كشف رئيس لجنة التحقيق البرلمانية حول ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية في السوق شهر جانفي يالماضي، أن التقرير النهائي المنتظر أن يُسلّم قريبا إلى رئيس الجمهورية يتضمن «نتائج خطيرة» رفض الخوض في تفاصيلها، مكتفيا بالإشارة إلى أن غياب الدولة في الأسواق ساهم بشكل كبير في تزايد سيطرة المضاربين والمستوردين وعدد من المتعاملين على توزيع هذه المواد والتحكم في الأسعار. لم يحصر الدكتور «محمد كمال رزقي»، رئيس لجنة التحقيق البرلمانية حول ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية، مسؤولية الأحداث التي شهدتها عدد من ولايات الوطن بداية العام الحالي على خلفية الارتفاع المفاجئي في أسعار بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، على طرف بعينه بقدر ما قال إن هناك الكثير من العوامل التي غذّت تلك الظاهرة بما في ذلك حالة عدم الاستقرار التي عرفتها الأسواق والبورصات الدولية. ولكن «رزقي» أوضح في حديثه أمس على أمواج القناة الثالثة للإذاعة الوطنية أن الدولة تتحمّل جزءا كبيرا من المسؤولية خصوصا عندما تحدّث عن غياب «آليات فعّالة» لمراقبة الأسواق مما ترك فراغا استغله «البارونات». وتساءل بعدها: «كيف لا يتمّ تفعيل مجلس المنافسة رغم أن إنشاءه تقرّر في 1995؟»، وما زاد من استغرابه أن القانون الخاص بهذه الهيئة التي تتكفل بضبط السوق أعيد طرحه على البرلمان على مرتين في 2003 ثم في 2008 من دون أن يجد طريقه نحو التجسيد. وحسب النائب «كمال رزقي» المنتمي إلى كتلة الأفلان فإن آليات المراقبة وضبط السوق موجودة ولكن «تطبيق القوانين أصبح مشكلة كبيرة في بلادنا»، ليُضيف: «هناك تعسّف في السيطرة على السوق إذ لا يُعقل أن يُسيطر متعامل واحد على أكثر من 40 بالمائة من سوق السكر والزيت» في إشارة منه إلى مجمّع «سيفيتال» الذي يملكه رجل الأعمال «يسعد ربراب»، وهنا كرّر عبارة «غياب الدولة» رغم أنه حاول فيما بعد استدراك الموقف نافيا أن يكون قد تلفّظ بها أصلا. وإذا كان المتحدث أبعد صفة «المهمة القضائية» عن اللجنة التي ترأسها لمدة ستة أشهر، فإنه أوضح في المقابل أن هناك «نتائج خطيرة» تضمّنها التقرير النهائي الذي تسلّمه رئيس المجلس الشعبي الوطني قبل يومين في انتظار تسليمه في مرحلة لاحقة إلى الوزير الأوّل ثم إلى رئيس الجمهورية، وقد تحفّظ «رزقي» في هذا الشأن على تقديم مزيد من التفاصيل مبرّرا ذلك بالقول: «هناك أسرار سيعود قرار نشرها إلى أعضاء البرلمان». ومن بين الملاحظات التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية أن ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد الأساسية في السوق بداية هذا العام حدث رغم وجود مخزون سابق يكفي لتغطية الطلب الوطني، فيما سجّلت وجود «خلل في التوزيع الوطني» وفق ما صرّح به الدكتور «محمد كمال رزقي» الذي أوضح كذلك أن عددا من تجار الجملة رفضوا الاستجابة لاستدعاء اللجنة من أجل الاستماع إليهم ما دفعها إلى مراسلة وزير التجارة بهذا الموضوع، ولذلك اعتبر أن التقرير النهائي على أهميته «يبقى ناقصا لعدم استماعنا لموقف تُجّار الجملة الذين لم نفهم أسباب امتناعهم..». كما أكد أن غياب الفوترة عن طريق الصكوك ساهم بدوره في تفاقم الوضع زيادة على حديثه عن عدم تحكم شامل للدولة في السوق المحلية، وأكثر من ذلك فإن تقرير اللجنة البرلمانية شدّد على ضرورة فتح نقاش وطني يتم بموجبه إعادة النظر في سياسة الدعم التي أصبحت السلطات العمومية تعتمد عليها لمواجهة ظاهرة ارتفاع الأسعار، وبرأي الدكتور «رزقي»: «من غير الطبيعي أن تُنفق الدولة ما قيمته 300 مليار دينار سنويا لهذه العملية» في حين أن «المطلوب هو دعم الإنتاج وليس دعم الاستهلاك، بما يضمن خلق مناصب الشغل وتعزيز الاستثمار الوطني» على حدّ تعبيره. وإضافة إلى اقتراح وجوب تسقيف الأسعار على أساس الاحتياجات الوطنية، انتقد رئيس لجنة التحقيق البرلمانية غياب ما أسماه «خلية متابعة» تكون مهمتها الأساسية، حسبه، مراقبة توجهات البورصات العالمية والأسواق الدولية يتم على إثرها توجيه مختلف المتعاملين الوطنيين بخصوص شراء المواد الأساسية في التوقيت المناسب وبالسعر المناسب، داعيا وزارة التجارة إلى مراجعة مهام الدواوين الوطنية التي قال إن عملها إداري مثلما هو الحال للبنوك.