إعتبر المؤرخ الجزائري محمد حربي أن "المصالحة الحقيقية" بين فرنساوالجزائر تستدعي تقديم الرئيس جاك شيراك، باسم الدولة الفرنسية، اعتذارات للجزائر عن ممارسات بلده خلال الحقبة الاستعمارية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لا يرى ضرورة إقدام باريس على طلب "التوبة"، كما تطالب به السلطات الجزائرية وشرائح عريضة من الرأي العام الجزائري وما يسمي ب "العائلة الثورية". وقال محمد حربي في تصريح نشرته يومية "لاكروا" الباريسية غداة السفر الجزائري لوزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي أن كلمة "التوبة" ليست مجردة ضمن أفكاره ولا حيزه اللغوي، لأن الأمر يتعلق بكلمة مرتبطة بالأخلاق الدينية وليست لها أي علاقة بالتاريخ. وطالب محمد حربي، المعروف بمصداقية أعماله التاريخية في نظر الأوساط الجزائرية والفرنسية، بضرورة تجريد الماضي من شحنتها العاطفية والعمل في سبيل علاقة ثنائية هادئة ومستقبلية. محمد حربي يرى أن هذا السعي يتوقف على مراجعة قراءة "فرنسا الرسمية" للصفحة الاستعمارية، لذا يعتقد المؤرخ، الذي يعكف حاليا على إتمام الجزء الثاني والأخير من مذكراته، أنه "لا بد على فرنسا الاعتراف أخيرا أن الحملة الاستعمارية كانت تهدف إلى بسط السيطرة على الجزائر ولم تتم بغية الحضارة". وأضاف محمد حربي في هذا السياق أنه يستلزم على الطبقة السياسية والمثقفين والرأي العام في فرنسا "محو نهائي" لاعتقاد زرعه قانون 23 فيفري 2005 الممجد للدور الإيجابي للاستعمار في العديد من الأذهان الفرنسية، اعتقاد مفاده - يذكر محمد حربي - أن العمل الاستعماري "أتى بأشياء إيجابية وخيرية للجزائريين". وتأسف محمد حربي عن الكيفية التي ينظر بها الرئيس جاك شيراك للصفحات المؤلمة للماضي، حيث ندد المسؤول الأول في قصر الإليزيه خلال زيارته لمدغشقر في جويلية 2005 بالقمع الذي ارتكبه الجيش الفرنسي عام 1947 في الجزيرة، كما دعا تركيا إلى الاعتراف بأخطائها ومعاملاتها في حق الأرمن وذلك بمناسبة زيارته لجمهورية أرمينيا، في حين - يقول حربي - "لم يفعل أي شيء مماثل بخصوص الجزائر". وأشار المؤرخ الجزائري أن مثل هذا "التعامل بمكيالين" هو الذي يعد مصدر التشنج في العلاقات بين البلدين وليس ما تطلق عليه الأوساط الفرنسية العنجهية الجزائرية. ويعتبر محمد حربي من بين الأوائل في كل من فرنساوالجزائر الذين انتقدوا محتوى قانون 23 فيفري، حيث تفطن مبكرا - إلى جانب مجموعة من المؤرخين الفرنسيين - إلى سعي برلمانيين من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الحاكم لإعداد قانون ممجد للصفحة الاستعمارية في الجزائر، وبادر حربي وأصدقاؤه المؤرخين إلى التحذير من هذا المسعى في مقال نشر على أعمدة يومية باريسية في منتصف 2004، في وقت لم يشرع فيه مشروع القانون مسيرته التشريعية على مستوى البرلمان (الجمعية الفرنسية ومجلس الشيوخ). وفي كلام ردد في العديد من المرات على لسانه، يعتقد محمد حربي أن مسلسل قانون 23 فيفري تسبب في "أزمة تاريخية وأزمة ذاكرة حقيقية بين الجزائروفرنسا"، مشيرا إلى أن الأزمة لازالت قائمة إلى حد الآن. ويرى صاحب أول أعمال تاريخية حول طبيعة وتسيير جبهة التحرير إبان الثورة التحريرية وفي مهد الاستقلال أن أصحاب فكرة قانون 23 فيفري ارتكبوا "غلطة فاضحة"، حيث أرادوا -بخصوص الماضي الجزائري - تحقيق المصالحة بين الأقدام السوداء وغيرها من شرائح المجتمع الفرنسي على حساب الجزائريين". وفي سياق كلامه عن علاقة فرنسا بماضيها الجزائري ألح محمد حربي على ضرورة التمييز بين المسؤولية التاريخية والمسؤولية الإجرامية واعتبر أنه "لا يمكن اتهام أجيال كاملة بمعاملات لم يرتكبوها"، محملا السلطة السياسية بقوله: "لا بد على الدولة الفرنسية أن تعترف بمسؤوليتها في المحن والإهانات الكبيرة والآلام التي تسبب فيها النظام الاستعماري". ولاحظ محمد حربي أن الجزائريين "لم يفهموا بعد كيف نضع في نفس المستوى (في فرنسا) معاناتهم الأليمة كمستعمرين والآلام التي تمخض عنها هجرة الفرنسيين من الجزائر. وذكر المؤرخ الجزائري بخصوص هذه الصفحة الإنسانية العسيرة أن الجزائريين لم يقدموا على طرد "فرنسيي الجزائر" خلافا على ما قيل وكتب، فالأقدام السوداء هي التي اختارت السير على خطى "منظمة الجيش السري" الإرهابية المناوئة للسلام، ودعا محمد حربي إلى ضرورة استكمال العمل من أجل الحقيقة بخصوص هذه الصفحة. مكتب الشروق باريس: محمد خلاف دُشنت أول أمس الخميس ساحة الأمير عبد القادر الجزائري بقلب العاصمة الفرنسية باريس بحضور كوكبة من الشخصيات الفرنسية والجزائرية على رأسهم عمدة باريس، بارتران دولانوي، وسفير الجزائربفرنسا، ميسوم سبيح، ورئيس مؤسسة "الأمير عبد القادر" محمد بوطالب وسط فرحة عارمة للمغتربين الجزائريين في فرنسا، لاسيما و أن الموقع الذي تم اختياره لهذه الساحة في قلب العاصمة وبالتحديد في الدائرة الخامسة بمحاذاة الجامع الكبير ومعهد العالم العربي. فكرة هذا التدشين لأحد معالم المقاومة الجزائرية كانت بمبادرة من عمدة باريس، بارتران دولانوي، الذي تعهد خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر وتجوله في شوارع العاصمة بأن تأخذ شخصية الأمير عبد القادر مكانها في قلب باريس باعتباره "رمزا للقناعة والصرامة والالتزام والشجاعة و شخصية قومية جزائرية حاربت الاستعمار الفرنسي". وجاء حفل التدشين الذي تم تحت إيقاع مدائح دينية لفرقة الجمعية الصوفية الدولية "علاوية" تحت شعار الحوار بين الحضارات والديانات التي يعد الأمير عبد القادر من بين "رواده و أول من عارض الصراع بين الحضارات" حسب المؤرخ برونو إيتيان الذي قال أنه "يجب أن نترحم على روح الأمير عبد القادر، ذاك الرجل الباسل الذي كان بمثابة جسر بين الغرب والشرق ومن أعلام القرن التاسع عشر". إيمان/الوكالات