"البعد التاريخي و العلمي في فكر مالك بن نبي" هذا العنوان لم يصمد طويلا لان النقاش خرج من دائرة الدراسة التاريخية لأعمال الرجل الذي رحل في صمت و مرت ذكرى وفاته مرور الكرام بحجة تزامنها مع فعاليات الصالون الدولي للكتاب،خرج ليتحول إلى محاكمة الرجل عن توجهه الإسلامي؟؟ مالك بن نبي كان موضوع النقاش في حلقة أول أمس بالمكتبة الوطنية الجزائرية في المحاضرة التي تضمنت البعد التاريخي و العلمي في فكره و من مسيرة وتجارب كبار المصلحين في التاريخ الذي تشرب عدة معاني و بكل مسؤولية من القران الكريم أحياءا لذكرى وفاته المتأخرة التي وافقت 31 أكتوبر الماضي عبر تدخل متتالي من دكاترة عالجوا من خلاله بعض الجوانب من فكره التاريخي و العلمي فقد اجمع المحاضرون على ان مالك بن نبي مفكر ديني و إسلامي محط هذا ما أصر عليه الدكتور رشيد قوقام في مداخلته عن فعالية الأفكار في فكر مالك بن نبي باعتبار أن مالك بن نبي لم يدخل في الجدل و لم يدرس النظريات و لم يهتم بها وتشبث في الفكر الإسلامي الأول و انه من المفروض أن تعاد القراءة من جديد لمالك بن نبي. و أضاف بأنه لم يحسم الأمر فمن جهة يمجد عالم الأفكار و من جهة أخرى يعتبر المنطلق العلمي هو الأساس و اعتبر أن قراءته للتاريخ الإسلامي كانت ايجابية و مثمرة على غيره كالجابري الذي يشمت الدين الإسلامي الأول و حسب رأيه فهو حاول توضيح أهمية التساؤلات الثقافية في البناء الحضاري الذي يعتبر الطريق إلى المعرفة كما رأى انه من المفروط لو وسع مالك بن نبي من أفكاره باعتباره فيلسوف كلامي إسلامي في حين رأى الأستاذ محمد يحياوي الذي تناول البعد ألجدالي في فكر بن نبي أن مشروع بن نبي لم يصل بعد لإنشاء مدرسة علمية على التفكير الأكاديمي. مرجعا سبب عدم بلوغ المشروع إلى هذا المستوى لضعفه أو ضعف الجهات التي تبنته و من بينها الاتجاه السلفي الأصولي و باعتباره قد حاصر الفكرة الإسلامية في المفهوم القديم و ضرورة تناول الدين من حيث هو عامل يؤدي إلى وجود الطاقة عند البشر و خلال المداخلات التي جاءت على هامش المحاضرة و التي لم تأتي في نفس السياق الذي اجمع عليه المحاضرون حيث أصر الأغلبية أن مالك بن نبي هو أول من كتب في العالمين العربي والإسلامي- عما يسمى اليوم بالتنمية. وأول من تناول بشكل منهجي مستقل التراث والمعاصرة. فضلا عن كونه من القلائل الذين طرحوا- من منظور نقدي فعال- مشكلات هاذان المنهجان ، مقترحا حلولها، وعاش في القرن الماضي المشكلات التي نعيشها اليوم والناتجة عن العولمة والهيمنة الغربية في صورها القديمة، فكان من القلائل الذين حرصوا على تأكيد أن ثمة طريقا ثالثا للنهضة غير الطريقين الرأسمالي والاشتراكي. أن الرؤى التي قدمها لا تزال سليمة إلى حد كبير. وقد كان له في كل ذلك أطروحاته وأفكاره التحليلية والتشخيصية المميزة، وحتى مصطلحا ته الخاصة، التي شاعت في العقود الأخيرة على ألسنة وأقلام الكثيرين من المفكرين والكتاب. ومن هنا لا يكون غريبا أن يقال عنه إنّه: "فيلسوف أصيل له طابع العالم الاجتماعي الدقيق الذي أتاحت له ثقافته العربية والفرنسية أن يجمع بين علم العرب وفكرهم المستمد من القرآن والسنة والفلسفة والتراث العربي والإسلامي الضخم، وبين علم الغرب وفكرهم المستمد من تراث اليونان والرومان والمسيحية" . وهذا صحيح إلى حد بعيد، وبخاصّة، وأنّه عاش في المجتمع الأوروبي فترة ليست بالقصيرة من عمره، إلا أن تعمقه في الثقافة الأوروبية كانت سببا في تحرره من نفوذها، ومعرفته لمصدرها ودوافعها الخفية وبواعثها العميقة، ولا سيما أنّه جمع إلى جانب الثقافة العلمية ثقافة فلسفية واسعة الأرجاء، عميقة الأغوار، كما تدل عليه آثاره ومؤلفاته العديدة التي تركها. نوال بليلي