أثنى المدير العام لصندوق النقد الدولي «دومينيك ستروس كاهن» الذي زار الجزائر بين الثاني والرابع من نوفمبر الجاري على أداء الاقتصاد الجزائري، وقال عقب استقباله من قبل الرئيس «بوتفليقة» إن النتائج التي حققتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة كانت مذهلة. وحسب مدير الأفامي فإن "سياسات الاقتصاد الكلي الحذرة التي انتهجتها الجزائر في الماضي سمحت لها بتحقيق وضعية مالية مريحة"، وأنه "بالرغم من سياق دولي غير مستقر تواصل الجزائر تسجيل نتائج اقتصادية جيدة بفضل النفقات العمومية، كما أن سياسات الاقتصاد الكلي الحذرة التي انتهجتها الجزائر في الماضي سمحت لها بتحقيق وضعية مالية مريحة، ولكن بالرغم من التطورات الهامة ما تزال نسبة البطالة مرتفعة نسبيا لاسيما عند الشباب، ويبقى التحدي الرئيسي بالنسبة للاقتصاد الجزائري خلق ما يكفي من مناصب الشغل للأجيال الجديدة من خلال تنويع النشاط الاقتصادي، وفي هذا السياق اتخذت الحكومة إجراءات ترمي إلى تحسين تنافسية الاقتصاد وضمان النمو على المدى المتوسط لاسيما من خلال برنامج استثمارات عمومية طموح"، وأشار إلى أن "الجزائر بلد يتميز باقتصاد جيد بالرغم من الصعوبات و المشاكل المرتبطة بالتاريخ والتي يجب مواصلة العمل على تسويتها"، وقارن بين نسبة البطالة في الجزائر التي تبلغ 10 بالمائة وتلك المسجلة في الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية وقال إنها ليست بعيدة عنها، واعتبر "إن النتائج التي حققتها الجزائر منذ عشر سنين في مجال النمو مذهلة حقا نظرا للتحكم في التضخم ووفرة المداخيل المالية بفضل المحروقات خاصة". ولم يكتف مدير الصندوق بتقديم تقييم إيجابي لأداء الاقتصاد الوطني بل قدم توقعات إيجابية للمستقبل واعتبر أن "تواصل الإصلاحات الهيكلية وعلى وجه الخصوص تحسين مناخ الأعمال من شأنه تعزيز آفاق النمو على المدى المتوسط في الجزائر، كما أن هذه الأعمال من شأنها تشجيع تطور الاستثمارات الخاصة وتنويع الاقتصاد ليصبح أكثر تنافسية وجاذبية بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وفي هذا الصدد سيواصل صندوق النقد الدولي تدعيم جهود الحكومة وبنك الجزائر من أجل تعزيز متانة وفعالية القطاع المصرفي"، غير أن الصندوق لا يزال متحفظا على التبعية الكبيرة للمحروقات، وقد أشار «ستروس كاهن» إلى هذا الأمر بالتأكيد على أن الجزائر بلد يحوز على ثروات طبيعية هائلة تمكنها من خلق وضع خاص غير أنه من الضروري تنويع النشاط الاقتصادي، وهو نفس التشخيص الذي تشير إليه الحكومة الجزائرية باستمرار. التقييم الإيجابي الذي قدمه صندوق الدولي ممثلا في خبرائه ومديره العام يؤكد التقارير الدورية التي صدرت عن الهيئات المالية الدولية، وفي مقدمتها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، خلال السنوات الأخيرة والتي أجمعت كلها على وصف الوضع الاقتصادي الجزائري بالاستقرار وأثنت على نجاح الحكومة في الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكلية، بل إن «الأفامي» أشار بوضوح إلى أن السياسات الحذرة التي اتبعتها الجزائر خلال السنوات العشر الأخيرة جعلتها في مأمن من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، غير أنها في مقابل هذا استطاعت أن تسير بشكل عقلاني الحاجات الاجتماعية المتزايدة، وقد كانت الزيادات غير المسبوقة في الأجور قد أثارت تحفظات الهيئات المالية الدولية التي توقعت أن تؤثر هذه الزيادات على التوزانات الاقتصادية الكلية من حيث ارتفاع التضخم، غير أن السياسات المتبعة سمحت بإيجاد نقطة توازن بين مراجعة الأجور والحفاظ على التوازنات المالية ودون المساس بالحاجات الملحة للتنمية الوطنية، وقد أشار صندوق الدولي بإيجابية إلى البرامج التنموية الضخمة التي وصفها ببرنامج طموح للاستثمارات العمومية. وإذا كانت التقارير التقنية للصندوق تؤكد التقييم الإيجابي لأداء الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة، وتعطي توقعات مشجعة حول نسب النمو التي يمكن تسجيلها مستقبلا، فإنها من الناحية السياسية ستترك آثارا على المستويين الداخلي والخارجي، فالتقييم الذي تقدمه الهيئات المالية الدولية يعطي مزيدا من المصداقية للأرقام والتقارير الرسمية، وكان الوزير الأول «أحمد أويحيى» قد أعلن خلال تقديمه لبيان السياسة العامة أن الحكومة لا تتلاعب بنسب البطالة، كما أن التوقعات الإيجابية التي قدمها الأفامي وقبله البنك العالمي تؤكد أن الصورة المتشائمة التي تقدمها المعارضة في الجزائر تعكس موقفا سياسيا أكثر من كونها تقييما موضوعيا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تقارير الهيئة الدولية تعتمد على رؤية أوسع من خلال وضع الاقتصاد الوطني ضمن المناخ الاقتصادي العالمي ومن خلال المقارنة مع تجارب دول أخرى تقترب من الوضع الجزائري، في حين أن مواقف المعارضة في الجزائر، وحتى مواقف بعض الخبراء ترتكز على رؤية مجتزأة تنطلق من تفاصيل يجري فصلها عن السياق العام للوضع الاقتصادي الداخلي والدولي، وتهمل طبيعة المرحلة الانتقالية الصعبة التي مر بها الاقتصاد الجزائري خلال السنوات الماضية. على المستوى الخارجي يمكن أن يكون تقييم الأفامي حافزا للمتعاملين الاقتصاديين للاقتراب أكثر من الفرص التي تقدمها الجزائر في مجال الاستثمار، ورغم الإجراءات التي تم اتخاذها منذ نهاية 2009 والتي توصف بأنها إجراءات حمائية فإن المناخ العام مناسب للاستثمار رغم الحاجة إلى تقديم مزيد من التوضيحات والضمانات بخصوص مستقبل الاستثمارات الأجنبية في الجزائر.