اعتاد زوار مدينة «أوقاس» الساحرة ألا يغادروها قبل أن يعرجوا على النفق الكبير الذي يفتح أبوابه نحو الدهاليز المتشابكة بين أروقة عمق الدنيا والتي تسمى ب«المغارة العجيبة» ب«أوقاس»، وهي ليست الرمال الذهبية في الشواطئ الجميلة هي أعظم ما تهديه مدينة «أوقاس» لضيوفها وزواها، بل إنها قد تمتلك أفضل من ذلك، حيث تُتِيح لجموع المصطافين الذين اختاروها لقضاء عطلتهم الصيفية فرصة أن يقوموا برحلة إلى أعماق الأرض ليكتشفوا ما تخفيه من أسرار وعجائب، وبقدر ما تثير الدهشة في النفوس بقدر ما تبعث التأمل والتدبر في قدرة الخالق وروعة الصانع في جمال صنعه، ومهما حاول كل زائر إليها وصفها بدقة لن يستطيع توفيتها حقها من الوصف، فالرحلة الغريبة بها لا تنتهي بالرواق الأخير الذي ينتهي عند مخرج هذه المغارة. تماثيل غريبة تحكي روائع الزمن الغابر
البداية من وسط النفق يوجد باب حديدي كبير يتواجد فيه مجموعة من الشبان يتولون مهمة إرشاد الزوار وقيادتهم نحو مختلف أروقة المغارة، ومع انطلاق الرحلة يضطر كل زائر المرور برواق ضيق، والذي يكاد لا يتسع لأصحاب الأبدان الكبيرة، وعلى امتداد حوالي 15 مترا وبمجرد أن يرفع الزائر رأسه للتأكد من تجاوز النفق الضيق يمتلئ بصره بساحة واسعة، يُخيل للزائر للوهلة الأولى أنه على شفى حفرة كبيرة في أسفلها وأعلاها عجائب كبيرة وغريبة، وأنّ الشمس التي لا وجود لها في ذلك المكان قد انفجرت من عمق الأرض، إذ يسطع ضوء أكبر ليكشف للزوار عمّا لا عين رأت من قبل، وقتها يبدأ المرشد في الإشارة إلى التماثيل الغريبة التي تصنفها الآلاف من الصواعد والنوازل، هناك أسد في عرينه، وقرود فوق أغصان الأشجار وذلك فأر، وهذا تمساح يلتهم عجلا، وفي زاوية أخرى ضيوف كثر يتوسطهم عريس رفقة عروسه، وتلك الملكة الحزينة، وعلى بعد أمتار منها ملكة أخرى ترفع تاجها الذهبي للتعبير عن فرحتها الكبيرة بعد تغلبها على جيش الملكة الأخرى، وذلك نفر من الجند المشاة ووراءهم فرسان على خيلهم.
نهر الأماني، موسيقى «بتهوفن» و«موزار» تصنع المتعة الحقة وبعد ذلك، ينتقل المرشد وسعيا منه إلى تهدئة نفوس الزوار وإزالة بعض الخوف عنهم إلى مرحلة أخرى يكشف لهم فيها أنهم متواجدون على عمق 120 مترا من سطح الأرض، فحسبه الكل يطالب عند هذه النقطة بمواصلة الرحلة ليصل بهم إلى نهر الأماني والتمنيات، وهو على شكل بحيرة فيها ماء صاف وتظهر في عمقها بعض القطع النقدية، وما إن يحاول أحدهم الاستفسار حتى ينطق المرشد ليؤكد لهم أنّ البحيرة تحقق الأماني بشرط رمي بعض النقود بها، وهنا تختلط الأمور على أصحاب النفوس المليئة بالشكوك، لكن سرعان ما يتخلصوا من الشك ليقرروا رمي قطع نقدية لتجنب المجهول، وهو ما وقفنا عنده لما طلب المرشد من إحدى السيدات الأوروبيات – تبدو من خلال كلامها أنها بروتيستانتية – رمي قطعة نقدية، أين سجل ترددها عن القيام بذلك لحظة من الزمن، غير أنه وبمجرد أن رفعت رأسها شاهدت تمثالا لملكة «إليزابيت» يحملق فيها قامت برمي ثلاث قطع نقدية من "الأورو"، وقالت "في كل الأحوال ليس عندي ما أخسره". بعد محطة نهر الأماني يصل مجموع الزوار إلى محطة الهضبة التعيسة التي ينصح عدم النظر إليها، باعتبارها تجلب النحس، لتتواصل الرحلة إلى غاية الوصول إلى ممر ضيق جدا أين يضطر كل واحد إلى الخضوع لمبدأ الصف الهندي قبل أن يحطوا الرحال في أستوديو صغير تنبعث منه قطع موسيقية كلاسيكية رائعة ل«بتهوفن» و«موزار» يصنعها أحد المرشدين بالضرب على إحدى الصواعد بقطعة حجرية صغيرة يملأ لحنها كل القاعة، وما هي إلا لحظات حتى يتفاجأ الجميع بالوصول إلى الباب الرئيسي المتواجد بمدخل المغارة حيث يكتشفون أنّ الرحلة انتهت قبل انتهاء متعتها. أمّا من حيث الموقع الجغرافي فإنّ هذه المغارة تتواجد بالطريق الوطني «رقم 09» بالنفق الكبير عند مدخل مدينة «أوقاس»، على بعد 30 كيلو مترا من مدينة بجاية في اتجاه الساحل الشرقي، وقد اكتشفها عمال شركة دولية إيطالية – إسبانية سنة 1962 مباشرة بعد الاستقلال، وذلك خلال أشغال شق النفق لفتح الطريق الوطني «رقم 09» الرابط بين بجاية وجيجل، ومع بداية الثمانينات بادرت مجموعة من الشباب إلى اقتحامه وتنظيفه وتهيئته بقصد تحويله إلى مكان سياحي، وفعلا نجحوا في إقناع مسؤولي البلدية بتقديم يد العون لهم، وقد تم اليوم تزويدها بالإنارة الكهربائية، كما عمد هؤلاء إلى خلق الأروقة والمسالك التي يعبرها الزوار خلال رحلة عمق الأرض.
الإقبال الكبير للزوار عليها خطر يهدد زوالها جدير بالذكر أنّ المشرفين عليها أبدوا تخوفهم الكبير من حدوث مكروه لها، وذلك بسبب المخاطر الكثيرة التي تواجهها، منها ما هو متعلق بحجم الزيارات التي تنظم يوميا والتي تضم أعدادا كبيرة من الزوار، وهو ما يساهم – حسبهم - في ارتفاع معدلات حرارتها واحتمال ذوبان النوازل والصواعد، بالإضافة إلى خطر غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تطرحه السيارات والشاحنات العابرة للطريق، وهو ما يستدعى التدخل العاجل للسلطات المحلية من أجل صيانتها وحميتها من الزوال والاندثار .