عبد العالي رزاقي يخطىء من يعتقد أن الرئيس غير معني بالعهدة الثالثة، أو بتغيير الدستور لبسط نفوذه على المؤسسات الدستورية، ويخطىء من يتصور أن أصحاب النفوذ يستسلمون ل "الرئيس" دون مقاومة، أو يتركون له حرية قيادة البلاد نحو الخروج من الأزمة، ويخطىء من يعتقد أن الضغوط على الرئيس تكون داخلية، بل إن هناك ضغوطا دولية. ضغوط الخارج الإعتقاد السائد عندي أن بقاء الرئيس مع نيكولا ساركوزي خمس ساعات هو "خطأ بروتوكولي"، لأنه لم يسبق لرئيس فرنسي أن جلس مع مسؤول جزائري، بمن فيهم رئيس الجمهورية، مدة خمس ساعات "في جلسة ثنائية"؟ لكن ما دام هذا الوزير مرشح لخلافة جاك شيراك، فمن أجل "التواصل الدبلوماسي قد يهون الأمر، إلا أن تصريحات ساركوزي كشفت عن "رجل متهور"، و"سليط اللسان"، فبعد أن شتم أبناء المهاجرين الجزائريين خلال انتفاضتهم العام الماضي في 300 مدينة فرنسية، وبعد أن منع العمال المسلمين من العمل في مدرجات مطارات فرنسا، وقاد حملة ضد حملة جواز السفر الأخضر في فرنسا، ها هو يطالب الحكومة الجزائرية بأن تسلم له قوائم الجزائريين المستفيدين من تدابير ميثاق السلم والمصالحة حتى يبرمج أسماءهم في "مراكز الشرطة الفرنسية" كإرهابيين. إن من اشتهر باستعمالاته للعبارات "القذرة" لوصف أبناء الجالية الجزائرية، من حملة الجنسية الفرنسية، لم يحترم القواعد البروتوكولية حين صفع الشعب الجزائري بعبارته الجديدة: "الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء آبائهم"، ولو كان صادقا مع نفسه لقال "إن اللفيف الأجنبي" للجيش الفرنسي هم من اللقطاء الذين ارتكبوا المجازر في الجزائر، والاعتذار يعني الاعتراف بهم كأبناء لفرنسا وليسوا مرتزقة، لربما قلنا إنه تجنب "تبني بلاده للقطاء". لكن منطق "الأبناء ليسوا مسؤولين عن جرائم الآباء" هو الذي راح يروّج له "حزب فرنسا" في الجزائر، ليفتح الباب أمام عودة "أصحاب الأقدام السوداء"، ودخولهم إلى المحاكم الجزائرية لانتزاع أملاك بنوها بدماء الجزائريين على أرض الجزائر. لقد بدأت الفكرة في عهد الشاذلي بن جديد بالزعم بأن أبناء "الحركة والڤومية" من حقهم العودة إلى الجزائر، بالرغم من أنهم فرنسيون، لأنهم لا يتحملون مسؤولية جرائم آبائهم أو خيانتهم للشعب والوطن. إن فرنسا تريد أن تمارس ضغوطها على الرئيس حتى لا يعود إلى المرادية خلال العهدة القادمة، بعد أن حاول شيراك، في لقائه مع علي بن فليس عندما كان على رأس الحكومة إغراءه ب (الترشح) للرئاسيات، والنتيجة كانت خلال رئاسيات 2004، وذلك باستقباله مدة تجاوزت "حدود البروتوكول الفرنسي"، فهل استقبال بوتفليقة لساركوزي "متجاوز البروتوكول" هو تشجيع لليمين الفرنسي، خوفا من عودة "اليسار" إلى السلطة، هو الذي يقف وراء أحداث المنطقة القبائلية؟ أم أن ترشح امرأة فرنسية للرئاسيات، بعد أن فازت على "الحرس القديم" في الحزب الاشتراكي، أخاف "حاشية الرئيس"، ممّن هم من "الحرس القديم" في جبهة التحرير، من "العودة القوية" لتيار "علي بن فليس" في جبهة التحرير، وهو الذي أدّى إلى "تأجيل تعديل الدستور" لغاية معرفة تشكيلة البرلمان الجديد، في العام القادم. المؤكد أن فرنسا تسعى إلى "زحزحة بوتفليقة"، لأنه بدأ يزعجها، وحين تسلم له "ختم الداي حسين" الذي وقع به استسلام الجزائرلفرنسا في 5 جولية 1830، فهذه إشارة واضحة إلى الموقف الفرنسي من "بقايا المجاهدين" حتى ولو كانوا رُسل لغتها داخل وخارج الوطن، أو ممن يشجعون "التعامل الاقتصادي" معها، وإنقاذ مؤسساتها المفلسة؟ فرنسا تدرك أن الاعتذار للجزائر قد يدفع إلى المطالبة بالتعويضات واسترجاع "التراث الجزائري"، وتدرك أن "برج إيفل" المصنوع من حديد الونزة هو رمز للاحتلال، ولهذا لا تريد اعتذارا وإنما ابتزازا لمن يصعد إلى المرادية، مثلما ابتزت من صعدوا إلى "تاڤارة" من حزبها خلال مرحلة "الفتنة" 92 - 1997. في مواجهة ضغوط الداخل! لا يشك أحد في أن مشاريع بوتفليقة التي سيدشنها عام 2009 كافية لأن تدخله إلى كل بيت جزائري دون استئذان، وفي مقدمتها مشروعه المتعلق ببناء أكبر معلم ديني في الوطن العربي، يكون بمثابة "مركب ثقافي وعلمي"، يجعل مساجد القطر الجزائري امتدادا له، ويحول الجزائر إلى "منارة إسلامية"، ناهيك الفضاء البيئي الذي سيحول العاصمة إلى "قبلة العائلات"، وبسمة الأطفال، وأكسيد الحياة، بعد أن حاصرها الإسمنت من كل الجهات. لكن الضغوط الداخلية التي تمارس على "عهدته الثانية" بهدف "تسويدها" تكاد تكون امتدادا لمن كانوا يعينون الرؤساء ويزوّرون الانتخابات ويعملون على تحجيم البلاد وتصغير العباد. والمتأمل لعهود الرؤساء الباقين يجدها مرهونة لشعارات سرعان ما تلاشت بمجرد أن غادروا السلطة أو أُبعدوا عنها أو اغتيلوا. فقد تميزت مرحلة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بشعار "الشرعية التاريخية" وكأن الثورة الجزائرية كانت تقاد من "سجن لا صونتي" الفرنسي وليس من الأوراس؟! ولا داعي لأن نذكر بما جرى في نهاية الجلسة الماراتونية لأعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس، والمواجهة بين العقيد صالح بوبنيدر وأحمد بن بلة، والتي أدت إلى الانقلاب على الحكومة المؤقتة بقيادة المرحوم بن يوسف بن خدة. أما مرحلة الرئيس الراحل محمد خروبي (هواري بومدين) فقد اختارت شعار "التصحيح الثوري"، وكأن من حكموا الجزائر ما بين 62 - 1965، ليسوا من الثوار، وكيف تجرأ عقيد من العقداء العشرة على إلغاء القبض على الرئيس بن بلة، وإعطاء وعد للجزائريين بإصدار "كتاب أبيض"، واعتبار 19 جوان يوما وطنيا، وكيف جاء بوتفليقة لينهي "مرحلة الشرعية الثورية" بإلغاء "هذا اليوم" من ذاكرة الجزائريين، وهو واحد من طاقم الرئيس الراحل هواري بومدين. أما مرحلة الشاذلي بن جديد فقد جاءت بشعار قانوني وهو "العهدة الدستورية"، بالرغم من أن الدستور لم يحترم إلا حين مات بومدين، حيث تم العمل به بتعيين الراحل رابح بيطاط على رأس المرحلة الانتقالية. وإذا توقفنا عند المراحل الثلاث، يتبين لنا أن الإساءة إلى التاريخ ومن صنعوه وقعت في عهد بن بلة حيث تعرض رموز الثورة للسجن والتشويه والاغتيالات، وأن الإساءة إلى الثوار الحقيقيين وقع في عهد بومدين حيث تحولوا إلى "تجار" أو تمت مطاردتهم ونفيهم. أما الإساءة إلى الدستور أو تجاوزه فقد شهدته مرحلة الشاذلي بن جديد، والدليل أن "استقالته أو إقالته" تركت فراغا دستوريا، لأن اسم عبد العزيز بلخادم، رئيس المجلس الوطني الشعبي لم يكن عليه إجماع لدى أصحاب "المشروع التغريبي". ولأن المشروع الذي كان يحضر للجزائر، بعد توقيف المسار الانتخابي، لم يكن واضحا في أذهان أصحابه، لم يجد له شعارا جاهزا، بالرغم من أن "الديمقراطية الناشئة" آنذاك في الجزائر، كان بإمكانها احتواء أي شعار، ولعل هذا ما دفع كل رئيس من المرحلة الانتقالية وهم محمد بوضياف، علي كافي واليامين زروال، إلى طرح شعارات خاصة بكل واحد منهم، فالشعار الذي طرحه الرئيس علي كافي (جبهة متجددة)، تحولت في عهد اليامين زروال إلى حزب سياسي. ومثلما تداخلت المصطلحات والمفاهيم لدى حتى الصحافيين الذين صارت "الفخامة" توزع على رؤساء الحكومات السابقين أو الحاليين، فقد سبق أن تداخلت مفردة "السمو" لدى المنتخبين حتى صارت تطلق على رؤساء البلديات. ولأن هناك من يريد "التسلل" إلى "حاشية الرئيس"، فقد اخترع أحد الوزراء عبارة "تحسين صورة الرئيس" لينشىء لجنة من الصحفيين للقيام بهذا الدور، وكأن صورة الرئيس يراد لها تغيير حسب المرحلة القادمة. وإذا كان بعض الصحفيين والمسؤولين لم يستسيغوا تقديم العلماء على الوزراء في كلمة الدكتورالعربي الزبيري في الملتقى الأول "مقاومة الأوراس في عهد أحمد باي" المنعقد ببسكرة من 27 - 30 أكتوبر الماضي، فإن بعض الوزراء يعتزون بالمنصب السياسي على المنصب العلمي أو الفكري، وقد قرأت في دعوة إلى محاضرة أن وزيرا سابقا قدم منصب الوزير على المفكر والكاتب. المواطنة "المفقودة"! وإذا توقفنا عند شعارات عهد الرئيس بوتفليقة سنجدها بدأت ب (مسعاه في الوئام المدني) وحاولت ترقيته إلى "وئام وطني"، ولكنه تدخل ليحوله إلى "ميثاق للسلم والمصالحة" في العهدة الثانية، بالرغم من أن وزير داخليته نور الدين يزيد زرهوني يقول "إن حالة الطوارىء لن ترفع مادام هناك إرهابيون نشطون"، وكأن حالة الطوارىء جاءت لحماية ما سماه سابقا ب "بقايا الإرهاب" من تحريك المجتمع سياسيا ومدنيا، وفتح المجال أمام المواطنين للمساهمة في "محاصرة الإرهاب". ويخيل لي أن "المواطنة ومحاربة الفساد" هي الشعار الأنسب للعهدة القادمة، لأن المواطنة "مفقودة في الجزائر"، إذا اعتبرنا أن حمل الجنسية ليس شرطا للمواطنة، وأن المواطنة التي جاءت بديلا عن الوطنية التي ارتبطت "بالجهاد الأصغر"، لا تتحقق إلا في الجهاد الأكبر. وما دام الفساد "صار موضة العصر"، فأفضل شعار يمكن للرئيس تبنيه هو المواطنة، بمعنى "الدفاع عن الحقوق والواجبات" ومحاربة الفساد، لأنه الخيار الوحيد لإسقاط رؤوسه في الجزائر وامتداداته "ذات الجنسيات المتعددة". وما دامت المواطنة لا تعني تعدد الجنسيات أو تعدد "اللغات الرسمية" في الدولة الواحدة، ولا تعني التطاول على الآخرين، فهل تستطيع "حاشية الرئيس" أن تعمل على نشر مفهوم صحيح للمواطنة غير المفهوم الفرنسي لها؟ وحتى يدرك رجال الرئيس أن "المواطنة" لا تعني "المساندة والولاء"، وحتى تكون العهدة الرئاسية القادمة هي "عهدة المواطنة والمنجزات الكبيرة" يفترض "كنس" من حوّلوا بالأمس الجزائر إلى "دبابة"، ويريدون اليوم تحويلها إلى "حصانة" وتبييض أموال.