراءه وهو ينتظرني أن أخرج ولكن وقفت صامتا وما كان عليه إلا أن يلتصق بعباسي كي لا أسمع ما يقول ولكن هيهات وقفت واقتربت أكثر ونظر إليّ عباسي ثم استحى أن يقول لي اتركنا لوحدنا ولكن تركت دموع التماسيح عليه آثارا بليغة ولما وصلنا للمسجد بدأ ينظر ماذا سيفعل وأخيرا دلّه أحدنا أن يعلن تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ ويقرأ فقط المواصفات ويترك الإفصاح عن البرنامج كخطوة لفسح المجال للزعامات المترددة أننا مازلنا ننتظرهم لكتابة البرنامج معا.. يتبع...