بسطت العديد من المفاهيم سلطتها مؤخرا على بعض الجزائريين، وأصبحوا يتحججون بها في كل الأمور، صغيرها وكبيرها، يبررون بها فشلهم وسوء حظهم وما يصادفهم في الحياة من مشاكل ومصاعب، ويبقى الكثير منها من الأمور العادية التي تتطلبها ظروف الحياة التي تكون، أحيانا حلوة وأحيانا أخرى مرة، يوم نجاح وآخر فشل، يوم تعثر وآخر سير للإمام، لتكون، «السحور» و«العين» الشماعة، التي يحملونها كل الخطايا، فكل حياتهم ،فقط تذمر وشكوى وأسى، على سوء الحظ والنحس، الذي يطاردهم، أينما حلوا وارتحلوا، كلمات لا تنفك عن ألسنة الكثير من الجزائريين الذين غاب عنهم الوازع الديني، وأصبحوا يبررون الكثير مما يحصل معهم بالغيبيات. عالم لم يعد يستهوي بعض النساء فقط، بل العديد من الجزائريين وكم هم كثر ومن مختلف الشرائح، كبار وصغار، ذكورا وإناث، ركبوا الموجة بعد أن وجدوا في هذا العالم ما يشبع رغباتهم ويبرر فشلهم، فكل ما يحدث لهم، سببه إما العين الحسود أو السحر اللعين الذي فرق الأحباب وهدم الأسر وسود الأوضاع وجعل الحياة مرة، لذا كان من البديهي جدا والمعقول، أن يخاف الكثيرون من «التابعة» والتعرض للحسد، فيحتاطون بكل الوسائل، حتى وإن كانت وسائل غير شرعية، كحمل صورة العين في حليهم أو تعليقها على مدخل البناية أو المحل أو حتى السيارة، خوفا من الوقوع فيها، بعد القصص التي يكون قد سمعها والتي شجعته على الإيمان بهذه الخرافات الغيب والولوج إلى عالم مجهول من بابه الواسع، أفكار باتت تغذي فكر الجزائريين وذهنيتهم، حد الاعتقاد الجازم، حتى أنها أصبحت، هاجسا عند البعض وصل إلى حد التخمة والوسواس، ظاهرة استشرت بطريقة تدفعك فعلا للتوقف، لحظة تأمل، لهذا الواقع الجديد، الذي أصبح فيه كل شيء مباح وما يدعوا فعلا للحيرة والتعجب، أنه حتى المثقفين لهم حظ وافر من هذه التفسيرات الغيبية، التي فرضت سلطتها على الجميع، قادنا الفضول للتقرب من بعض المواطنين، لمحاولة فهم الموضوع وأسباب إيمانهم الكبير بهذه المفاهيم المستوحاة من ثقافة غير مؤسسة. «سمية» جامعية وموظفة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، تؤمن بهذه المفاهيم إلى حد غير معقول رغم إيمانها بالقضاء والقدر، ترجع كل أسباب فشلها في الحياة إلى العين وما تسميه التابعة، خاصة من الجيران وبنات عمومتها وصديقاتها، خاصة بعد فشل زواجها، مع خطيبها وتوقف مسيرتهما نحو عقد القران بأشهر قليلة قبل حفل الزفاف، ما عرضها لانهيار عصبي وصدمة نفسية لم تستيقظ منها حتى اليوم، ما عزز قناعتها بالعين التي تلازمها وتعكر صفو كل مشاريعها وأهدافها ما قلب حياتها رأسا على عقب. العين والحسد في كل مكان ول«محمد» رأي آخر فكما يقول تعرض للحسد من بعض أبناء الحي، هذا ما أخسره الكثير في تجارته حتى أن الصفقات أصبحت تهرب منه، وأضاف لنا أن سيارته الأولى قد تعرضت للعطب نتيجة حادث فور إدخالها لموقف حيه ورآه أبناء الحي يقودها وظنوا أنها ملك له، هذا ما دفعه إلى أخذ الحيطة بعد شرائه لسيارته الجديدة، حيث لم يعد يدخلها ل«باركينغ»الحي بل ل«باركينغ» الحي المجاور. أما «حسان» الطالب بالقسم النهائي فلم ينجح في شهادة الباكالوريا من المرة الأولى وهذا رغم نقاطه الجيدة في مشواره الدراسي والتي كانت كلها جيدة وجيدة جدا، فقد قال لنا بأن العين في كل مكان وعين الحسد هي من أصابته والزملاء الغيورين الذين كانوا يقولون له دوما أنك سوف تنجح في الباكالوريا إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك، وهذا ما جعله يتوجس من كل من يسأله عن دراسته كما سعت أمه والتي شاطرته الرأي على تغيير ثانويته إلا ثانوية أخرى مجاورة. تصرفات غريبة..لا يقبلها العقل ولا يجيزها الشرع إن هذه الذهنية لدى الجزائريين ومبالغتهم في الخوف من الحسد والعين والسحر بحسبهم جعل حياتهم كلها خوف ورعب وحيطة وحذر مبالغ فيه، حتى أن وسوسة البعض دفعتهم إلى الأخذ بمظاهر أصبحت جد مألوفة كوضع آية الكرسي أو آيات قرآنية داخل السيارة أو على زجاجها الأمامي والخلفي، بالإضافة إلى تعليق البعض لتمائم ومعلقات و«حجاب» وما يسمى «العياشات» التي يدعون أنها تبعد الشر بكل أشكاله وتحفظهم من الناس وأعينهم، ناهيك عن بعض المظاهر والوسائل الغريبة والتي قد تدفع للضحك كوضع عجلات السيارات والشاحنات فوق أسطح الفيلات ووفي واجهة القصور التي يبنيها البعض، أو غصنا من الأشواك الحادة التي لا يتوانى أصحاب السيارات جديدة في وضعها بالخلف درء للحسد وأعين الغيورين، أو لجوء البعض إلى أخذ فرصة من الملح والتدوير على رأس من يخاف عليه العين أو السحر والحسد. تصرفات يغذيها الجهل وغياب التوعية الشيخ الإمام «عبد القادر حموية» أكد لنا من جهته أن هذا النوع من التفكير والذهنيات يصنعه الجهل والفقر الفكري، مضيفا أن أنه ليس هناك أمر ما إلا وقد قدره الله لنا، أما هؤلاء الناس فمشكلتهم أنهم ليسوا بقادرين أن يغيروا واقعهم فتراهم يبررون عجزهم بتفكيرهم في هذه المسببات من العين والحسد كما يقولون، والتي لن تتجاوز القدر مطلقا وهذه هي عقيدتنا كمسلمين، ومن المفروض على المسلم أن يكون واعيا أن ما فاته من أمور لا يحزن عليه، ولكن يجب عليه أن يأخذه كتجربة يتعلم منها في مسار حياته، لكن أن يبرر إخفاقاته بذلك فهو عين الجهل. فشل في الحياة..وفشل في التبرير ومن هنا يمكننا القول أن تبرير الفشل السابق هو في الحقيقة تبرير للعجز الحاضر من جهة، ودافع من أجل عدم القيام بأي شيء في المستقبل من جهة ثانية، وكما نلاحظ أيضا أن معايير قياس النجاح والفشل قد غابت لدى البعض، فغلب عليهم أن النجاح والفشل هو في جانب الحياة المادية ومظاهرها، والصواب أن حقيقة الفشل هو الفشل في الحياة الروحية وهذا الجانب أناس كثيرون بعيدون عنه بشكل كبير. وعلى المسلم أيضا أن يعلم أن الله عز وجل قد وضع سننا فمن يأخذ بالأسباب يوفه الله لمراده، والله يحب العمل من عباده المؤمنين. وبعدها فما على المؤمن إلا أخذ التحصينات الحقيقية إذا خاف على نفسه من هذه الأمور ولا يكون هذا إلا بما شرعه الله عز وجل. فالله عز وجل أمرنا بالتحصينات الكافية التي لن تتأتى إلا بالعقيدة الصحيحة والسليمة، ومن وجد في هذه الشماعات متنفسه الوحيد فقلبه لا يزال مضطربا، كما أكد الشيخ «عبد القادر حموية» أن هناك قنوات دينية لا تؤدي رسالة سليمة وأنا أحذر منها بشكل مباشر لأنها تنمي خوف من العين والسحر والمس..في قلوب الناس، كما أن هناك مشعوذين ودجالين وحتى رقاة مزيفين لا علاقة لهم بالرقية الشرعية وما همهم إلا نيل المال والاستثمار في النفوس.