وضعت تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني «عبد العزيز بلخادم» التي نفى من خلالها وجود مشروع لتوريث الحكم في الجزائر، التحركات السياسية الجارية على الساحة الوطنية في إطار السعي إلى احتلال المواقع، وأكثر من هذا وضعت أزمة الأفلان في قلب المعارك السياسية الخفية التي لا تظهر أهدافها للعيان. قبل أسبوع كانت جريدة «الجزائر نيوز» قد نشرت حوارا مع «سيد أحمد العياشي» رئيس حزب التجمع من أجل الوئام الوطني أعلن فيه أن سعيد بوتفليقة شقيق رئيس الجمهورية سيكون مرشح الحزب لمنصب الرئاسة في انتخابات سنة 2014، وقد أثار تلك التصريحات جدلا واسعا قبل أن يتراجع عنها العياشي يوما بعد ذلك مؤكدا أن كل ما قاله كان نابعا من تفكيره الخاص وأنه لم يستشر المعني قبل الإدلاء بهذه التصريحات واعتذر عن كونه أخطأ من خلال تصريحاته في حق رئيس الجمهورية وشقيقه دون أن ينسى القول بأنه لا وجود لنية في توريث الحكم في الجزائر تحت أي ظرف. عبد العزيز بلخادم، ومن موقعه كأمين لحزب الأغلبية أولا وكممثل شخصي للرئيس بوتفليقة ثانيا، بدا الشخصية الأكثر أهلية لطي هذا القوس الذي فتحه رئيس التجمع من أجل الوئام الوطني، ومن هنا فضل أن يتحدث عن الرئيس بوتفليقة الذي قال إنه سيكون مرشح الحزب للرئاسة سنة 2014، ونفى بشكل صريح وجود مشروع لتوريث الحكم، وقد برر إقحامه لمسألة الانتخابات الرئاسية بالقول إن الهدف من ذلك كان " إخراج البلاد من حالة التردد، إن الأمر يتعلق بمصلحة البلاد التي هي بحاجة إلى استمرار واستقرار"، فالأفلان بصفته حزب الأغلبية يفضل أن يؤكد على خيار الاستمرارية الذي يمثله التمسك ببوتفليقة على أن يبدأ الخوض في قضية خلافة الرئيس. ليس صدفة أن يفتح هذا الموضوع بالتزامن مع نشر وثائق وزارة الخارجية الأمريكية حول الجزائر والتي سربها موقع ويكيليكس، وقد نقلت إحدى الوثائق حديث السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر بيار باجوليه إلى زميله سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية حول الوضع السياسي في الجزائر ووضع الرئيس تحديدا والاحتمالات المطروحة بخصوص خلافته، وقد كانت آراء السفير الفرنسي تحليلا شخصيا يعكس ما يسمعه من محدثيه الجزائريين من سياسيين معارضين وإعلاميين تحدثوا بشكل مباشر عن أشقاء الرئيس وعن الفساد دون تقديم أي معلومات بهذا الشأن، وقد أظهرت هذه الوثائق أن الأجانب ينظرون إلى مسألة الاستقرار السياسي في الجزائر بشيء من الحذر والترقب ويصفون الوضع بأنه هش. من هنا جاءت تبريرات بلخادم لحديثه عن ترشيح الرئيس بوتفليقة على أنها تهدف إلى توجيه رسالة واضحة إلى الأجانب مفادها أن الوضع مستقر وأن الحديث عن الرئاسة في المرحلة اللاحقة يعتبر سابقا لأوانه، ورغم أن الرئيس أو شقيقه لم يعلقا على هذا الجدل إلا أن الظاهر هو أن موقفهما يبدو قريبا من الموقف المعلن من طرف بلخادم، وأكثر من هذا فإن فتح موضوع التوريث في الجزائر يمثل جبهة جديدة ضد الرئيس، وهو أمر تكرر خلال السنوات العشر الماضية، فقد دأبت بعض الأوساط السياسية على إطلاق الحملات السياسية المبكرة تحسبا للاستحقاقات القادمة. وحتى الحديث عن الرئيس بوتفليقة كمرشح للأفلان يترك الانطباع بأن كل فريق يحاول أن يستفيد من قوة الرئيس على الساحة السياسية من أجل ترجيح كفته في مواجهة الخصوم، هذا هو حال بلخادم الذي أعلن لجوءه صراحة إلى بوتفليقة، لكن هذا هو أيضا حال خصوم بلخادم الذين يريدون إعطاء الانطباع لقواعد الحزب بأن تحركهم للإطاحة بالأمين العام جاء بمباركة من الرئيس وأقرب مساعديه وهو أمر لم يتأكد إلى حد الآن. الحديث عن توريث الحكم يعتبر تحريفا للنقاش السياسي في الجزائر الذي كان من المفروض أن ينصب عن المكاسب التي تحققت وما يجب فعله من أجل رفع تحديات المرحلة المقبلة، وقد تم فرض هذا الحديث من قبل بعض وسائل الإعلام بعد أن ظهر زيف الادعاءات حول نوايا الرئيس، فمنذ السنوات الأولى لانتخابه في منصب الرئيس تم ترويج معلومات عن نية بوتفليقة تأسيس حزب خاص به كما فعل سلفه، غير أن ذلك المشروع لم ير النور بل إن بوتفليقة بدا معارضا لفكرة إنشاء مزيد من الأحزاب في الجزائر وفضل التعامل مع تحالف يضم ثلاثة أحزاب تتقاسم الأغلبية الساحقة في المجالس المنتخبة، ولعل العودة إلى الحديث عن التوريث يهدف في النهاية إلى شن هجوم جديد على بوتفليقة ليس كشخص بل كخيارات سياسية، وهي الخيارات السياسية التي رسمت مسار الجزائر خلال العقد الأخير وهي الخيارات التي ستحدد مستقبل البلد لعقود أخرى في المستقبل، فالمعركة حول المصالحة لم تنته.