لم تكتمل الاقتراحات التي سلمتها قيادة حزب جبهة التحرير الوطني إلى هيئة المشاورات بخصوص الإصلاحات السياسية، وخاصة ما تعلّق منها ببعض الجوانب الحسّاسة من تعديل الدستور، حيث أكد «عبد العزيز بلخادم» أنه أبلغ «بن صالح» ومساعديه بأنه سيقدم ملف تكميليا في مرحلة لاحقة، وباستثناء ذلك فإن «الأفلان» يُدافع عن نظام شبه رئاسي بثنائية السلطة التنفيذية يكون فيها الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية. رغم أن «الأفلان» كان من بين الأحزاب السبّاقة إلى فتح ورشات حول الإصلاحات السياسية وعلى رأسها تعديل الدستور من خلال تشكيل فوج عمل يضم خبراء وقانونيين منذ سنوات، إلا أن الوفد الذي حضر أمس الأول إلى مبنى رئاسة الجمهورية جاء بمقترحات غير مكتملة، والغريب في الأمر أن الحزب العتيد لم يفصل في جوانب غاية في الأهمية تتعلق بالتعديل الدستوري المقبل بما في ذلك قضية العُهدات الرئاسية التي يبقى الاختلاف قائما بشأنها حتى وإن كان أمينه العام يرفض التسليم بهذا التقدير. ومن هذا المنطلق صرّح «عبد العزيز بلخادم» للصحفيين بعد لقائه بأعضاء هيئة المشاورات، أن حزبه سبق أن أعلن تأجيل تقديم بعض المقترحات الخاصة بالدستور إلى حين استكمال عملية استشارة القواعد النضالية ممثلة في القسمات والمحافظات حول مسائل تركتها الدورة الرابعة من اللجنة المركزية مفتوحة، وخصّ بالذكر قضية فتح العُهدات أو تحديدها التي توقع أن يتم الحسم فيها خلال دورة طارئة لللجنة في أعقاب انتهاء الاستشارة القاعدية. وموازاة مع ذلك لم يرد في اقتراحات «الأفلان» الشيء الجديد لأن قيادته أعلنت تمسكها بضرورة تبنى نظام «ثنائية السلطة التنفيذية» الممثلة في رئيس الجمهورية والوزير الأول على أن يكون الأخير مُعيّنا من حزب الأغلبية البرلمانية، وبرّرت ذلك بأنها «تعزيز للتوازن والفعل بين السلطات»، ورافعت في المقابل لصالح تحديد الصلاحيات بوضوح على أن يُعطى رئيس الجمهورية صلاحية التحكيم بين الحكومة والبرلمان زيادة على الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور الحالي، إلى جانب سلطة إقالة الحكومة وحلّ البرلمان. واستنادا إلى الوثيقة التي كشفت عنها قيادة «الأفلان» فإن رئيس الجمهورية يُجسد استمرارية الدولة، وعليه أكدت أنه «يبقى يتولى حصريا صلاحيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني، وحماية الدستور والثوابت الوطنية». أما على صعيد السلطة التشريعية فقد دعا الحزب إلى تعزيز دورها الرقابي على عمل الحكومة «حتى نُعطي لهذا الدور مكانته في عملية الإصلاحات الدستورية» إضافة إلى «استقلالية القضاء وحق الدفاع ومبادئ المحاكمة العادلة». واقترحت جبهة التحرير الوطني استحداث ما أسمته «نظام المفوض الجمهوري» الذي توكل له مهمة فرض احترام حقوق الإنسان وحرياته من طرف كل الإدارات ومؤسسات الدولة والجماعات المحلية، مثلما سلّمت أفكارا تقضي بوجوب إقرار آليات لضمان شفافية الانتخابات وتجنّب حالات العزوف في المواعيد الانتخابية بإنشاء «هيئة عليا للإشراف على الانتخابات» تتمتع بالحياد والاستقلالية المالية والإدارية، يكون دورها مختلفا على لجنة مراقبة الانتخابات. وتتلخص نظرة «الأفلان» بشأن قانون الأحزاب في مسألة تفعيل وتوسيع القواعد الضامنة لحرية التعبير السياسي عبر الأحزاب في إطار التنافس السلمي على السلطة مع تكليف القضاء بالفصل في كل المنازعات الحزبية، بالإضافة إلى «الاستقلالية المالية وعدم التبعية والارتهاب لللوبيات ومجموعات الضغط» مع الحرص على تدعيم دور الجمعيات في إطار ممارسة الديمقراطية التشاركية، كما يؤيّد الحزب العتيد ضرورة تطبيق المبدأ الدستوري في قانون عضوي يضمن التمثيل النسوي في حدود 20 إلى 30 بالمائة في المجالس المنتخبة المحلية والوطنية. وكانت أفكار جبهة التحرير الوطني أكثر عملية في الشق المتصل بقطاع الإعلام كونها شدّدت على إعادة قراءة قانون الإعلام الحالي بتكييفه مع المرحلة، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية وإزالة كل عائق أمام حرية التعبير، ثم وضع آليات ضبط وإعداد دفتر أعباء لانفتاح السمعي البصري وبعث المجلس الأعلى للإعلام، وصياغة قانون أساسي للصحفايين لصيانة حقوقهم ومكانتهم الاجتماعية، وكذا حق المهنيين في الحصول على نسبة أرباح الوسائل الإعلامية من مداخيل الإشهار والإعلانات. ودافع الحزب عن حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومة باقتراح إنشاء ناطق رسمي لدى كل هيئة أو مؤسسة إعلامية رسمية لتزويد رجال الإعلام بالمعلومات التي يطلبونها، وحق الصحفي في الحصول على بطاقة وطنية يُحدّد كيفية توزيعها المجلس الأعلى للإعلام، إلى جانب المطالبة بإنشاء مجلس لأخلاقيات المهنة الصحفية.