مدينة بجاية شاطئ مطل على خليج جميل تزدهر فيها الخدمات السياحية، فما ان تطأ قدماك عتبة عاصمة الحماديين تستقبلك بجاية برمالها الذهبية المبعثرة بين احضان شواطئها الجميلة. ولعل اكبر هدية يتلقاها الزائر وهو يزور مدينة اوقاس الساحرة ذلك النفق الكبير الذي يفتح أبوابه نحو الدهاليز المتشابكة بين أروقة عمق الدنيا والتي تسمى بالمغارة العجيبة بأوقاس. في هذه المدينة تتاح الفرصة لكل إنسان يقوم برحلة إلى أعماق الأرض ليكتشف ما تخفيه من أسرار وعجائب، وبقدر ما تثير الرعب والخوف في النفوس بقدر ما تبعث فيها الدهشة من قدرة الخالق وجمال صنعه. المغارة التي احتلت إحدى المراتب الثلاثين من عجائب الدنيا المرشحة مؤخرا بإسبانيا. نفق أوقاس ..عجائب وغرائب بداية جولتنا كانت من وسط النفق حيث يوجد باب حديدي كبير تتواجد فيه مجموعة من الشبان يتولون مهمة إرشاد الزوار وقيادتهم نحو مختلف أروقة المغارة، ومع بداية الرحلة يضطر كل زائر إلى المرور برواق ضيق، بعدها استقبلتنا ساحة واسعة يخيل للزائر لأول مرة أنه على شفى حفرة كبيرة على عمق 120 متر من سطح الأرض، في أسفلها وأعلاها عجائب كبيرة وغريبة، تماثيل غريبة تصنعها الآلاف من الصواعد والنوازل، هناك أسد في عرينه، وقرود فوق أغصان الأشجار، وذاك فأر، وتمساح يلتهم عجلا، وضيوف كثر في عرس كبير يتوسطهم عريس وعروس، وتلك الملكة الحزينة، وعلى بعد أمتار منها ملكة أخرى ترفع تاجها الذهبي للتعبير عن فرحة كبيرة لتغلبها على جيش الملكة الأخرى، وذاك نفر من الجند المشاة ووراءهم فرسان على خيلهم. لنصل إلى نهر الأماني والتمنيات، هو على شكل بحيرة فيها ماء صاف وتظهر في عمقها بضع قطع نقدية، فالبحيرة تحقق الأماني بشرط رمي بعض النقود، وتتواصل الرحلة إلى غاية الوصول إلى ممر ضيق جدا يضطر كل واحد إلى الخضوع لمبدأ الصف الهندي قبل أن يحطوا الرحال في استوديو صغير تنبعث منه قطع موسيقية كلاسيكية رائعة لبتهوفن وموزار يصنعها أحد المرشدين بالضرب على إحدى الصواعد بقطعة حجرية صغيرة يملأ لحنها كل المكان، وما هي إلا لحظات حتى يفاجأ الجميع بالوصول إلى الباب الرئيسي المتواجد بمدخل المغارة، حيث يكتشفون أن الرحلة انتهت قبل انتهاء متعتها. تماثيل من الصواعد والنوازل تبدا الرحلة الثانية بدخولنا بابا آخر باب مصنوع من الالمنيون، ما أن تطأ قدماك عتبة هذا الباب حتى تنسف في وجهك برودة غير عادية وحسب تفسيرات المرشد فإن المكان يتميز بالبرودة في فصل الصيف والدفء في فصل الشتاء. واصلنا زيارتنا عبر ممر ضيق، وبعد أن مشينا حوالي 15 مترا استوقفنا المرشد ليوضح لنا الموقع الجغرافي لمغارة اوقاس، قائلا: ''إن المغارة تتواجد بالطريق الوطني رقم 09 بالنفق الكيبر عند مدخل مدينة اوقاس، على بعد 30 كلم من مدينة بجاية في اتجاه الساحل الشرقي، وقد اكتشفها عمال شركة دولية ايطالية اسبانية سنة 1962 مباشرة بعد الاستقلال خلال انجاز اشغال شق النفق لفتح الطريق الوطني رقم 09 الرابط بين بجاية وجيجل''. واضاف المرشد انه مع بداية الثمانينيات شهدت المغارة حملة تنظيف وتهيئة بأمر من السلطات المعنية بغية تحويلها إلى مكان سياحي، حيث تم تزويدها بالإنارة الكهربائبة وخلق الأروقة والمسالك لتسهيل العبور بين ممراتها الصعبة دخلنا المغارة وطلب منا المرشد عدم التقاط اية صورة بحجة ان الاشعاع الضوئي في التماثيل التى صنعت من الصواعد والنوازل يغير لونها فتصبح سوداء على عكس الوانها الاجورية والبنية او البرتقالية. دخلنا فكان المنظر رائعا وأجمل مما وصفه لنا المرشد، حيث يمتلئ البصر بساحة واسعة يخيل للزائر لاول مرة انه على شفى حفرة كبيرة وغريبة وان الشمس التي لا مكان لها في ذلك المكان قد انفجرت من عمق الارض فيسطع ضوء اكبر ليكتشف للزائر ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. تيشي قبلة المصطافين بعد اوقاس كانت ''تيشي'' محطتنا الثانية المعروفة لدى اغلبية الجزائريين فما ان تاتي على ذكر بجاية لهم حتى يستحضرون مدينة تيشي التي تعتبر قبلة المصطافين في فصل الصيف الذين يقصدونها من كل مكان من داخل الوطن وخارجه ولاسيما ولايات الشرق الجزائري بحكم قرب المسافة الجغرافية بينها وبين ولاية بجاية. تيشي تتربع على فنادق ومطاعم فاخرة على شاطئ البحر وعلى طول الطريق الوطني التابع لها، نزلنا هناك باحد الفنادق لاخذ قسط من الراحة فالتقينا بالعديد من السياح الاجانب والمغتربين الجزائريين الذين تعودوا على قضاء عطلتهم الصيفية في وطنهم الام. ويبقى جمال مغارة اوقاس العجيبة اليوم في خطر بسبب المخاطر الكثيرة التي تواجهها هذه المغارة، منها ما هو متعلق بحجم ارتفاع الزيارات التي تنظم يوميا لهذا المكان والتي تساهم في ارتفاع حرارتها مما يؤدي الى احتمال ذوبان الصواعد والنوازل، بالإضافة الى خطر اخر يتمثل في غاز ثاني اكسيد الكربون الذي تطرده السيارات والشاحنات العابرة على الطريق المحاذي لها وهو ما يستدعي تدخل السلطات المحلية لصيانتها وحمايتها من الزوال والاندثار.