كان المغرب العربي يشكل حلما لأجيال كثيرة من المناضلين منذ بداية القرن العشرين إلى نهايته، لكن المغرب الإسلامي تحقق قبله وبسرعة لم يكن ينتظرها أحد... وقد دخلت تونس هذا العالم الجديد، لما أعطى الشعب الأولوية لحزب النهضة الذي يتزعمه راشد الغنوشي في أول انتخابات حرة تعرفها البلاد بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي. * وبعد شهر فقط، لحق المغرب الذي اختار بدوره حزب العدالة والتنمية في انتخابات مقبولة، وجعل منه أول قوة سياسية في البلاد على حساب القوى التقليدية التي تحكم البلاد تحت مظلة الملك. أما ليبيا، فإنها اختارت طريقا آخر، حيث أن مناضلا جهاديا، عبد القادر بلحاج، الذي سبق له وأن شارك في حرب أفغانستان، أصبح قائدا عسكريا في طرابلس، بعد أن زار المخابرات الأمريكية ثم الليبية، قبل أن يحصل على مباركة السيد يوسف القرضاوي في آخر محطة له زارها قبل أن يدخل طرابلس منتصرا... ومن جهتها تستعد مصر لمبايعة منظمة "الإخوان المسلمين" التي ناضلت عشرات السنين للاستيلاء على السلطة. ومثلما وقع في تونس والمغرب وغيرها، اختار الإخوان المسلمون الوصول إلى السلطة عن طريق الاقتراع، بعدما فشلوا في الماضي لما أرادوا استعمال وسائل أخرى. وبنفس الطريقة، استفاد الإخوان المسلمون من فشل تسيير شؤون البلاد من طرف التيارات السياسية التي حكمت منذ منتصف القرن العشرين. أما السودان، فإنها كانت سباقة في هذا الميدان. وقد أقامت الخرطوم دولة إسلامية في السبعينيات، ثم تراجعت عنها، ثم عاشت مرحلة معقدة في العلاقات بين الإسلاميين والجيش، تميزب باستضافة أسامة بن لادن وكارلوس، ثم تغيرت الأوضاع، وأصبح حسن الترابي إماما مرة، وسجينا في اليوم الذي يليه، إلى أن انتهى الأمر بتقسيم البلاد... ويبدو هذا التطور غريبا نوعا ما، لما نرى أن كل هذا الفضاء الذي يمتد بين المحيط الأطلسي وفلسطين، ومن المتوسط إلى الصحراء، كل هذا الفضاء يستعد لدخول حكم إسلامي بعد ما كان يسمى بالربيع العربي مباشرة. كيف اختارت تلك المجتمعات تيارا سياسيا لا تجعل الحريات ضمن أولوياتها مباشرة بعد أن خرجت من مرحلة طويلة من النظام المتسلط؟ هل ستقبل هذه المجتمعات أن تعيش في ظل نظام غالبا ما يعادي الحريات بعد أن كانت الحريات مصادرة في ظل الأنظمة السابقة؟ والحقيقة أن هذا الاختيار يعود أساسا إلى أربعة أسباب، أولها أن الأنظمة التي كانت قائمة قامت بكل ما يمكن أن تقوم به لمنع ظهور بديل عصري، ولما سقطت تلك الأنظمة، وقعت البلاد بين أيدي تيارا يتبنى فكرا بسيطا يعطي وعودا بحل كل القضايا بفضل طريقة شبه سحرية. إضافة إلى ذلك، فإن تلك الأحزاب الدينية تتمتع بصورة المعارض الذي كان يعاني من الاضطهاد، كما أنه يمثل صورة معاكسة للنظام السابق في الجانب الأخلاقي. لكن هذا الانتصار العظيم الذي يجتاح كل إفريقيا العربية لم يكن ممكنا لولا وجود عامل خارجي أساسي، وهو قرار الولاياتالمتحدة أن تتعامل مع الإسلاميين في السلطة. وكان الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في القاهرة يشكل القاعدة السياسية لهذا التغيير، فقد قال أوباما إنه يقبل أنظمة تخرج من صناديق الاقتراع مهما كانت طبيعتها، بشرط أن تحترم بعض القواعد الأساسية وهي القواعد التي أعلنت كل الأحزاب الإسلامية أنها ستحترمها. وتعتقد أمريكا أن وصول الإسلاميين إلى السلطة سيغير طبيعة تصرفهم، ويدفعهم تدريجيا إلى طريق يشبه الطريق الذي سلكته تركيا، كما أن إدماج وسائل تسيير عصرية سيؤثر في نهاية الأمر على كامل مكونات المجتمع، بما فيها الأحزاب الإسلامية. وفي نفس السياق قال الوزير السابق عبد العزيز رحابي، إن الأحزاب الإسلامية تتصرف مثل الأحزاب الأخرى لما تمارس السلطة. وفي نهاية المطاف، فإن وصول هذه الأحزاب إلى السلطة سيقضي على أسطورتهم لما سيكتشف الشعب أن القادة الإسلاميين يمارسون النفاق والرشوة والحسابات السياسية، ويخدعون رفاقهم وأصدقاءهم تماما مثلما يحدث عند الأحزاب الأخرى. ومن تابع قيادة حزب حماس في الجزائر ومغامرات عبد الله جاب مع رفاقه السابقين يعرف أن الأحزاب الدينية لا تختلف إطلاقا عن الأحزاب الأخرى. وقال لي أحد المحللين قبل عشر سنوات: لو مارس حزب حماس السلطة لوحده، لأصبح كل الجزائريين لائيكيين متطرفين...