تصنف ولاية بجاية المشهورة باسم ''لؤلؤة الشرق'' ضمن أهم المناطق السياحية في الجزائر نظرا للأماكن الخلابة التي تزخر بها على غرار قمة قوراية، رأس كربون، قصبة مدينة بجاية، جزيرة جربة وبوليماط في الساحل الغربي، وهي المناطق السياحية التي لا تزال عذراء وتستقطب إهتمام الملايين من سواح الولاية الذين يحجون إليها في كل فصل صيف للاستمتاع بزرقة مياه البحر المتزاوجة مع خضرة الغابات، ويستحيل على زائر المنطقة عدم التوقف عند مغارة أوقاس التي تضم العديد من الألغاز بباطن الأرض. الحديث عن المناطق السياحية التي تزخر بها ''لؤلؤة الشرق'' بجاية يجعلنا نقف عند عدة مناظر لكل واحدة قصتها مع التاريخ وجمال الطبيعة، فمباشرة عند مدخل خليج بجاية تجذبك كثافة الغطاء النباتي على حافة الطريق في فوضى كاملة للنباتات البرية من اللبلاب، ''الفاينز الشائكة''، ''العليق'' وعلى المنحدرات الشديدة أشجار الرماد، الصنوبر، السنديان، الفلين والكاليتوس، وهو الغطاء النباتي الذي يعطي نظارة للحياة بالمنطقة، ومباشرة بعد صعودك لأعلى قمة بعاصمة المدينة تجد نفسك أمام الأخاديد التي تعطي للمكان روعة في جمالها بالنظر إلى صلابة الصخور المتدلية على حافة الجبال ذات الارتفاع الحاد التي تهوي مباشرة إلى أعماق البحر، وذلك في صورة خلابة تجعل المتمعن فيها يظنها سلالم تساعده على الاقتراب من قاع البحر الذي يتراءى للناظر في شكل حوض سمكي شفاف. وقد اصطلح على تسمية المكان ''كاب كاربون'' أو '' قمة القردة'' نظرا للعدد الهائل من قردة المكاك التي تعيش بالمنطقة، والتي تعوّدت على تواجد الإنسان بقربها، فتجدها تقترب منه لأخذ صور تذكارية وبعض الحلويات. وبين زيارة الغابات وشواطئ بوليماط، تيشي وزيقواط، يعرج زوار المنطقة على مدينة أوقاس ليجدوا أنفسهم وسط النفق الكبير الذي يفتح أبوابه نحو الدهاليز المتشابكة بين أروقة عمق الدنيا، والتي تسمى ''بالمغارة العجيبة'' بأوقاس التي تمنح لزائرها فرصة التوغل في أعماق الأرض لاكتشاف ما تخفيه من أسرار وعجائب. وبقدر ما تثير الدهشة في النفوس بقدر ما تبعث فيها الرعب والخوف من قدرة الخالق وجمال صنعه، ومهما حاول الواحد منا وصفها بدقة فلا يستطيع إنصافها لأن الرحلة لا تنتهي بالرواق الأخير الذي يؤدي إلى مخرج المغارة لتبقى الأسئلة تراود الزوار وتحثهم على معاودة الرحلة للمرة الثانية والألف. بداية الرحلة تبدأ من وسط النفق، حيث يوجد باب حديدي كبير يحرسه مجموعة من الشباب مهمتهم إرشاد الزوار وقيادتهم نحو مختلف أروقة المغارة، ويضطر الزائر إلى المرور برواق ضيق يكاد لا يتسع لأصحاب الأبدان الكبيرة لكن بمجرد السير ل15 مترا وبعد رفع الرأس للتأكد من تجاوز النفق المتضايق يمتلىء البصر بساحة واسعة تجعل الواحد منا يتخيّل نفسه على شفا حفرة كبيرة محاطة بعجائب كبيرة وغريبة، فالشمس التي لا مكان لها في ذلك المكان، انفجرت من عمق الأرض ليسطع ضوء يكشف للزوار ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من قبل، هنا يبدأ المرشد في الإشارة إلى التماثيل الغريبة التي صنعتها الطبيعة في أشكال خيالية قريبة من الحقيقة، هناك أسد في عرينه، وقرود فوق أغصان الأشجار، وذاك فأر، وتمساح يلتهم عجلا، وضيوف كثر في عرس كبير يتوسطهم عريس وعروس، الملكة الحزينة، وعلى بعد أمتار منها ملكة أخرى ترفع تاجها الذهبي للتعبير عن فرحة كبيرة لتغلبها على جيش الملكة الأخرى، وذاك نفر من الجند المشاة وراءهم فرسان وسعيا من المرشد لتهدئة النفوس وإبعاد الخوف الذي ينتاب زوار النفق، يكشف لهم أنهم متواجدون على عمق 120 مترا من سطح الأرض، ويدعوهم لمواصلة الرحلة ليصل بهم إلى نهر الأماني والتمنيات، وهو على شكل بحيرة بها ماء صاف تظهر في عمقها بضع قطع نقدية، وما أن يحاول أحد الاستفسار حتى ينطق المرشد ليؤكد لهم أن البحيرة تحقق الأماني بشرط رمي بعض النقود، وهنا تختلط الأمور على أصحاب النفوس المليئة بالشكوك، لكن سرعان ما يتخلصون من الشك ليقرّروا رمي قطع نقدية لتجنب المجهول، بعد محطة نهر الأماني يصل مجموع الزوار إلى محطة الهضبة التعيسة التي ينصح عدم النظر إليها باعتبارها تجلب النحس وتتواصل الرحلة إلى غاية الوصول إلى ممر ضيق جدا يضطر كل واحد إلى الخضوع لمبدأ الصف الهندي قبل أن يحطّوا الرحال في استوديو صغير تنبعث منه قطع موسيقية كلاسيكية رائعة يصنعها أحد المرشدين بالضرب على إحدى الصواعد بقطعة حجرية صغيرة يملأ لحنها كل القاعة، وما هي إلا لحظات حتى يفاجأ الجميع بالوصول إلى الباب الرئيسي المتواجد بمدخل المغارة، حيث يكتشفون أن الرحلة انتهت قبل انتهاء متعتها، وخلال طول الرحلة يرفض المرشدون استعمال الكاميرات وآلات التصوير التي يتم حجزها عند المدخل لتبقى ذكريات المغارة راسخة في الأذهان وتتداول من شخص إلى آخر على طريقة الرواية والحكايات.