تعقد الجامعة العربية بعد غد السبت اجتماعا للنظر في الأزمة السورية في ظل ضغط إعلامي شديد يهدف إلى غلق كل أبواب تسوية الأزمة والدفع بها نحو التدويل، وتصر الجزائر، باعتبارها عضوا في اللجنة الخماسية المكلفة بالاتصال مع السلطات السورية، على العمل في الإطار العربي لإيجاد مخرج بعيدا عن مخاطر التدخل الأجنبي في تصريح صادر عن الناطق باسم وزارة الخارجية، عمار بلاني، أول أمس، أكدت الجزائر أن الجامعة العربية بصدد استكمال إجراءات إنشاء آلية تتكفل بمتابعة تنفيذ الخطة العربية للخروج من الأزمة في سوريا. وقال بلاني ”عقب الاتفاق الذي تم بين الجامعة العربية والحكومة السورية خلال الاجتماع الاستثنائي الأخير لمجلس وزراء الشؤون الخارجية، المنعقد يوم الثاني من نوفمبر بالقاهرة، تعكف الجامعة العربية على استكمال إجراءات إنشاء آلية تتكفل بمتابعة تنفيذ الخطة العربية للخروج من الأزمة”، وأضاف بلاني أن ”الجامعة العربية اتخذت الإجراءات اللازمة لتخصيص ميزانية تسيير توجه لدعم نشاطات لجنة المتابعة هذه”، مشيرا إلى أن ”الجزائر عينت من جهتها ممثليها الثلاثة الذين سيشاركون في هذه الآلية”. ومن الواضح أن التصريح جاء ردا على محاولات القفز على المبادرة العربية وإجهاضها، فمنذ التوصل إلى اتفاق بين الجامعة العربية وسوريا في الدوحة في مطلع الشهر الجاري على جملة من الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل وقف العنف وفتح حوار وتجسيد الإصلاحات، بدأت محاولات إفشال هذه المبادرة، وقد كانت البداية من الدعوة الأمريكية الصريحة التي وجهت إلى عناصر المعارضة المسلحة بعدم إلقاء السلاح، وهي الدعوة التي لقيت استجابة سريعة من جانب معارضة الخارج التي رفضت أي حوار مع السلطات السورية، وهو أمر أكده المجلس الوطني السوري المعارض من خلال كلمة ألقاها رئيسه برهان غليون عشية عيد الأضحى ونقل مباشرة على قناة الجزيرة، وقد ذهب غليون إلى حد الحديث بصفته الرئيس القادم لسوريا، وأعلن صراحة رفض أي تسوية مع النظام، وفي مقابل ذلك فتح الباب أمام العمل المسلح. وبالتزامن مع ذلك أعلن رياض الأسعد وهو ضابط منشق عن الجيش السوري ويقود ما يسمى الجيش السوري الحر أن إسقاط النظام لن يكون إلا بالعمل المسلح، وأكد بأن هذا التنظيم سيكون الذراع العسكري للمعارضة حيث سيتم قريبا تشكيل مجلس عسكري أسوة بالمجلس الوطني. الإعلان عن فشل المبادرة العربية كان العنوان الأول في وسائل الإعلام العربية المعادية للنظام في دمشق، غير أن الجامعة العربية واللجنة الخماسية تحديدا لم تشر بأي شكل من الأشكال إلى هذا الفشل، في حين جاء الإعلان عن هذا الفشل على لسان مسؤولين أتراك وأيده وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الذي قال قبل يومين “إن المبادرة العربية ماتت”، وتمثل هذه المواقف ضغطا واضحا يستهدف إسقاط المبادرة من أجل التحول إلى الخيار الآخر وهو التدويل خاصة بعد أن أصبحت المعارضة السورية تنادي صراحة بفرض حظر جوي وبحري على سوريا بما يفتح المجال أمام تمرد عسكري منظم يكرر السيناريو الليبي، وهذه المعطيات هي التي تكون قد دفعت الجزائر إلى إصدار بيان يوضح الرؤية بعيدا عن الضغط الإعلامي خاصة وأن قطر التي هي عضو في اللجنة الخماسية تلعب دورا من أجل إفشال المبادرة من خلال التحركات الثنائية مع تركيا والدول الغربية، ومن هنا يمكن فهم البيان الأحادي للخارجية الجزائرية. أصبح واضحا الآن أن المبادرة العربية يجري إفشالها بطريقة منهجية، وهناك سعي واضح إلى استخدام الجامعة العربية كغطاء لتنفيذ السيناريو الأمريكي الفرنسي على نحو ما حدث في ليبيا، وقد بدأ المجلس الوطني السوري يدعو الجامعة إلى اتخاذ قرارات عقابية ضد دمشق مثل سحب السفراء وتجميد عضوية سوريا في الجامعة ونقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تجبر الصين وروسيا على تغيير موقفها، وكانت الجامعة العربية قد لعبت دورا مماثلا في الحالة الليبية وقد تحفظت الجزائر آنذاك على قرار بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر جوي على ليبيا، وفي الحالة السورية يبدو أن الجزائر لا تريد انتظار تطور الأوضاع والاكتفاء بالتحفظ بل بادرت بشرح الوضع حتى لا تتحول اللجنة الخماسية التي كلفت بمتابعة المبادرة العربية إلى آلية تعمل على إجهاض الحل العربي وفتح الباب أمام التدخل الأجنبي. الموقف الجزائري مما يجري في سوريا كان واضحا منذ البداية، فقد سبق لوزير الخارجية مراد مدلسي أن قال في شهر جوان الماضي بأن “الجزائر غير معنية بالقول ما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد شرعيته أم لا (...) يعود للشعب السوري اتخاذ القرار والبت بهذا الشأن” غير أنه وصف ب”غير المقبول” استمرار الاضطراب في هذا البلد الشقيق، وقد كان ذلك التصريح ردا على تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي قال فيها إن الرئيس السوري فقد الشرعية، وتؤكد الجزائر اليوم، من خلال إشارتها إلى تشكيل آلية لمتابعة تنفيذ الخطة العربية، تمسكها بالحل في الإطار العربي، وارتيابها من التدخل الأجنبي، خاصة وأن التطورات التي بدأ يعرفها الملف النووي الإيراني تنذر بوجود مشروع دولي كبير لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالح القوى الكبرى.