خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com أثبتت الحكومة الموقّرة هذه المرة أنها صادقة وعازمة على جلب أكبر قدر ممكن من المستثمرين الأجانب، فجاء أول قرار لها متزامنا مع اختتام أشغال المؤتمر العاشر لرجال الأعمال العرب في الجزائر، على لسان قائد حملة صاحب الفخامة وزير الماء وطواحين الهواء الذي أعلن أن مصالحه الساهرة على راحة ورفاهية المواطن قررت أن تلجأ إلى تقليص ساعات توزيع مياه الشرب لأن أمطار الخير تأخرت هذا العام في زيارة بلدنا المبارك. قرار جريء طبعا يعكس سرعة بديهة رجال الحكومة الذين لم يتأخروا هذه المرة ليعلنوا لرجال الأعمال العرب أن الجزائر ستسعد كثيرا لاستقبالهم واحتضانهم إذا ما قرروا يوما شدّ الرحال إلينا للاستثمار. ونحن ننتظر قرارات أخرى من وزير التلفون مثلا وهو يعلن أن كثرة الطلبات على الهاتف تقتضي توقيف مد خيوط الهاتف إلى مناطق عديدة في العاصمة، ومن وزير ترقية الاستثمار وهو يؤكد أن مصالح وزارته قررت هذه المرة أن تنشر القائمة النهائية للمؤسسات المعروضة للبيع وأنها لم تبعها منذ عشر سنوات لأنها رأت أن تحتفظ بها للمستثمرين الذين يحضرون الملتقى العاشر لرجال الأعمال العرب. خطاب صاحب الفخامة أمام الحاضرين في ملتقى رجال الأعمال العرب تركني حائراً، ليس بسبب بعض مصطلحاته التي تتطلب من المرء أن يبحث عن مستثمرين ليطبعوا لنا قواميس خاصة ببعض الكلمات التي نسمعها ولا نكاد نتبيّنه، ولكن لأنني لما قرأتها وأعدت قراءتها مرات عديدة تساءلت بيني وبين نفسي، لماذا نبحث عن مستثمرين أجانب أو حتى عرب وبلدنا تزخر بكل هذه الإنجارات، مشاريع استثمارية وتعميرية بالمليارات وغلافات مالية بالشكاير ومشاريع الإسكان التي لا تنتهي، وانعكاس ذلك على حياة المواطن الجزائري السعيد في كل الأحوال، إضافة إلى القرار الكاسح بتخلص الجزائر من كل ديونها قبل نهاية العام، أي الموعد المقرر للاستفتاء على الدستور الموعود. كل شيء في البلد بطاطا على بصل (البطاطا والبصل صارا أغلى من السمن والعسل)، فلماذا نبحث لنا عن مستثمرين أجانب أو حتى عرب ليزاحمونا في خيراتنا وفي العيش الرغيد الذي نزل على الشعب في الأعوام المباركة الأخير؟ ما حاجتنا إلى مستثمرين أجانب ونحن عندنا ما يكفينا من المستثمرين والمقاولين ومن المشاريع الواعدة؟ قولوا لي بربّكم ما حاجة بلد اكتمل فيه برنامج تحديث كبريات البنوك العمومية وأكمل إصلاح منظومته التربوية وصار في كل بيت وداخل كل خيمة جهاز كمبيوتر على الأقل وتخلص من تبعيته القاهرة للمحروقات و... و...، ما حاجة بلد كهذا إلى مستثمرين أجانب ولو كانوا عربا؟ لو كان الأمر لي لأمرت بغلق باب الاستثمارات الأجنبية رسميا مثلما هي مغلقة فعليا ولما تحرّجت من إعلان ذلك، لكنني أعتقد أنني لم أبلغ حكمة الحكماء حتى أفهم أن الجزائر إنما هي بدعوتها للمستثمرين العرب تريد بطريقة ذكية تحفظ ماء الوجه أن تقول لهؤلاء العرب تعالوا وانقلوا عنا تجربتنا الفريدة في التنمية والاستثمار والحكم الراشد ونحن نضمن لكم غطاء قانونيا لتكونوا تلامذة في ثوب مستثمرين. إذن إذا كانت المسألة هكذا فلا بأس كما قال الشيخ البومباردي أو كما قال! واسمحوا لي هنا أن أعود إلى موضوع الماء لأسرد بعض طرائفنا مع هذه المادة الحيوية. مرة لا أدري لماذا اختار عيسى انتاعنا أن يحجز في أحد فنادق العاصمة الراقية ولا ينزل عند أخيه الذي كان يرحب به رغم كل شيء، سأله موظف الاستقبال هل تريد غرفة بحوض الحمام أم فقط بالدوش، وعيسى هذا بطبعه يحب أجود وأحسن الأمور حتى أننا نسميه الماكسيموم فاختار غرفة بحوض الحمام ولو كانت بمسبح لاختارها، ولما صعد إلى غرفته ذهب مباشرة ليأخذ حمّامه اليومي بعد رحلة سفر طويل، بدأ بحنفية الماء الحار فوجدها تصفّر وقال لعل حر الصيف جعل صاحب الفندق يقتصد في الطاقة (مثلما توصينا وزارة الطاقة مشكورة) والماء البارد في الصيف أفضل، فتحول ليدير الحنفية ذات النقطة الزرقاء فدارت وصفّرت هي الأخرى، فنزل إلى صاحب الفندق يطلب منه أن يفتح الماء من المجمع، وكم كانت خيبته أليمة عندما أخبره مضيّفه أن الماء مقطوع وإذا أراد أن يستحم فعليه أن يستعمل بيدون الماء الموجود داخل الحمام لهذه الغرض. استغرب أخونا العزيز ولم يعرف لماذا اضطر لدفع فارق في سعر الغرفة إذا كان الماء غير متوفر لا في غرفة حوض الحمام ولا في غرفة الدوش. الحكاية الثانية كانت مع زميل عربي كان ضيف الجزائر بمناسبة الانتخابات الرئاسية العزيزية الأولى، ولا أدري كيف وصل بنا الحديث إلى حكايات الماء فقال لي هل تعلم أنني اضطررت لأستعمل قوة خارقة من أجل أن أفتح حنفية الماء في غرفة الفندق (كان نزيلا في الأوراسي وما أدراك)، فسألته وهل نزل عليك الماء عندما تمكنت من فتح الحنفية، لأنني خفت أن تكون حسن الضيافة وصلت أقصى حدودها، فأجابني نعم، فقلت له في نفسي احمد ربك أن الماء نزل عليك ولم تستحم على إيقاع الصفارة. ولا أنتهي من حكايات الماء قبل أن أطرح سؤالا أرجو أن يصلني من كل من هو مطلع جوابا شافيا، هل بدأ سد تاقصبت في منطقة القبائل يشتغل أم ليس بعد؟ أتدرون لماذا أسأل هذا السؤال؟ لأنني قبل أربع أو خمس سنوات علمت أن السد الذي بني لتزويد سكان العاصمة بالماء الطاهر ممتلئ ماءً زلالاً لكنه بقي حبيس السد رغم حاجة أهالي العاصمة إليه. هل تعلمون لماذا بقي الماء محبوسا؟ ليس لأن وزير الماء قرر التقشف في استعمال الماء وادخاره لوقت الحاجة مثلما هو حاصل الآن مع الملايير التي ضاقت بها خزائننا، بل لأن العباقرة الذين وضعوا السد انتهوا منه ولما وصل وقت استغلاله اكتشفوا أنه لا توجد قنوات يخرج منها الماء ليصل العاصمة وضواحيها. الخرجة الأخيرة لزعيم الحمسيين بوجرة سلطاني تستدعي وقفة إجلال وتقدير وتحية، وهذا أضعف الدعم، فقد طالب الرجل بكل شجاعة وحزم برفع الحصانة الدبلوماسية والتاريخية والجهوية والحزبية وفتح ملفات الوزراء والولاة والضباط العسكريين والنواب في إطار التحقيقات التي تقوم بها السلطات العمومية حول قضايا الفساد، وقال، حسب ما تناقلته الصحف، إنه لا ينبغي اتباع الانتقائية في فتح ملفات الفساد لتطال البعض دون البعض الآخر، ودعا السلطات العمومية إلى خوض هذه المعركة التي لا بد منها. وددت لو أن مقالي هذا يصل معالي وزير الدولة في غرفته في الفندق التركي أين يوجد الآن حتى يعلم أني أشد يده ولسانه وإزاره على هذا التصريح الذي لا شك أنه زعزع أركان الفاسدين في كل مكان، وأنا أتخيل ذلك الكم الهائل من الاتصالات الهاتفية التي تلقاها في بيته وفي مكتبه الحزبي وفي مكتبه الحكومي وعلى هاتفه الجوال حفظه الله من السرقة بل لعل هناك من رأى أن الكلام في التلفون لا يفيد فقرر شد الرحال على الأقدام إلى الجار الجاحد ليبلغه استياءه من التصريحات التي دوّخ بها العالم. كيف، بالله عليكم، يجرؤ وزير في الخدمة على إطلاق مثل هذه الدعوة من دون أن يخاف على نفسه أو على منصبه؟ رغم أن عهدنا بالرجل شجاعا ومقداما ولا يخاف من أجل مبادئه لوم لائم ولا تهديد مهدد ولا غضب غاضب. معروف عن الرجل أنه لا ينافق ولا يجامل ولا يداري ولا يقول ما لا يفعل، ولذلك فإنني أتوقّع منه بعد أن يعود من مهمته الرسمية إلى تركيا أن يعود وهو يحمل لسانه الطويل (والوصف لجماعة الشروق) ويواصل معركته ضد الفساد والمفسدين، وأنا متأكد أنه سيسقط رؤوسا كبيرة بسلاحه السليط وأتوقّع أن يحل علينا العام القادم وقد حققت الجزائر بفضل رجالها المخلصين ثلاثة إنجازات عملاقة على الأقل، أن تكون الجزائر الحبيبة قد تخلصت من غلبة الدين العام الخارجي ومن قهر الرجال المفسدين المرتشين وأيضا قد حباها الله بدستور جديد يدعم مسيرتها من أجل الرقي والازدهار والرخاء الأبدي. مبروك علينا وشكرا وألف شكر يا وزيرنا المقدام. ولولا أنني أخاف أن تفهم ذلك إساءة مني وتقليلا من شأنك لطالبت رسميا أن يتفضل عليك فخامته بتعيينك الرجل الأول في وزارة جديدة ينشئها خصيصا لك وتحمل اسم وزارة الفساد، أقصد محاربة الفساد، فأنت فعلا أهل لها وشجاعتك تؤهلك عن جدارة لتولي هذه الحقيبة الثقيلة! قرأت في كلام السوق خبراً مفرحاً يقول إن وزارة الداخلية وجهت تعليمة إلى مسؤولي البلديات تطلب منهم تنظيم الشباب الذي يتولى بطريقة فوضوية حراسة سيارات المواطنين في الشوارع. ونقل الخبر أن الوزارة طلبت إيجاد إطار قانوني لهؤلاء الشباب مثل تجميعهم في تعاونيات بغرض وضع حدّ للسلبيات والمشاكل الناجمة عن ظاهرة الانتشار العشوائي للحظائر غير القانونية. فرحت كثيراً عندما قرأت هذا الخبر، وأتمنى أن يكون صحيحا لأنه يأتي متمشيا مع مطلب رفعته الصيف الماضي داعيا السلطات إلى الاعتناء بهذه الشريحة من الشباب الرائع والسماح له على غرار شرائح المجتمع الأخرى المفيدة بتأسيس جمعية "باركينغ خو" التي تجمع محترفي حراسة السيارات من اللصوص. وبالمناسبة أضيف طلبا آخر وهو دعوة الشباب أيضا الذين لم يسعفهم الحظ في الانضمام إلى جمعية الباركينغ أن ينظموا أنفسهم ويؤسسوا جمعية أخرى تعنى بحراسة أحذية المصلين من السرقة وجمعية أخرى لحراسة هواتف المواطنين من الخطف وجمعية أخرى لحراسة بائعي الخضر والفواكه وأخرى لحراسة بائعي الملابس في الأسواق وأخرى لحراسة كل البلد من السرقة، وهنا أجد نفسي مرغما على توجيه الدعوة للمستثمرين الأجانب ومنهم العرب للمجيء إلى بلدنا والاستثمار في هذه المشاريع الواعدة، وكل عام وشباب الجزائر بألف خير وألف مشروع!