قدِّم يا قلبُ شكرك لمن بنفسك عرَّفك.. وافرحي يا ذاتُ لأن هناك من استطاع اكتشافك بعد غروبك عن حقيقتك.. وتراقصي يا عينُ دمعاً، سعيداً كان أم حزيناً، لايهمّ، فأنت الآن تشاهدين وتتعرّفين إلى الغموض الذي التفّ على نظراتك أعواماً طويلة.. وتنهّد يا صدرُ. بل وزغردي يا حنجرة، واهزجي يا أذنُ، ويا ذاتُ وأنت تسمعين من وضَعَك موضع التجربة يهتف أخيراً بمكنوناتك التي كنت غافلة عنها. قدّم شكرك لمن بنفسك عرَّفك.. لأقول لك: صباح الخير.. أيها الكادح في دروب الزمن الحضاريّ ..و المستيقظ على أخطاء العلماء، وأخطاء النظريات المختلفة، وأخطاء الدروب التي تمشي على منعطفاتها. صباحك وردٌ وقطعة شوكٍ.. أيها المولود بالخطأ، والمسمى بالخطأ، والناجح بالخطأ، والسليم بالخطأ والعليل بالخطأ. صباحك عتمة ليلٍ.. وأنت تمضي دون اسم يجمعك، دون هوية تُعرِّفك، دون عنوان يسكنك. صدّق مايبوح به المداد، وإن كان هناك “أربعة أصابع بين الحق والباطل” تتراوح بين ماسمعت ورأيت. فاسمع وشاهد نفسك خارج نفسك، وأنت الذي لاتستطيع أن تكون أنت، ولا تستطيع أن تتحدث عنك، لأنك بكل بساطة لست أنت. صباحك حكاية تشبه هذه، وأنت تتعثّر بنفسك بين الفينة والأخرى، بين العنوان والآخر، وبين الاسم والآخر. ** صباح الخير.. أيها المستيقظ على الفرح، وأنت تعيد ترتيب تلك الكلمات التي تضربك، وتجلدك. تعيد ترتيبها بأفكارك المزهرة ، إذ تنعش لك النفس. لأنك كنت هذه المرة أنت.. ولم تكن غيرك. كنت في هذا المكان أنت فعلا، باختلاجاتك، بغضبك، بصبرك، لم تكن غيرك المختبئ داخلك، وأمامك ووراءك. فكن سعيداً بنفسك، بصمتك، بترفّعك، وبقدرتك على كتابة خاتمة الحكاية بيديك وابتسامتك، لأنّ الموسم حان لقطاف الأثمار، ومن يهزّ ياسمين الحياة عليه أن يلمّ الأشتات. وكنْ سعيداً بذاتك التي لم تكن في يومٍ زاويتك المنسية، ولأنها لم تصبح كذلك، في زمنٍ نسيت فيه اسمك، واسم والدتك، واسم والدك، ورقمك الشخصي، وعنوان طفولتك وشبابك. ** صباحك ساخرٌ.. وأنت تستقبل بهدوئك اعترافاً خرج من وجه سكن القلب أعواماً من الفرح: بأنك غير أهلٍ لتكون رفيق دربٍ، غير أهلٍ للثقة، غيرُ أهلٍ للحياة. لا تتلوى.. فمن اعترف لك بأن أمنيته الكامنة منذ زمن أن يصارحك بريائك وخداعك، لم يسجّل إلا نجاحاً لك.. وغروباً عن ذاته في طريقٍ قرّرها بك، وألحّ عليها بوجودك..!!. صباحك ابتسامة عليلة، وأنت تتذكر كلمات لم تكن يوماً في قاموس أفعالك، ولا في كتب أقوالك، تتعرّف عليها وهي تُحاك عنك، وتُقتَرف بحقك. صباحك مضحكٌ لأن فراقك نصرٌ للآخر.. بينما أنت تبحث عن قيمة الليالي التي مضت، والأيادي التي تشابكت، والمواقف التي تدافعت. دون أن تدرك كنهها. هيا إذن .. قدّم شكرك لمن قدّمك بعد هذا على أنك تعاني فصاماً في الشخصية، وتعنّتاً لا مثيل له، ومزاجية متعبة. قدّم شكرك .. لمن عرّفك إلى نفسك بعد ثلاثين عاماً قضيتها لا تعرف حقيقتك. قدّم شكرك لمن حمل ثقلك، وهمومك، وعانى كثيراً كي يمضي معك خطوات أخرى، دون أن يعلن لك تذمره منك ومن سوء حقيقتك. فهل تتوقف.. وتراجع ذاتك عساك لا تسمع بعد كل ما كنت تظنه طول وفاء، أنك تجيد عملية الطعن في الظهر، وحفر الدروب. توقف.. أين تذهب بنفسك.. هل ترغب فعلاً في أن تتعلّم أسلوب التعامل، وفنون "الإيتيكيت"؟!. توقف.. لأنك لن تستطيع.. ألم تسمع من يُعرِّفك ينهرك؟؟! ألم تسمع من يُعرِّفَك ينعتك بالمزاجيّة، والطفوليّة، والغباء..! فكيف بك أن تصلح نفسك أيها اللصّ الحضاري الذي تعلّم كيف يسرق أوقات الآخرين بالرياء والخديعة. ثمّ من تكون أنت لتغضب.. من أنت..؟ عليك ألا تُفكر بالإجابة إن فاجأك السؤال : من أنت؟ بعد أعوام من المودة، وأعوام من الدرب المشترك، واللقمة الواحدة !!. لاتُفكّر بالإجابة كثيراً . قلْ كلمة واحدة، واكتفي بها. قل: أنا مجرّد أنا..واصمت. ولاتحاول أن ترد السؤال بمثله، لأنك عندها عليك أن تضع نفسك تحت طائلة استقبال الملافظ المختلفة، بأن الآخر يحقّ له أن يفعل، ويتحدث، ويصرخ، فيما يحقّ لك أنت أن تسمع، وتسمع فقط دون أي شعور ولو بالحزن. ** صباحك سعيد.. لأنك لم تخرج من نفسك، لم تتبع المثل القائل “أحرجوه فأخرجوه”. يكفيك أن تشكر الأيام، ومحاولاتها اليائسة لأن تجعل منك شخصاً فعالا، أو إنساناً يتمتع ولو بقدر بسيط من مقومات الإنسان. صباحك فرح .. لأنك لن تنظر إلى الوراء، ولن تبكي على الأيام، ولا على الوجوه المغادرة. صباحك صادق.. وأنت تقدّم شكرك لمن بنفسك عرَّفك. لأنه دفعك إلى الابتعاد سعيداً بذاتك، وخالي الوفاض من أحاسيس قد تعود بك إلى الأمس القريب، فتحرّرت مسبقاً من الحنين.. وتحرّرت من قلبك الذي قيّدك ، وتحرّرت من المسمّى الذي جاهدتَ لتقنع نفسك به، قبل أن تكتشف بأنك لست أهلا لهذا المسمى، عند آخر مفترق طريق نظرت إليه بكبريائك، بحقيقتك، ولي