تمكنت العباءة الخليجية في السنوات الأخيرة من حجز مكانة لها في السوق العالمية، بعد أن كانت حكرا على نساء بلاد الخليج العربي وحدهن، واللواتي كن يتميزن بمفردهن بارتداء هذا النوع من الحجاب، غير أنه ومع دخول العباءة الخليجية أو "العباية" كما تسميها النساء الجزائريات للسوق الجزائرية، صارت على رأس الموضة الحديثة التي تتسارع النسوة بل حتى الفتيات والصبايا المحجبات وغير المحجبات إلى اقتنائها وارتدائها لا لشيء إلا لأجل التباهي بشراء أحدث موديلاتها وآخر صيحاتها باختلاف ألوانها المتدرجة عبر السواد وبتنوع التصميم التي تفرض نفسها بامتياز على واجهات المحلات. «المنصورية»، «القفطان» و«جبة الفرقاني» في خبر كان بعد أن كانت العباءة حكرا على نساء بلاد الخليج فقط هاهي اليوم تحتل مكانة مرموقة لدى النساء الجزائريات، خاصة الفتيات اللواتي أضحت الواحدة منهن تتسارع لاقتناء أحدث الموديلات وأجملها، لاسيما المزخرفة والمزركشة بألوان مختلفة وتصاميم عديدة حيث تختلف كل واحدة منها عن الأخرى، وحسب ما هو ملاحظ ميدانيا فقد نتج عن هذا التباهي والتكالب على اقتناء العباءة الخليجية وارتدائها في المناسبات والأعراس المختلفة، هجران اللباس التقليدي الجزائري خاصة من طرف النساء المحجبات، فبعد أن كانت «المنصورية» و«القفطان» و«جبة الفرقاني» القسنطينية، وحتى «الكاراكو» المصحوب بالتنورة أو السروال المدور ويرافقهم في ذلك الخمار، لتكون المرأة المحجبة قد حضرت العرس أو الفرح المدعوة إليه مهما كانت مناسبته عرس زواج، خطوبة، ختان، عقيقة وغيرها من الأعياد، وهي في كامل أناقتها وجمالها مع الحفاظ على حجابها وعدم خلعه حفاظا على الاحتشام من دخول الرجال الأجانب عليهم، وبشكل خاص بعد انتشار أجهزة الكاميرا والتصوير في الأفراح. الموديلات الحديثة ل"العباية" تبهر فتيات اليوم من جهتهن الفتيات لا يترددن في اقتناء «العباية الخليجية» ذات الألوان والتصاميم المتنوعة والمتدرجة، على الرغم من غلاء أسعارها لا لشيء إلا لأجل التباهي بها في الأفراح والأعياد ومختلف المناسبات والليالي الملاح على حد تعبير «منيرة»، وهي إحدى الفتيات اللواتي التقت بهم "الأيام" عند محل يختص في بيع العباءات الخليجية وسط شوارع العاصمة، حيث أكدت ذات المتحدثة بأنها تفضل «العباءة» على الحجاب العادي لأنها تبدو عليها أفضل سواء من ناحية التصاميم المتنوعة، أو من حيث الألوان المتدرجة عبر العباءة السوداء الطويلة وتلك التطريزات الجميلة والمختلفة التي ترافقها، ولما سألناها عن سعر العباءة قالت «منيرة» بأنها تفضل أن تكون مسايرة للموضة وذلك عن طريق الحرص على اقتناء عباءة واحدة أو اثنتين من الموديلات الحديثة والتي تضمن لها أن تبدو في كامل الأناقة حتى لو كلفها ذلك أثمانا باهظة. هي فوق هذا ضالة الكثيرات لإظهار جمالهن في المناسبات بمجرد ما اقتحمت العباءة الخليجية الأسواق الجزائرية حتى ضربت الحجاب السوري والباكستاني جانبا، بعدما كانتا تتصدران قائمة المبيعات في ألبسة الحجاب، وقد تعدت شعبيتها إلى شرائح أخرى من الجنس اللطيف لتشمل فئة الفتيات والصبايا، بعدما كانت حكرا على القواعد من النساء والمتزوجات فقط، واللواتي يستهويهن ارتدائها لدى ذهابهن لحضور احتفال أو عرس معين، حيث تساعدهن العباية على الظهور خارجا بمظهر محتشم ولائق بالمناسبة التي يقصدونها، وللتحرك بخفة مع إخفاء ثوب السهرة بالعباءة، لكن الفتيات العازبات زاحمن النساء الأكبر منهن في ارتداء هذا النوع من اللباس، لأنه يتوفر على كامل الشروط المطلوبة في اللباس لدى النساء والتي يتصدرها الاحتشام والأناقة والجمال، لتصبح بذلك العباءة اللباس الأكثر شعبية وجاذبية لدى النساء والفتيات الجزائريات على السواء، خاصة إذا ما أضافت الواحدة منهن لمستها السحرية بوضع قطع معينة من الإكسسوارات لإظهار جمالها حتى تبدو بها في غاية الجاذبية. العباءة اليوم في قائمة «طبق» العروس من جهة أخرى ونتيجة تعلق الفتيات بهذا النوع من الرداء أو الحجاب ذو الأصل الخليجي، صارت العروس الجزائرية لا تستغني في تحضيراتها لجهازها عن اقتناء واحدة من الموديلات الجميلة والجديدة للعباءة، وبشكل خاص المحجبات منهن، بل إن هناك منهن من تحصل عليها على شكل هبة أو هدية تقدم لها من طرف أهل الخاطب أو زوج المستقبل، حيث يعمد البعض إلى ضمها لقائمة مشتريات الهدايا المقدمة من أهل العريس للعروس، حيث يتم وضعها في حقيبة كبيرة لتعرض ليلة تزيين يد العروس بالحناء، أو ما يسمى لدى "العاصميين" ب«الطبق»، ولدى الشرق الجزائري ب«قفة الهناء»، وتكون العباءة مرفوقة بحذاء وحقيبة يد يكونان خاصين بالسهرة، ومتماشيان مع الألوان التي استخدمت في تطريز الأشكال التي زينت بها العباءة السوداء، والتي غالبا ما تكون بالنسبة للعروس مطرزة بالخيوط الذهبية أو الفضية. ارتداءها ضرورة لاستكمال الزينة والأناقة ليس إلا أصبحت العباءة مؤخرا ضرورة هامة بالنسبة للعديد من النساء، حيث تغير مفهومها لديهن ولم تعد مجرد مظهر يعبر عن المرأة المتدينة أو المرأة المتشبثة بتقاليدها وعاداتها، لأنه اللباس الأنسب للحشمة إضافة إلى أنه يمنح مزيدا من الراحة وإمكانية الحركة بكل حرية، بل أصبحت جزءًا من يوميات المرأة العربية على العموم والمرأة الجزائرية بشكل خاص، فهي تناسب جميع المناسبات لاسيما بعدما بدأت تستعمل كفساتين للسهرة في تصاميمها وابتكاراتها بل وحتى في ألوانها، فبعدما كان يطغى عليها اللون الأسود أضحت تصمم اليوم بجميع الألوان مع إضافة أنواع أخرى من أشكال التطاريز باعتماد الخيوط الذهبية والفضية على الصدر والجانبين وكذا الكُمين، فهي من جهة تلبس للمحافظة على التراث، ومن جهة أخرى لمسايرة الموضة الحالية، ورغم أن هذا الزّي يعتبر لباسا خاصا بالنساء الشرقيات وبالتحديد الخليجيات منهن، إلا أنه نال اهتمام وإعجاب المرأة في المغرب العربي، حيث أصبحت تتميز بألوانها الجذابة المبهجة باستخدام أنواع كثيرة من الأقمشة في صناعتها، ك"الساتان" والحرير والقطن، كما جاء تطوير العباءة العربية ليرضي رغبة المرأة من خلال جمعه بين جانبين تهتم بهما المرأة العربية والمسلمة الحشمة والأناقة في آن واحد، وهو الأمر الذي أضفى عليها صبغة عالمية عصرية، وأصبحت منتشرة حتى في المناطق التي لا تربطها أية صلة بهذا اللباس المعروف بطابعه الخليجي فقط، كما أصبح هذا اللباس أيضا مطلب الفتيات اليوم لاقتنائه كقطعة فنية على أساس أنه لباس تقليدي فرضه المجتمع عليهن، ليستكملن به الزينة والأناقة بعيدا عن السترة، غير أنه يبقى في كل الأحوال ضرورة بالنسبة للكثير من المحجبات الجزائريات، فهن يحرصن على تجديد نوعية القماش وشكل الحجاب بين الفينة والأخرى، ورغم ظهور إبداعات أخرى وعباءات بألوان مختلفة إلا أن الفتيات الجزائريات يفضلن ارتداءها باللون الأسود مع إكسسوارات لامعة، خاصة أنها مستعملة حاليا من طرف المحجبات وغير المحجبات في الأعراس قبل دخولها الحفل، لاسيما إذا كن ترتدين لباسا غير محتشم بصورة كبيرة. العباءة قطعة فنية تغري غير المحجبات باقتنائها والملفت للانتباه في الآونة الأخيرة أن الجزائريات اللواتي لا ترتدين الحجاب أصبحن هن أيضا يقمن باقتناء العباءة الخليجية تأثرا بتصاميمها الجميلة والمختلفة، فمنهن من تلبسنها مع سروال الجينز لتكسر بذلك التقليد المعهود للبس العباءة والذي كان يقتصر في بادئ الأمر على أوقات السهرات والذهاب إلى الأفراح حتى تغطي الواحدة منهن ما كشفه فستان السهرة الذي ترتديه، أما الآن ولشدة تعلق الفتيات المحجبات وغير المحجبات بهذا اللباس على الرغم من كونه لباسا تقليديا يخص الخليجيات، فإنهن أضحين لا يستغنين عن العباءة في كل خرجاتهن، حتى عندما تتجه الواحدة منهن لمداومتها للعمل أو لدى الذهاب إلى مزاولة الدراسة سواء الجامعية أو الثانوية أيضا. العباءة الخليجية تسويق لثقافة الغير على حساب ثقافتنا المحلية تنوعت الآراء لدى الكثير من المواطنين الذين التقت بهم "الأيام" حول موضوع تسويق «العباءة الخليجية» في المدن الجزائرية خاصة الكبرى منها، فمنهم من يرى بأنها تسويق لثقافة الغير وهي فوق هذا انسلاخ عن ثقافتنا وهويتنا الوطنية، لاسيما بعد هجران النساء والفتيات الجزائريات للحجاب العادي سعيا وراء موضة العباءة الخليجية، فالمرأة الجزائرية تنازلت عن لبس "الحايك" و"الملاية" وغيرها من الألبسة التقليدية الجميلة والأصيلة، وهو ما سمح بطمس اللباس التقليدي الجزائري لدى الكثيرات خلال السنوات الأخيرة بعد دخول العباءة الخليجية السوق الوطنية واكتساحها الساحة بأوانها وتصاميمها وزخرفاتها المتنوعة، وقد كان هذا رأي غالبية من التقيناهم خاصة من فئة الرجال، ومن هؤلاء أيضا من عمل على تشجيع ارتداء نساء منزله لارتداء هذا النوع من اللباس بعد ما اقتنع بضرورته حسب ما يؤكده السيد «بوجمعة» وهو مواطن من العاصمة، لاسيما أنه يجمع بين الحشمة المفروضة على نسائنا اللواتي يسعين وراء الظهور في كامل الأناقة والجمال وكذا مواكبة الموضة أيضا، مستشهدا بالفتيات والنساء غير المحجبات اللواتي يتسارعن أيضا لاقتناء عباءة ذات تصاميم جميلة خاصة منها السوداء الفضفاضة المطرزة بالخيوط الذهبية أو الفضية على مستوى الصدر والظهر وكذا من الأعلى إلى الأسفل، وذات الكمين العريضين المطرزين هما أيضا. صارت لباس الجامعيات لمسايرة موضة العصر أثناء قيامنا بالاستطلاع لفت انتباهنا إحدى الفتيات غير المحجبات غير أنها كانت ترتدي وقتها عباءة سوداء فضفاضة ومطرزة بخيوط ذهبية على مستوى الصدر والكمين الفضفاضين أيضا، مرفوقة بسروال "جينز" أزرق اللون من الأسفل، تقدمنا منها وحاولنا منها تقصي رأيها في الموضوع، فأكدت لنا أنها أضحت لا تحب الاستغناء عن هذا النوع من الألبسة لأنها تتحرك داخله بارتياح زيادة على الأناقة التي تتحسسها وهي ترتديها عند توجهها للتبضع من السوق أو عند ذهابها إلى الجامعة، ناهيك عن كونها حسبها دائما نوع من مسايرة الموضة. روبورتاج: سليمة حفص/ تصوير: بن زواش