هل سيعتزل أم أنه سيواصل مشوار نصف قرن من السياسة ؟ بين ترجيحه المحتمل إلى تسليم مفاتيح قصر الإليزيه والاعتقاد السائد لدى البعض أن ساعة التقاعد لم تدق بعد، يواصل الرئيس الفرنسي نشاطه دون الدخول في أي نقاش من هذا القبيل، وفي انتظار كشف النقاب عن طريقه المستقبلي اختار جاك شيراك فتح قلبه لي بيار بيان، واحد من أشهر الصحفيين والكتاب الفرنسيين في السياسة، على غرار ما فعله فرانسوا ميتيران مع نفس الكاتب عندما قرر، عام 1994، رواية قصة شبابه وعمله - لفترة وجيزة - ضمن إدارة "فيشي" في عهدة الماريشال بيتان. حوار الرجل الأول للإليزيه مع بيار بيان استلزم، على مدار ستة أشهر، نحو ال 20 ساعة من الأحاديث وفاق حجمه ال 500 صفحة، وقد أخذ بعد السفر في مسيرة شيراك والتوقف في العديد من محطاتها بينها الصفحة الدموية الجزائرية. كما هو الشأن للعديد من سياسيي جيله، كان أول لقاء لجاك شيراك مع الجزائر خلال الحرب التحريرية، فبعد تدريب في فرنسا استدعي ضابط الصف، الملازم شيراك، لإتمام خدمته العسكرية في ألمانياالغربية كمترجم وسط الوحدات الفرنسية المتمركزة خلف جدار الحرب الباردة. غير أن العسكري رفض هذه وعمل كل ما في وسعه للذهاب إلى الجزائر في وقت دخلت فيه الثورة الجزائرية عامها الثاني على خلفيات بداية الجدل حول التعذيب والتصويت على "الأحكام الخاصة" لفائدة حكومة غي مولي، واعتبر أن مكانه هناك في الضفة الجنوبية للمتوسط وليس في مكاتب ألمانيا. وفي تطرقه لهذه الصفحة مع بيار بيان قال جاك شيراك إنه كان بإمكانه كطالب في المدرسة الوطنية للإدارة تجنب الجزائر، إلا أنه أبى في نهاية المطاف الذهاب هناك "كمتطوع" دون أن "يسأل نفسه حول شرعية حرب الجزائر"، وبعد صمت قصير ذكر أنه طرح فعلا السؤال على نفسه وقرر، دون تردد، الاتجاه إلى الجزائر. وواصل الرئيس الفرنسي التذكير بصفحته الجزائرية قائلا: "بما أن فرنسا قررت عن غير حق أو حق أن الجزائر لا بد أن تبقى فرنسية، ارتأيت أن أساهم في ذلك، لقد كان اختياري هذا أساسيا"، مشيرا إلى أنه كان من المتحمسين لفكرة "الجزائر فرنسية"، ومع مرور الأيام في الجبال - يضيف شيراك في كلام يشبه النقد الذاتي - اتضحت حقيقة الحرب وطبيعة القمع. ويذكر مسؤول الإليزيه أنه "لم يكن مرتاحا وهو يشاهد المعاملات التي كنا نفرضها على الجزائريين، لقد كنت أحس بشعور كبير، دون أن يكون باستطاعتي أخذ موقف". وفي سياق سفره في صفحته الجزائرية ما قبل الاستقلال، تكلم جاك شيراك عن نظيره الجزائري الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي التقى به نحو العشرين مرة بين 1999 وفيفري 2007 بمناسبة "زيارات الدولة" المتبادلة (جوان 2000 في باريس ومارس 2003 بالجزائر) ولقاءات أخرى على هامش المؤتمرات الدولية متعددة الأطراف. وعلق جاك شيراك أن الرئيس بوتفليقة "شخصية مركبة، لكنني أحبه جيدا، إنه يبدي كراهية للحقبة الاستعمارية ولا يقول لي ذلك كثيرا، لأنه مهذب"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنهما تفاديا "على العموم" الكلام حول هذا الموضوع. باريس/ مراسل الشروق: محمد خلاف