طوابير طويلة ومشادات كلامية من أجل سحب الرواتب عادت أزمة نقص أو انعدام السيولة المالية عبر مختلف مكاتب بريد الوطن، لتطفو هذه المشكلة على السطح من جديد، بعد استقرارها خلال الأسبوعين الماضيين، فقد شهت أمس عديد الولايات الكبرى للبلاد طوابير طويلة أمام آلات السحب الإلكترونية التي كانت أغلبها معطلة وغير معبئة بالسيولة، ما أدى إلى حالة من التذمر والغليان لدى المواطنين بسبب استمرار انعدام السيولة طيلة اليوم وعدم تمكنهم من سحب أموالهم.
وقصد التعرف على الأسباب الحقيقية التي أدت لعودة هذه المشكلة من جديد، اتصلت «الأيام» بعدد من المسؤولين بمؤسسة «بريد الجزائر»، الذين أكدوا أن مسؤولية أزمة السيولة المسجلة منذ قرابة ثلاثة أشهر يتحملها بنك الجزائر المركزي الذي لم يزود مكاتب البريد بالأموال المطلوبة في الوقت المناسب.
وأرجعت المصادر ذاتها الأسباب التي أدت إلى نقص السيولة عبر مكاتب البريد إلى قيام عديد الشركات ومؤسسات الدولة والهيئات الحكومية بصرف منح نهاية السنة للموظفين، والتي تجاوزت في بعض القطاعات 60 ألف دينار، إضافة إلى تأخر البنك المركزي في إيصال السيولة لمختلف المكاتب التي تشهد طلبا كبيرا لاسيما بالمدن الرئيسية للوطن. وعرفت عديد مراكز البريد طوابير طويلة دامت ساعات، وهو ما أثار حفيظة المواطنين كونهم انتظروا لساعات طويلة وفي آخر المطاف لم يتمكنوا من سحب أموالهم، لسببين رئيسين يتمثلان في تعطل الشبكة وانعدام السيولة، لتنتهي مغامرة المواطن لسحب راتبه إما بالتلاسن مع الموظفين أو غيره ممن يتزاحمون للوصول إلى آلة السحب أو عون البريد. وأمام تبادل التهم بين بريد الجزائر والبنك المركزي، تبقى خلية الأزمة التي نصبتها وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال قبل أسبوع من حلول عيد الأضحى تزاول عملها بالتنسيق مع مختلف مكاتب الوطن والبنوك، إلا أنها تبقى عاجزة عن إيجاد حل يمكن المواطن من تسلم مستحقاته وراتبه دون عناء الانتظار طويلا أمام مكتب البريد. وقد أوضح مسؤول خلية الإعلام بالبنك المركزي، أن نقص السيولة بمراكز البريد، يعود إلى عدم دخول السيولة مجددا إلى هذه المراكز، وتحديدا تلك التي خرجت في دورتها العادية وهو ما جعل بنك الجزائر يجد صعوبة في تزويد مراكز البريد بالحصص اللازمة من الأموال، مشيرا إلى أن الجزائريين لا يعتمدون كثيرا على الصكوك، وهو ما يسبب نقصا في السيولة حين يتم التعامل بالأموال نقدا، إضافة إلى قيام العديد منهم باستخراج رواتبهم كاملة مع منح نهاية السنة في وقت واحد ما يسبب حرجا لمؤسسة «بريد الجزائر». ومن جهتها، حمّلت مؤسسة «بريد الجزائر» مسؤولية نقص السيولة المالية بمكاتبها الرئيسية إلى البنك المركزي الجزائري باعتباره مسؤولا عن طبع الأوراق النقدية وإرسالها إلى مختلف المؤسسات المالية بالجزائر، مشيرة إلى البرقيات والمراسلات التي تمت بينها وبين البنك تخطره من خلالها بضرورة توفير السيولة لاسيما خلال الفترات التي تشهد تزايد الطلب كفترة نهاية السنة، رمضان والأعياد الدينية والدخول الاجتماعي. للإشارة، فقد اعتمدت مؤسسة «بريد الجزائر» مؤخرا نظاما يسمح لمراكزها بالاستنجاد يبعضها البعض في حال نقص السيولة، إلا أن هذا الأمر لم يساهم في وضع حد لهذه المشكلة التي تبرز من حين لآخر وفي فترات محددة، بالنظر لغياب وسائل دفع جديدة في وقت يشهد فيه ارتفاع عدد زبائن المؤسسة المقدرين حاليا بأزيد من 12 مليون زبون بمتوسط سحب في حدود 20 ألف دينار. وأمام كل هذه التبريرات الصادرة عن الهيئتين تبقى الفوضى أهم ميزة تشهدها مراكز البريد، فالمواطن لا يبحث عن أسباب حدود هذه الأزمة بقدر ما يهمه سحب راتبه الشهري دون عناء وفي وقت قصير.