اعتبر رئيس بلدية باريس السيد بارنارد دولانوي أن الاستعمار الفرنسي عبارة عن مغامرات فردية وهيمنة غير شرعية عنيفة في أغلب الحالات، وأن الاستعمار كان سلبيا فقط، مضيفا أن العلاقات التي تربط فرنسا ببلدان المغرب العربي ستكون أقل ألما إذا توفرت شفافية أكثر في الأسئلة المتعلقة بتقديم فرنسا توبتها عن سياستها الاستعمارية، مؤكدا ضرورة كشف كل الحقائق التاريخية المتعلقة باستعمار فرنسا للجزائر. وفي حديثه عن مسألة التوبة هذه، قال رئيس بلدية باريس أنه غير متأكد من أن هذا التعبير (التوبة) ملائم، لكن اعتماد شفافية أكثر فيما يخص هذه المسائل التي تؤلمنا تجعل علاقاتنا مع الدول المغاربية أقل ألما". ونستطيع تحمل شراكتنا الأمنية التي تبقى مهمة في محاربة الإرهاب. ولها وزن في التعددية وحقوق الإنسان. وأضاف بارنارد دولانوي في كتابه "الجرأة" الذي ينشر اليوم أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يرفض فكرة التوبة، متسائلا : هل من الاهانة التعبير عن الندم. وفي هذا السياق قال السيد برنارد دولانوي أن الذي يصدمه في خطاب الرئيس ساركوزي هو قوله أن التوبة لم تعبر عنها فرنسا إلا من طرف فيشي وجاك شيراك. كما تساءل الكاتب عن الذي يقصده الرئيس ساركوزي عندما يقول: "سئمنا من التوبة". وفيما يخص الاستعمار في المنطقة المغاربية وخاصة في الجزائر التي خلف بها أضرارا كبيرة وآثارا عميقة، أكد المتحدث ضرورة قول الحقيقة. معتبرا تصريحات الرئيس الفرنسي في قسنطينة شهر ديسمبر الماضي مجرد تحايل على ما كان يجب عليه قوله بخصوص الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر. وبحسب دولانوي فإن ما أدلى به ساركوزي لم يكن في مستوى ما كان يطمح إلى سماعه الشعب الجزائري. ومن جهة ثانية ثمن المتحدث مبادرة السفير الفرنسي بالجزائر السيد باجولي الذي اعترف في شهر فيفري الماضي بجامعة قالمة بالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين في 8 ماي 1945. وفضل السيد دولانوي "الابتعاد عن الكلمات التي توقع في الفخ كالتوبة والاعتذار"، مشيرا إلى أن قول الحقيقة سيكون كافيا، بل كل الحقيقة وحتى الحقيقة المشتركة. لأن الاستعمار صنع من الهيمنة، الاستغلال، والمعاناة المفروضة والذي استعمر في نفس الوقت الروابط الثقافية والوجدانية والتي لا يستطيع أحد نكرانها سواء من الجزائريين أو الفرنسيين. كما نفى المناضل في الحزب الاشتراكي الفرنسي أن يكون للاستعمار أي جانب ايجابي، من منطلق أن الفعل الاستعماري يبقى دائما يوصف بمعانيه المتمثلة في السيطرة غير الشرعية والتي تكون غالبا عنيفة لكن هذا لا يمنع من وجود بعض روابط الصداقة التي تكونت بين بعض الأشخاص خلال الحقبة الاستعمارية. وهو ما يتجلى من خلال استقبال الجزائريين، التونسيين، والمغربيين لفرنسي ولد بأراضيهم وهم دائما يلتقون على الصداقة، يضيف السيد دولانوي قائلا: ورغم أن المغني أنريكو ماسياس الذي ولد بقسنطينة لم يتمكن إلى حد الآن من العودة والدخول للجزائر "لأن القضية لا تزال صعبة" إلا أن أشرطته الموسيقية مسموعة بالجزائر. وهو ما يبين أن الروابط موجودة ويجب المحافظة عليها. وفي رده عما إذا كانت الحكومة الجزائرية مطالبة بالاعتراف بالمصير الحقيقي للحركى الذين قتلوا خلال الاستقلال أو المحتجزين بصفة ارهابيين ضد المدنيين، أجاب المسؤول أن الأمر لا يتعلق بمساومة، وإنما بالحقيقة والتاريخ . ملحا على إلزامية "قول كل الحقيقة للذين يهموننا ... لأننا نحن من استعمرنا الجزائر وليس الجزائريين من استعمروا فرنسا"، داعيا للتعجيل في قول هذه الحقيقة وأن يتحمل كل واحد مسؤوليته." حتى تعرف العلاقات فيما بعد تطورا لأن الحكام الجزائريين أذكياء". وتصب هذه المقتطفات من كتاب رئيس بلدية باريس في وعاء التصريحات التي أدلى بها السفير الفرنسي بالجزائر عشية زيارته لجامعة قالمة مؤخرا حيث قال إن زمن النكران قد ولى، مشيرا إلى أن جرائم الاستعمار في الجزائر عار في تاريخ الجمهورية الفرنسية حيث لطخت هذه الجرائم تاريخها تاركة بصمة يتعذر محوها. وكان السفير الفرنسي قد تطرق في الخطاب الذي ألقاه الرئيس ساركوزي يوم 5 ديسمبر الفارط بقسنطينة والذي حيا فيه الضحايا الأبرياء للقمع الوحشي والأعمى إلى ذنوب وجرائم الماضي التي وصفها بأنها "لا تغتفر" ، حيث اعتبر السيد باجولي أنه "من أجل أن تتسم علاقاتنا بهدوء كلي يتعين أن تكون الذاكرة متقاسمة فيما بين البلدين من خلال التعاون في كتابة التاريخ عن طريق مؤرخين فرنسيين وجزائريين وأكد أنه ينبغي على فرنسا أن تقطع دون شك الشوط الأكبر في سيرها على هذا الدرب ولكنها لا تستطيع ذلك بمفردها بل يجب على الجانبين التخلص من المحظورات بحيث تحل الحقائق المكشوف عنها محل الوقائع المسلم بها وفي هذا الصدد سجل السفير الفرنسي أن التعرف على الماضي والاعتراف به لا ينبغي أن يكونا وحدهما محط اهتمامنا، ولكن بإمكان الفرنسيين والجزائريين الاستعانة بها للتطرق سويا وأخويا للمستقبل الذي يحق لشباب البلدين التطلع إليه.