قضت محكمة الجنايات لمجلس قضاء قالمة بإدانة المتهم (ق.ع) البالغ من العمر 66 سنة بتهمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد باستعمال سلاح ناري والحكم عليه بالإعدام. وتعود تفاصيل هذه القضية، التي تعتبر أبشع جريمة قتل شهدتها ولاية قالمة ليلة 07 أفريل 2006 وخلفت حالة من الهستيريا والرعب ببلدية حمام نبائل مقر عاصمة الدائرة الواقعة بأقصى الجهة الشرقية لولاية قالمة. والتي ظن أهلها آنذاك بأن هجوما إرهابيا قد بدأ عندما اخترقت الطلقات النارية الكثيفة سكون الليل وأرغمت الأهالي على غلق الأبواب والتزام مسكانهم خوفا من المجهول، قبل أن يتبيّن فيما بعد أن مجاهد ثورة التحرير وعنصر الدفاع الذاتي المتهم (ق.ع) المتقاعد من صفوف الجيش الوطني الشعبي، والذي يعتبر من بين أحد أعيان المدينة قد ارتكب مجزرة رهيبة في حق عائلته عندما أقدم على إطلاق النار من بندقية صيد يملكها على أفراد العائلة دون شفقة أو تردد، حيث قتل الزوجة (ق.ر) البالغة من العمر 46 سنة وإبنه البكر "صالح" البالغ من العمر 24 سنة، في حين أصيبت إبنته "حنان" بتشوّه على مستوى الوجه بينما نجا إبنه الأصغر "محمد" بأعجوبة بعد إصابته على مستوى الذراع مما تسبب في بتر يده اليمنى. كل هذا بسبب الشك الذي راود الأب "الجاني" والذي حاصرته هواجس الأوهام بأن شيئا لاأخلاقيا كان يحدث داخل غرف مسكنه الجميل المتكون من ثلاثة طوابق بحي حمداوي عبد السلام (دوار الغربة) مما دفعه للانتقام من الزوجة (ق.ر) وبناته (ق.ح) و(ق.ه) و(ع.س) وابنيه (ق. صالح) و(ق.محمد) ابن ال14 ربيعا. أثناء جلسة المحاكمة التي سادها جو من السكون لم يتهرب الجاني من التهمة المنسوبة إليه حيث أعاد سرد الوقائع الواردة في الملف، مؤكدا ارتكابه للمجزرة وهو في كامل وعيه، مصرحا أمام هيئة المحكمة أنه غير نادم على ارتكابه لهذه الجريمة البشعة التي صرح بشأن حيثياتها أنه ارتكب المجزرة بعد أن راودته شكوك وأوهام حول تصرفات أفراد عائلته، مؤكدا أنه غير نادم على ما أقدم على فعله. قبل أن يستطرد قائلا: "لقد أخطأت في حق إبني الأصغر محمد فقط" قبل أن يسترجع المتهم ذكريات ماضيه المجيد إبان الثورة التحريرية عندما كان صاحب الأمر والنهي وحتى بعد الاستقلال، مضيفا: "لقد أخطأت وكان الأجدر بي أن أضع آخر رصاصة في رأسي حتى أريح نفسي وأرتاح من عذاب الضمير".. المتهم (ق.ع) ناشد رئيس الجلسة "تخليصه من عذاب السجن والضمير والحكم عليه بالإعدام الفوري رميا بالرصاص.." ولم يتمكن المتهم، الذي بدا متأثرا، من متابعة أطوار المحاكمة بعد سقوطه مرتين داخل قاعة الجلسات إلا بعدما أمر رئيس الجلسة بإحضار كرسي له. الشهود من أبناء وبنات الجاني أعادوا سرد الوقائع كما حدثت ووردت في ملف القضية، وما أثر في نفسية الحاضرين شهادة الإبن الأصغر "محمد" الذي أجهش بالبكاء قائلا: "لقد ضاع مستقبلي، بأي حق تقطع يدي وتحرمني من الحياة يا أبتي لقد توسلت إليك بأن لا تطلق الرصاص عليّ وعلى أمي وإخوتي إننا نحبك رغم قسوتك وقبضتك الحديدية التي حولت حياتنا إلى جحيم"، وأضاف محمد الملاك الجميل، "كنت نائما إلى جانب أمي وقد مضى من الليل نصفه عندما دخل أبي الى الغرفة وأفرغ وابلا من الرصاص في بطن أمي بعد أن قضى على أخي الأكبر صالح عند البوابة الخارجية للمنزل. أفقت على وقع الطلقات المدوية فوجدت أمي ملطخة بالدماء وهي تحتضر، أمسكت ببندقية الصيد وتوسلت إليه بأن لا يطلق الرصاص عليّ فضربني بعقب البندقية على الرأس لكنني لم أسقط وأمسكت به ثانية لكنه دفعني بالقوة ووجه الرصاص إلى بطني لكنني انحنيت فأصيبت يدي اليمنى التي قطعت فيما بعد في المستشفى الجامعي بعنابة وكنت في الثامنة من التعليم الأساسي واليوم ضاعت أسرتي بين قتيل وسجين"، قالها بكل براءة وعفوية، ثم عاد ليجلس بين أخواته اللواتي أدلين بتصريحاتهن تباعا أمام هيئة المحكمة الجنائية بكل شجاعة وثبات، وكانت البداية مع »حنان« التي أكدت بأن أباها كان يتمتع بكامل الرعاية والاحترام من قبل جميع أفراد العائلة رغم إحكام قبضته على شؤون البيت ورفضه مناقشة القضايا التي تهم العائلة كقضية زواجها مع إبن خالتها حيث طرحت عليه الفكرة في تلك الليلة لكنه أبدى معارضته القطعية للفكرة واعتبرنا مشروع الزواج منتهيا حتى لا نسبب له المزيد من المتاعب لأنه كان يعاني من أمراض مزمنة جعلته غير قادر على تحمل الضغط وانتهى كل واحد منا إلى غرفته. وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا سمعت طلقات الرصاص بغرفة نوم الأم والأخ الأصغر محمد، تضيف »حنان«، التي احتمت بالمطبخ رفقة أختها »هناء« وأحكمت إغلاق الباب. وفي هذه الأثناء كانت »سهيلة« بغرفة أخرى تراجع دروسها تحضيرا لامتحان شهادة البكالوريا والتي استفاقت على وقع الصدمة وتوجهت إلى غرفة أمها فوجدتها تحتضر وبجانبها محمد يصرخ من الألم فخرجت مسرعة لكن الأب الثائر الذي كان يبحث عن حنان تمكن من محاصرة »سهيلة« وطلب منها تكسير باب المطبخ بواسطة شفرة حادة لكنها أشفقت على أختيها، وتظاهرت بعدم القدرة على تنفيذ المهمة فقرر المتهم فتح باب المطبخ بالقوة حيث أطلق وابلا من الرصاص على الباب الخشبي وأصاب »حنان« على مستوى الوجه لكنها قاومت ومنعته من الدخول وتمكنت »سهيلة« من الهروب خرج المنزل فوجدت أخاها »صالحا« ملقى على السلالم الخارجية أمام الباب الرئيسي للمنزل وهو يصارع الموت غارقا في دمائه.. تمالكت نفسها وأطلقت نداءات استغاثة عبر شوارع وأزقة بلدة حمام النبائل الهادئة، فلحق بها أبوها ولم يعثر لها على أثر وعاد ليقف أمام ابنه »صالح« الذي وجده يحتضر فأفرغ رصاصات أخرى في رأسه ليعجل برحيله قبل وصول رجال الدرك الوطني الذين تمكنوا من السيطرة على الوضع وتوقيف الجاني بعد نفاد مخزون ذخيرة الخراطيش والذي كان مصمما على قتل كل أفراد العائلة، لكن نداءات الاستغاثة التي أطلقتها »سهيلة« حالت دون وقوع ضحايا آخرين، حيث أسفرت المجزرة الرهيبة عن قتل الأم والإبن الأكبر »صالح« وقطع اليد اليمنى للملاك الصغير »محمد« وإصابة الإبنة »حنان« على مستوى الوجه. النيابة العامة التي مثلها وكيل الجمهورية لدى محكمة قالمة قالت بأن الملف ثقيل وملطخ بالدماء وشهادة الإبن »محمد« الملاك الصغير كانت أبلغ أثرا من أوراق القضية الملطخة بالدماء. وأضاف ممثل النيابة، بأن المجتمع يتحمل مسؤوليته تجاه الضحايا الذين بقوا على قيد الحياة من البنات العفيفات، مبديا تأسفه لذهاب القيم الأخلاقية والعاطفة الأبوية مطالبا بعقوبة السجن المؤبد ومصادرة السلاح الناري، رغم إصرار المتهم التعجيل برصاصة الرحمة في آخر كلمة له قبل غلق باب المرافعات. وبعد المداولة القانونية نطقت هيئة المحكمة بإدانة المتهم (ق.ع) البالغ من العمر 66 سنة بتهمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد باستعمال سلاح ناري (بندقية صيد) والحكم عليه بالإعدام.. في إحدى أهم القضايا التي اهتزت لها كامل ولاية قالمة الربيع الماضي.. وعن التماس المتهم التعجيل في تنفيذ حكم الإعدام عليه بالرصاص، أجابه رئيس الجلسة قائلا: "إن الأعمار بيد الله ولسنا ندري كيف ومتى وأين نموت...؟؟؟". عصام بن منية