لم تختلف حالة التأهب الأمني بالعاصمة في مضمونها لصدّ أي محاولة للتظاهر غير المرخّص له عن ما كانت عليه الأسبوع الماضي، ولو أن المسؤولين على جهاز الأمن حرصوا هذه المرة على أن يكون الاستنفار بعيدا عن أعين المواطنين تفاديا لأية مخاوف من حدوث انزلاقات مثلما تسعى إلى ذلك الجهات المنظمة لمسيرة اليوم لتحقيق أهدافها المشبوهة. تعاملت مصالح الأمن على اختلاف أسلاكها مع المسيرة التي دعت إليها اليوم ما يسمى ب«التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية»، برزانة أكبر وبطريقة اتضح أنها أكثر احترافية عما كانت عليه السبت الماضي، وقد وقف سكان العاصمة وخاصة على مستوى الأحياء الشعبية العريقة مثل باب الوادي وبلكور وكذا أول ماي على حالة من الهدوء النسبي عكس ما كان عليه الأمر الجمعة الفارط. وعلى الرغم من أن السلطات لا تريد التساهل أمام منظمي مسيرة اليوم تفاديا لأي انزلاق محتمل مثلما يريده «سعيد سعدي» وأنصاره، وزيادة على إدراكها بأن حجم الاستجابة الجماهيرية لا يمكن أن يشكل أي تهديد، فإنها بالمقابل قامت باستنفار كافة الجهات التي توكل لها عمليا مهمة حفظ الأمن العمومي، فالحاصل أن هناك تعاملا حذرا مع مجريات هذه المسيرة غير المرخّص لها. وإذا كانت مصالح الأمن استبقت مسيرة السبت المنصرم بتعزيزات غير مسبوقة من حيث العدة والعدد، فإنها حافظت هذه المرة على الهدوء وتركت الانطباع بأن الأمور تحت السيطرة خصوصا بعد أن أدركت بأن هناك تجاوبا جماهيريا محدودا مع المسيرة بسبب فقدان منظميها للمصداقية في نظر المواطنين إلى جانب رفض سكان العاصمة الانسياق وراء مشاريعهم المشبوهة ومعارضتهم لأي استغلال سياسوي للأحياء الشعبية وشبابها من أجل المساس باستقرار البلاد. ولم تمنع كل هذه المعطيات من التعامل مع الوضع بأكثر حذر، فإذا كانت الشاحنات المدرّعة وقوات مكافحة الشغب غائبة عن الأنظار عبر كافة شوارع العاصمة، فإن التعزيزات الأمنية موجودة بدليل قدوم العشرات من الحافلات الصغيرة إلى وسط العاصمة منذ الخميس وعلى متنها عدد معتبر من قوات الأمن استعدادا لتطويق أي محاولة للتظاهر، وعليه فإن مكمن الاختلاف أن كل هذا الدعم لم يظهر ميدانيا مثلما حصل قبل أسبوع عبر العديد من النقاط الحسّاسة في العاصمة. وقد نجحت الإستراتيجية التي تبنتها مصالح الأمن في تعاملها مع مسيرة اليوم في ترك انطباع إيجابي لدى المواطنين، ويبدو من خلال هذا الحراك الهادئ أنها أدركت بأن حالة التأهب القصوى التي عرفتها العاصمة عشية مسيرة 12 فيفري كانت بمثابة ورقة استغلتها قنوات وجهات إعلامية أجنبية للإساءة إلى الجزائر أكثر من حديثها عن المسيرة ذاتها، وحتى أن منظمي الأخيرة ركزوا في تصريحاتهم على تجنيد حوالي 20 ألف شرطي أكثر من حديثهم عن مطالب سياسية بعينها. وعلى العموم فإن العاصمة حافظت أمس على هدوئها المعتاد عشية المسيرة الجديدة للتنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية، وإذا كان التأهب الأمني غير ظاهر بالنسبة للمواطنين فإنه في الواقع لا يختلف في مضمونه عن حالة الاستنفار التي كانت عليها العاصمة الجمعة الماضي كونها عرفت انتشارا واسعا لقوات مكافحة الشغب، فقد درست الجهات الأمنية الوضع بدقة وباتت تحرّكاتها لا تلاحظ بوضوح حتى لا ينتاب الخوف والقلق المواطنين، إضافة إلى أن حالة الطوارئ تزيد من خصوصية العاصمة التي تبقى دوما في حالة تأمين قصوى. وأمام هذه الظروف أفادت مصادر تتابع الوضع بأن تعامل مصالح الأمن مع مسيرة التنسيقية التي يرأسها الحقوقي والمحامي «مصطفى بوشاشي» سيكون بصرامة أكبر على اعتبار أنها ممنوعة في العاصمة، ولذلك فإن التعزيزات الأمنية ستظهر بوضوح بداية من الساعات الأولى للصباح في عدد من النقاط التي من الممكن أن يستغلها المنظمون للانطلاق منها تغييرا لإستراتيجية التظاهر، وهو الاحتمال الوارد الذي وضعته سلطات ولاية الجزائر في الحسبان.