إجلاء صحي ل 3 مسافرين بريطانيين شمال رأس ماتيفو بالجزائر العاصمة    تنصّيب قائد الدرك الوطني الجديد    الأونروا: الحصار الراهن على قطاع غزة هو الأشد    الولايات المتحدة تستهدف الصين بضرائب جديدة    عشرات الشهداء بغزة وتحذير أممي من انهيار إنساني وشيك    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات من البلاد    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    افتتاح المهرجان الدولي ال14 للموسيقى السيمفونية    تنظيم لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    لا تسوية لقضية الصحراء الغربية إلا بتوافق طرفي النزاع    الرابطة الأولى: م. الجزائر و ش. بلوزداد يحافظان على مركزي الصدارة والملاحقة    الجزائر بحاجة إلى صحافيين ملتزمين بالدفاع عن الوطن    "أشوك ليلاند" الهندية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    الجزائر ترسم مسارا جريئا لتنويع اقتصادها    ترسيخ ثقافة الأمن السيبراني لدى تلاميذ الثانوي    موناكو ونوتنغهام فوريست يتنافسان لضمّ حاج موسى    محرز يحقق رقما قياسيا في السعودية ويردّ على منتقديه    صادي يتحرك لإنهاء أزمة التحكيم في البطولة الوطنية    شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    حجز عتاد ووسائل مستغَلة بصفة "غير شرعية"    الموروث الشعبي النسوي في "وعدة لالا حليمة"    دعوى لتجنيب الأطفال الاطعمة المصنعة    شايب يجري لقاء تفاعليا مع المتعاملين الاقتصاديين والكفاءات الوطنية ببلجيكا ولوكسمبورغ    نقابات عمالية عالمية تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    إبراز دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    مشروع فيلم جزائري - هولندي بالبويرة    سأظل وفيا لفن كتابة السيناريو مهما كانت الضغوطات    "القرقابو" أو "الديوان" محاكاة للتضامن و الروابط الاجتماعية    وهران.. يوم دراسي دولي حول التطورات وآفاق الإنعاش في طب الأطفال    رئيس الاتحادية الجزائرية للفروسية يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد العربي للفروسية    الفريق أول السعيد شنقريحة ينصّب قائد الدرك الوطني الجديد    وزير الاتصال يفتتح دورة تكوينية لفائدة الصحفيين بالعاصمة    سوناطراك تستكشف الوسائل اللوجيستية والبنى التحتية ل "شيفرون" الأمريكية    المؤتمر أل10 لإتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب: إتحادات نقابية إفريقية تؤكد دعمها اللامشروط للعمال الصحراويين    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51157 شهيدا و116724 جريحا    لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    الرئيس يتلقّى رسالة من السيسي    فلسطينيون يشكرون الجزائر وتبّون    سعيود يسلط الضوء على الأثر الإيجابي لتيليفيريك قسنطينة    محرز يحب المزاح    البكالوريا المهنية في 13 ولاية    هذا جديد مديرية الضرائب    عودة لانسبيكتور    مقتل 7 أشخاص وجرح 178 آخرين    شركة موبيليس تجري تجارب ناجحة على الجيل الخامس    العاصمة : توقيف 3 أشخاص وحجز قرابة 5000 قرص مؤثر عقلي    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    بطولة افريقيا للجيدو فردي: الجزائر تشارك ب 17 مصارعا في موعد ابيدجان    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مالك‮ بن نبي يقرأ الربيع العربي..
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 12 - 2011

لا أزعم أنني التقيت هذا الرجل.. لكنني أذكر ملامحه جيّدا حين دُعيَ لإلقاء محاضرة بإحدى قاعات السينما بباتنة عام 1972 .. ولم أكن حينها أفهم معنى أن يتحدث الانسان عن الحضارة والهوية والزّمن والتاريخ.. وكنت أسمع في شوارع المدينة الناس يتحدّثون عن الرجل وفكره، ولم أكن أذكر حينها سوى أن قاعات السينما أنشئت لعرض أفلام مانغالا بنت الهند، وجون واين.. وفريد شوقي.‬
* مالك بن نبي عرفت قيمته أكثر بعد أن التقيت المفكّر السوري اللاّعنفي جودت سعيد الذي جمعتني به رحلة من دمشق إلى بيروت عام 1998، فما أن عرف أنني جزائري، حتى قال لي "أنا لا أقول إنك من بلد المليون ونصف المليون شهيد.. ولكن أضيف إليهم مالك بن نبي، هذا المفكّر العظيم الذي أعادني إلى طريق التفكير السليم بعد أن انزلقت بعيدا.. إذ يكفي أنه صاحب مقولة عندما تغيب الفكرة ينمو الصّنم‮"‬.. هو رجل كلّما ابتعد عنّا زمنيا صار أكبر مما كنّا نعتقد..‬
من تلمسان يعود ابن نبي بعد 38 عاما على رحيلة، وهو المفكر الاستشرافي، الذي يقول بعض عتاة الفكر الغربي إنّهم ثلاثة نجحوا في اختراق أسوار العقل الأوروبي والغربي عموما، الجزائري مالك بن نبي، والإيراني علي شريعتي والباكستاني أبو الأعلى المودودي. يعود في صورة أسئلة وأطروحات لم تمت، وأفكار تحمل بذور استمراريتها في عمقها وأصالتها. إنّه الرجل الذي رأى الأشياء بعينين ثاقبتين، وكأنه سليل زرقاء اليمامة. يعود مالك بن نبي المتنبئ علمًا بما سيكون من أمر هذه الأمة التي "وقفت أمام الغرب موقف الزبون فأخذت منه الأشياء والمصنوعات الجاهزة، وهذا عائد لطبيعة استهلاكية في المجتمع العربي، على النقيض من اليابان الذي وقف أمام الغرب موقف التلميذ ليتعلّم، وهذا راجع لطبيعة إنتاجية في المجتمع الياباني فاقتبس منه المعارف".. تلك حقيقة أولى دوّنها ابن نبي، قادته لاحقا إلى جملة من الآراء التي تكرّست في الواقع العربي، وهي أنّه "من عادة التاريخ أن لا يلتفت للأمم التي تغط في نومها وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر"، وتلك أيضا حقيقة أخرى، فالتاريخ اليوم لا يعني الانغلاق في الماضي وأمجاده، والتباهي بما حققه الأسلاف، إنّما صار مفهومه مرتبطا بالمستقبل والحاضر، ألم يقل بوش الإبن بعد11 سبتمبر 2001 "هناك أمم تعتز بماضيها، فلها أن تفعل، أمّا نحن فإننا سنصنع تاريخنا، وتاريخ غيرنا"، لهذا لا غرابة أن يكون الأمريكان موجودين في كلّ حدث، مهما كان نوعه أو حجمه أو موقعه، ليضعوا بصمة الرجّل القوي الشاهد على أحداث شارك فيها أو باركها.. لهذا فإنّ رؤية ابن نبي، تتقاطع مع فكرة أن هناك هامشا للتاريخ يختاره الفاشلون في بناء الحضارة.. ويذهب المفكر الجزائري الفذّ إلى أنه "ليس يكفي مجتمعاً لكي يصنع تاريخه أن تكون له حاجات، بل ينبغي أن تكون له مبادئ ووسائل تساعده على الخلق والإبداع" وهنا مربط الفرس فيما يسمى بثورات وانتفاضات الربيع العربي، التي حرّكتها، بلا شكّ، حاجات مختلفة، قد تكون الحرية والعدالة والكرامة والمطالبة بتساوي الفرض ورفض الفساد.. ولكن ضمان بلوغ تلك المطالب لا يمكن أن يكون إلاّ بتوفّر مناخ من القيّم والمبادئ والقدرة في تجذيرها وتأصيلها، حتى لا تنبت في بيئة النفاق والديماغوجية.. ولا يمكن لثورة أن تنجح إلا إذا كانت وطنية الانتماء، واضحة الأهداف، صادقة الوعد، لأنّ كيمياء الثورة هي الذات المؤمنة بالتغيير. يقول مالك بن نبي "نحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ بتقليد خُطى الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها، بل بأن نفتح دروباً جديد". لأنّ التقليد يفقد الثورة هويّتها، ويجعلها أشبه بامرأة تخدع غيرها بمساحيق مغشوشة. فالسر في انتصار ثورات الجزائر والفيتنام وكوبا هو أنّها لا تشبه غيرها، ولم تستلف أدوات إنجازها من الآخرين.. فهل ثورات الشارع العربي اليوم، وهي تختلف في مضامين توجّهاتها، باعتبارها تهدف إلى تغيير واقع لا إزالة استعمار غريب، هل تمتلك هذه الرؤية، وهل هدفها إبدال فكرة بفكرة، ونظام بآخر، وإحلال أشخاص مكان آخرين أم أنها حجر في بركة ماء آسن؟. يقول ابن نبي ‮"‬إن ثورة ما، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية‮"‬، فهل أنتج ميدان التحرير والساحات الأخرى نموذجا لإنسان يملك قابلية الانتقال من مجتمع 24 يناير إلى
25 يناير، بفكر يحمل القيمة المضافة لمصر، أو لبقية البلدان التي شهدت أوضاعا شبيهة بدرجات متفاوتة؟ لا أعتقد أن شيئا كبيرا تحقق، لأن تراكمات التاريخ لا يمكن تفكيكها بخطاب لا يتكئ على قاعدة الإقناع والبديل والواقعي المقبول، وقيم التسامح والمشاركة، لأن "من سنن الله في خلقه، عندما تغيب الفكرة يبرز الصنم" كما يقول مالك بن نبي، ولا أعتقد أنّ الناس يخرجون من أجل إنتاج نسخ منقّحة من الاستبداد ورموزه، بل لتحسين أوضاعهم، وبناء دولة الحق والعدل والقانون، لأنّ "الأفكار التي تتعرض للخيانة تنتقم لنفسها" كما خلُصَ إلى ذلك مالك بن نبي، أي أنّ المجتمع عندما يشعر أنّ أمانته لدى حكّامه قد تعرّضت إلى المصادرة والتزييف، يمكنها أن تثأر لنفسها في لحظة تاريخية، غير أنّ هذا الثأر لا يكون بصواريخ الناتو لأنّ ذلك يدخل في خانة.. القابلية للاستعمار. هكذا قرأ مالك بن نبي أحداث العرب في 2011‮ ..‬‮


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.