بقلم: نجاة زعيتر/ الجزائر الآن قررت كتابة القصة وتأكيد زعمك بأن اللحظة لا تكتب حتى تعاش. ها أنت بدأت تبررين لنفسك اقتراف إثم الكتابة رغم هذه الرغبة المشتعلة فيك لممارستها؟ هكذا أنت دائما،تقولين أشياء و تفعلين أخرى،و تبعدين عنك الفرحة كلما حانت.و قد أدرك الليلة غوايتك المشبوهة و رغم كل ما فعلته و ما قلته لم يخرج عن صمته،لم تستطيعي هذه المرة أن تدفعي به إلى النهاية المبتغاة، فقط كي تكتبي القصة. و هل كان كل ما فعلته حقا من أجل كتابة قصة؟ اتسع السؤال بحجم جبنه و إصرارك. هل كنت تبحثين في ملامحه عن قسوة أبيك أم عن وجه القصة؟أم أنك فقط أردت الإنتقام من وهم المرض الذي يعشش في قلبك و يسعى إلى سد منافذ الهواء عنك؟ ظل صامتا كجدار أبكم،قهقهت في وجهه كما تفعلين عادة حين تدركين سخف اللحظات التي تورطك فيها بلاهة الآخرين. تذكرت أن اللحظة القادمة قد لا تعيشينها فأسرعت تخنقين قهقهتك فتستحيل إلى إبتسامة مخنوقة بشريط أحمر قان كما يفضلها،و دون خطة منك رحت تصفعين خدك بالسؤال ذاته: هل أحببته يوما هذا الذي في سن والدك؟ تدركين للتو قبح السؤال و تودين الهروب من شرك الجواب،تخجلين من القول بداخلك،تودين شطب كل تلك المفردات التي سبقتك إلى صدره،و تستحضرين أمنيتك الغالية بأن يكون لك ظلا يلازمك،يرد عنك بما لا تجرئين على التفوه به من مفردات لا تتقنينها،يحاسب و يساوم عنك بائعي الأحذية و الحقائب الجلدية. تعرفين جيدا أن تلك الطبقة المجعدة التي تغطي صلابة جبينه قابلة للكسرفقط أمام لحظات صدقه. و أن عربدته لم تكن السبب الوحيد لهروبك،كما أن موت أختك التوأم و خطط تزويجك ليست وحدها السبب في فشلك المتتالي أو ربما المقصود. أمسكت الجهاز المحكم عن بعد و رحت تضغطينه،لم يستقر رأيك على مشاهدة قناة معينة رغم إبداعها جميعا في شدك إليها ،كما لم تستطع كل إغراءاتها انتزاع ابتسامة من شفتيها. ماذا لو كتبتها قصة جنسية؟ أو فكاهية؟ ولما لا تجعلينها هادفة و موضوعية،أو شفافة رومانسية كي تكسبي الإحترام و التميز؟ لكن الأولى ستكون الأكثر مقروئية. يدك على الجهاز المتحكم في الإرسال عن بعد،و السؤال ينهشك:لماذا لم تضيفي له بأنك أحببت هذا الآخر؟ و هذا الشيء الذي تملكينه ستمنحينه لهذا الآخر. إبهام يدك اليمنى يشدد قبضته على الجهاز المتحكم عن بعد. ترى لو تستطيعين فعل الشيء ذاته بحياتك فعم تبقين من حياتك الماضية و الآتية؟ الليلة تكتبينها ليس هذا قرارك لكنه إحساس حارق يلهب أصابعك الضاغطة على الجهاز المتحكم. تدركين جيدا بأن ما تقولينه و ما تفعلينه لا يعني دائما ما تريدينه؟و أن ما يجري حولك لا يستند إلى منطق أو عقل،و أن قتل الأطفال كنحر كباش العيد قد لا يجعل الدموع تنبت كالشوك في الحلق،و أن هذه الصرخة الجاثمة في حلقك كربو خبيث قد تكون جنين ألم أو لذة؟ وأن بعض الملامح كالآثام لا يغسلها الصابون المعطر،و هذا الليل المجهض بالرصاص الغامض لن يحرم السكارى بعض أحلامهم الموردة. وأن كتابة القصة لا تبدأ مع أول سطر في أعلى الورقة. تتسارع أصابعك على الجهاز المتحكم في الإرسال،تلتقط اللقطات ،تقبض على القبلات المحمومة ثم تحررها. كل يعطي ما عنده” وحده ذلك الشيئ الثمين يبقى لك ،يلتصق بك ،يؤرقك الخوف من فقدانه و يزيدك رغبة للتخلص منه و التفرغ لكتابتها. تراجعت فرحتك تبحث لها عن مأوى دافئ،و لكن هل حقا كل ما فعلته كان من أجل كتابتها؟خذلانك لأمك و أبيك احتراقك وحدك ،اختيارك المطلق لدور الشاة الضالة عن القطيع،كنت تعرفين أنك ستدفعين الفاتورة مالحة،لكنك إكتفيت بحك هذه السوسة التي تنخر أذنك. هل كنت ستختارين الرحيل في صباح رأس السنة دون أن تحملي معك أي متاع يخصك،تركت لهم كل شيئ صورك أوراقك ثيابك وحتى أحذيتك التي تحبين. أصابعك الضاغطة على الجهاز المتحكم في الإرسال تهرب من تأنيبك لها؟ ربما لأنك لم تزيدي العجوز المتسولة حين لاحقتك بجملتها المادحة:خذها من يد الشبعان إذا جاع و لا تأخذها من يد الجوعان إذا شبع. وهو لا يصدق بأنك حقا خنقت فرحتك من أجل كتابتها؟ عدت إلى الجهاز المتحكم،استدارت أصابعك على نفسها في حركة لولبية كأنها تبحث عن معانقة تقيدها أو تحررها.في حلقك تصاعدت أبخرة احتراق صرختك ،اجتمعت ثم تفرقت ثم عادت تجتمع لتتفرق بعد حين متنافرة متباغضة . يتوق وجهها إلى سحابة مطر تغسل بها صدى توسلاته وغبن عينيه ونزقها. زادت كثابة صمتكما سمكا ،استلقت الابتسامة بينكما، تمددت، ألقت عليكما تحية المساء، ارتدت ثياب نوم شفافة و غرقت في إغفاءة طويلة،اقتربت من وسادتها تبغين خنقها ،لكن أصابعك هذه المرة نفضت عنها مسكنتها وراحت تشاركك الضغط على الجهاز المتحكم بتأن وصبر وباليد الأخرى تداعب وجه الابتسامة المخنوقة.