عبد العالي رزاقي النقاش الدائر في الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر، وبعض الأوساط الإعلامية العربية، يكاد يصب في اتجاهين متناقضين وهما: تعديل المادة 74 لتمكين الرئيس من عهدة دائمة أو تغيير نظام الحكم عبر تغيير الدستور حتى يضمن خيارا سياسيا واحدا يكون إمّا رئاسيا أو برلمانيا يؤسس لاستقلالية القضاء، ويضع حدودا واضحة بين المؤسسات الدستورية والسلطات، فهل ستكون الأشهر القادمة بداية انفراج سياسي أم مواعيد لاستفتاء وانتخاب يعقد الأزمة الجزائرية، وتغلق الأبواب أمام رياح الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة؟. إجماع ل»صنّاع القرار« أم مجرد تضليل إعلامي؟ يعتقد الكثير ممن يتابعون الشأن الجزائري، أن التفاف »التحالف الرئاسي« والمنظمات الوطنية حول تجديد عهدة الرئيس مؤشر على وجود اتفاق لدى أصحاب القرار على منح الرئيس عهدة ثالثة. ولكن هذا الاعتقاد لا يخلو من »التضليل الإعلامي«، لأن التزكية المسبقة للعهدة الثالثة قبل الاطلاع على مضمون تعديل الدستور هو عمل ضد القانون، بل إنه دعوة إلى الدوس على الدستور. ربما يقول البعض، ومتى احترمت السلطة الجزائرية الدستور؟، فهي داسته حين أوقفت المسار الانتخابي في 11 جانفي 1992. وربما أشاطرهم الرأى في ذلك، بالرغم من قناعتي بأن من ساعدوا السطة على تجاوز القانون هم رجال القانون والمؤسسات التشريعية في الجزائر، لأن الفكر القانوني في الجزائر تأثر بالعنف فأنشأ داخل البرلمان حاجزا أمنيا سماه »مجلس الأمة«، لا تختلف وظيفته عن وظيفة المجلس الشعبي إلا في القوانين التي لا يرغب أصحاب القرار في تمريرها. ولعل هذا ما جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتجنّب توجيه خطبه إلى الأمة عبر البرلمان بغرفتيه، وإنما يفضل »اليتيمة« عليه، بالرغم من أن له 48 سيناتورا في مجلس الأمة. أزعم أن ما يهم أصحاب القرار هو ال150 مليار دولار الموجودة في خزينة الدولة وليس »كرسي المرادية أو تاقارة«. وقد أبالغ في ذلك إذا قلت أن عيونهم الآن صارت على الأراضي الفلاحية والعقارات، والمشاريع الوهمية. يبدو لي أن ظاهرة »أشْعَبْ« صارت برنامجا سياسيا لمعظم الأحزاب عندنا، بحيث أن أي حزب في السلطة بمجرد أن يعلن مساندته للرئيس يصبح التنافس بين بقية الأحزاب حول الوسائل التي تقرّبهم من الرئيس مشروعا وطنيا. لو كانت أحزاب »التحالف الرئاسي« تؤمن حقيقة بالرئيس لسارعت إلى تطبيق برنامجه، وليس »غرس الخناجر« في حكومة »الائتلاف الحكومي«، وكأننا في محفل دموي بكربلاء. فالسيد أحمد أويحي أو أبو جرة سلطاني لا يناقشان مع رئيس الحكومة أو وزرائهم في الحكومة مدى تطبيق برنامج الرئيس وإنما يتنكّرون لقرارات رئيس الحكومة. والمفارقة أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر، تفقد أحزاب الائتلاف الحكومي مواقعها في المجالس الشعبية البلدية والولائية، فلا يوجد حزب واحد يملك أغلبية مطلقة في أي مجلس ولائي ل48 ولاية، بحيث صارت الولايات منابر ل(تقاسم المناصب) وليس لتقاسم الأعباء ومشاكل المواطن. ويخيّل إليّ أن هناك تضليلا إعلاميا مارسته أحزاب التحالف الرئاسي وبعض الجمعيات الوطنية على المواطن، حين دعت الرئيس إلى عهدة ثالثة، لأنها بذلك تريد البقاء في مواقعها لسنوات أخرى ل»المساندة« والاستفادة من »الريع«! لو طالبت أحزاب الائتلاف الحكومي بعهدة ثالثة لها في مناصبها في الحكومة لاعتبرت ذلك حقا مشروعا، أما أن تضلل الرأي العام بالدعوة إلى مساندة ترشح بوتفليقة لعهدة ثالثة، فهذا تضليل إعلامي أشك في وجود قرار، على أيّ مستوى، لتجديد عهدة الرئيس بوتفليقة، ولا أعتقد أنه سيجرؤ على الإعلان عن ترشحه قبل تعديل الدستور، والتأكد من نسبة المشاركة في الاستفتاء عليه؛ ذلك أن تعديل الدستور عبر البرلمان قد يجلب الضرر لسمعة الرئيس، خاصة وأن سمعة الكثير من حاشيته قد شوهت صورة نظام الحكم في الجزائر، ولا داعي للإشارة للفضائح المالية على أكثر من مستوى. المؤكد أن التستّر على مضامين التعديل المقترح من جبهة التحرير أو من الطاقم المكلف بالتعديل، يجعلنا نتساءل: هل الدستور قضية شعب أم جهة من الجهات؟ لو كانت هناك نية في تعديل دستوري يسمح للشعب الجزائري أن يتحرر من قيود »الموالاة« و»المساندة« و»التزوير« لأفصح من يقفون وراء ذلك عن مضامينه؟ لماذا التكتم على مضامين التعديل، والكل يدرك أنه سيتم نشر النص النهائي وتوزيعه على المواطن، وسيثير جدلا كبيرا في الكواليس أو في القنوات الفضائية العربية، قد يعطي صورة »سيئة« عن بلادنا، ويتحول إلى معول هدم عوض أسس بناء. من حق رجال القانون أن يقوموا بندوات إذاعية وتلفزيونية لشرح مكامن الضعف والقوة في الدستور. ويضعوا المواطنين في صورة صحيحة وإطار واضح، يسمح لهم بالتأكد من أن تعديل الدستور ضرورة سياسية وليست ضرورة انتخابية. فما أحوجنا إلى مخاطبة المواطنين بلغتهم، ودفعهم إلى أن يكونوا جدارا واقيا للدولة، لا أن نحوّلهم وقودا ل »التضليل الإعلامي«. حين تصبح البرامج »لجان مساندة« إذا كان من حق المواطن أن يعبّر عن انتمائه للجزائر، فليس من حق السلطة قمعه أو منعه أو سد الأبواب والنوافذ في وجهه. وتعبير المواطن عن انتمائه للوطن لا يكون إلا وقت الشدة، أو الحروب، ولا أعتقد أن فترة (93 / 1999) ستعود حتى، ولو أن البعض يتمنى عودتها ليزداد ثراء، أو نهباً للمال العام... ولهذا، فعلى السلطة أن تفكر بمنطق البرنامج المحدد في الزمان والمكان والوسائل والأهداف، فلا يوجد برنامج يسمى لجنة مساندة للأشخاص، ولا يوجد أشخاص جديرون بالمساندة، إذا لم تكن لهم برامج واضحة ومحددة. صحيح، أن البلاد تحتاج إلى الأمن والاستقرار وهذا لا يتحقق بالالتفاف حول هذا الشخص أو ذاك، وإنما بإعادة الاعتبار للمواطن بالمشاركة في الحكم واتخاذ القرار ومحاسبة من يمثلونه في السلطة. لقد وصل من كانوا يصفون الشعب الجزائري ب»الغاشي« إلى السلطة، ولكنها لفظتهم مثلما لفظت من »أخطأوا فيه« وتحولوا إلى أُجَراء لا شركاء في دول أخرى.