تختلف السلوكات الصادرة من طرف الصائمين خلال شهر رمضان الكريم ،ففي هذه المناسبة التي تتطلب مراقبة جميع تصرفاتنا و الخضوع لتعاليم دينينا الحنيف الذي يحثنا في آياته و أحاديثه على ضرورة التمسك بالصبر و مختلف العادات الحميدة التي تمنح تأشيرة الصلاحية و تقبل الله لصيامنا ،تعود بعض الممارسات إلى الواجهة لتطل على حياة الجزائريين في هذا الشهر الكريم و تصبح جزءا من يومياتهم الذين يقعون في صراع مع الزمن و النفس من أجل الوصول إلى وقت الإفطار بكل سلام . يعتبر شهر رمضان الكريم مناسبة حقيقية للتذرع لله تعالى و كسب حسنات إضافية تضاف إلى رصيدنا من خلال تقيدنا بالسلوكات اللازمة التي تعطي لصيامنا العلامة الكاملة ،فعلى مدار الشهر يحاول الصائمون السيطرة على أعصابهم سعيا منهم لكسب ذلك الأجر الحسن فتجدهم يحرصون على تتبع أدق التفاصيل و لا يدعون العوامل الخارجية تؤثر على سير يومياتهم ،غير أن حلول شهر رمضان عند الجزائريين له مظاهره الخاصة التي تصطبغ بسلوكات جديدة أو نفسها تعاود للظهور كل سنة حيث تتنوع الطرق التي ينتهجونها سواء من أجل التغلب على طول الوقت أو من حيث التعامل مع بعضهم البعض كما أن العديد منهم يتملكهم هاجس الشهية حيث يشترون كل ما يصادفهم في الأسواق من مختلف أصناف الطعام و الأمر هين لو أنهم يتناولون تلك الكمية لكن المؤسف أن كل ما يحضر يدخل في خانة التبذير و يتحول مصيره في نهاية المطاف إلى أكياس القمامات ،ففي الوقت الذي شرع الله لنا الصيام ليمتحن صبرنا على الشدائد وتحملنا للمصائب من طلوع الشمس إلى غروبها ،يتنافس الجزائريون في القيام بكل التصرفات التي ليس علاقة بهذا الشهر الكريم حيث يتفننون في إظهار كل السلوكات السلبية كالشجارات و التشابك بالكلام و غيرها من الأفعال التي صارت مرادفة للمواطن الجزائري خلال شهر رمضان . متسوقون تتحكم فيهم شهواتهم يقع العديد من الجزائريون وهم صيام في مصيدة الإسراف في التسوق حيث تتغلب عليهم تلك الروائح الشهية المنبعثة من المخابز و المحلات و يغريهم منظر تلك الخضر المتربعة على طاولات الباعة ،و لأن الرجال هم الأكثر توجها إلى الأسواق لأنهم يعتبرون أسياد القرار في البيت الجزائري و يتحكمون في الميزانية فإنهم يندفعون وراء كل يجدونه في طريقهم فحتى و إن كان ذلك الشيء لا يخص هذه المناسبة إلا أنهم يقتنونه ويضعونه داخل تلك القفة العجيبة التي يدفعون من أجل امتلاءها مصاريف كبيرة مقابل وجبة تستهلك في بضع لحظات و أحيانا لا يتم تناولها إطلاقا ،فمن المشاهد المألوفة في الشهر هو ذلك الإقبال الكبير و المبكر من طرف المواطنين على الأسواق من أجل اقتناء ما يلزمهم لذلك اليوم فتلاحظ ذلك التزاحم للوصول إلى بائع البطاطا مثلا و تلك النرفزة من طرفهم حين يتأخر الباعة في تقديم لهم سلعهم ،هذا بالإضافة لتلك الطوابير الطويلة التي يشكلها هؤلاء أمام المخابز حيث ككل سنة يتخبط الجزائريون في أزمة وهمية حول هذه المادة الأساسية التي يعتبرونها ضرورية على موائدهم و لا تكتمل يومياتهم دون اقتناء علب قلب اللوز فهو الآخر بات يتصدر قائمة الحلويات الرئيسية في هذا الشهر الفضيل و لا يمكن لأحد و هو ذاهب إلى البيت إلا و يمر ا على مخبزته المفضلة و بشتري العدد الذي اعتاد عليه و يضعها إلى جانب الأخرى الموجودة في الثلاجة و هنا يطرح التساؤل و هو لماذا يشتكي المواطن الجزائري من زيادة حجم المصاريف في شهر رمضان بالرغم من كونه المسؤول بطريقة مباشرة عما يخرجه من جيبه و بالتالي فهو من يضر نفسه بسبب عدم قناعته و لهفته . وآخرون يجدون في النوم وسيلة لتفادي الشجارات يلجأ العديد من الشباب إلى النوم خلال شهر رمضان الكريم هروبا من الوقوع في المشاكل و الشجارات التي يمكن أن تفسد صيامهم و تعكر صفوهم ،و يحدث هذا الأمر بكثرة في وسط هؤلاء الذين لا يمارسون أية وظيفة تعود عليهم بالمنفعة أو من فئة البطالين الذين لم يوفقوا في إيجاد فرصة عمل ،كما لا يقتصر النوم عليهم فقط بل يشمل أيضا المدخنين الذين يجدون صعوبة كبيرة في التكيف مع هذا الشهر و لا يتمكنون من مقاومة غضبهم حيث يستفزون بعضهم البعض و يقعون في فخ العراكات بكل أنواعها و لذلك فإنهم يفضلون البقاء في البيت و النوم لساعات طويلة من النهار بدل الإحتكاك مع الجيران و ''أولاد الحومة '' متناسين بذلك الدور الحقيقي للصيام الذي جعله الله تعالى مناسبة للعبادة و العمل و في هذا الشأن يؤكد لنا '' سمير '' و هو شاب مدمن على التدخين بأنه كثيرا ما يتشابك مع شباب الحي خلال رمضان و تنشأ مناوشات بالكلام بينهم لأتفه الأسباب لدرجة أنها تتحول في كثير من الأحيان إلى شجارات بالأيدي و هو ما يقع دون تعمد منه و لهذا فإنه لا يجد من حل سوى الإنعزال في غرفته و البقاء نائما تجنبا لتلك المشاكل ، ونفس الأمر يحدث ل ''حمزة'' فهو الآخر لا يحب البقاء في الشارع و هو صائم لأنه سريع الغضب و الثوران و بما أنه يسهر كثيرا إلى غاية وقت السحور فإنه يبقى نائما طول النهار فبالنسبة له فإن هذه الطريقة تعد سلاحا له حتى لا تفسد عادة التشاجر صيامه ، وكذلك ''جمال '' فهو من ضمن هذه الجماعة التي تحصن نفسها عن طريق اللجوء إلى النوم حتى يمكنها الحفاظ على يومياتها و تمر بسلام إلى غاية وقت الإفطار فهو يدرك أنه إذا خرج إلى الشارع فلن يتمالك أعصابه ويثور لمجرد سماعه أية كلمة لا تعجبه .