بابا محمود...لم يخطرْ ببالي في يوم من الأيام، أن أراسلك، لا لأنني لا أحبك، أو لأنني أتكبر عليك، أو لأنك لا تستحق ذلك، فالشاعر مهما انتفخ به الاسم والنص، يبقى بحاجة إلى رسالة تأتيه، من قارئ إلتقاه في البياض- البياض جنة الشعراء. أنا لم أفكر في أن أراسلك فقط، لأنني كنت أعتقد لست أدري من أين جاءني ذاك الاعتقاد- اليقين أنك لا تملك الوقت الكافي لأن تقرأ رسائلي، وأنا أفضل أن تبقى الرسائل التي لا تقرأ في البال، فالبال وجه آخر للبياض، الذي يعطي لحروفها معنى، لكنني ما أن قرأت "الخبر العاجل" لموتك، حتى باتت فكرة مراسلتك أكثر احتمالا في رأسي، ثم راحت تقترب من الحقيقة عندما استكتبني بوفنداسة في الأمر، هل تدرك لماذا يا بابا محمود؟- دعني أكفكف دمعة بيضاء ثم أخبرك، فأنا عريس هذه الأيام، والعريس يحتاج إلى وقت مستقطع ليبكي، هل أخبرك الآن؟- قررت أن أراسلك... هيا إحزر السبب يا بابا... لا تتعب أصابعك في العدّ، فهي حديثة عهد بترك القلم، ودعني أنا أقول لك- قررت أن أراسلك، لأنني بت مقتنعا بأنك ستقرأ رسالتي الآن، فقد بات لديك ما يكفي من الوقت والرغبة لذلك، قبلها كنتَ خائفا مثل كل الشعراء الحقيقيين المدركين لمسؤولية الشعراء الحقيقيين، من أن تضيع لحظة واحدة من حياتك، وأنا هنا لا أستعمل الحياة كنقيض للموت لأن الأسماء في قاموس الشعراء الحقيقيين، لا تأخذ بتلك البساطة ، دون أن توظفها في...أكملْ الجملة أنت، لأنني أخجل من أن أحلّ مكانك، في الحديث عما كنت تحب، ومما كنت تخاف، وبما كنت تحلم، هذه وظيفة الشعراء الصغار الذين ينتظرون رحيل أمثالك ليكبروا بالحديث مكانهم، لأنهم يعتقدون أنهم لم يعودوا قادرين على حق الرد، وأنا لست شاعرا كبيرا مثلك، لكنني لست أحمقا يا بابا، لذلك سأترك الحديث لك عما كان يخيفك، وأحدثك عما كان يخيفني... هيا بابا... أحزر مرة أخرى...ما الذي كان يخيفني في رأيك؟... لا تنزعج أرجوك، أدرك أنك بحاجة لأن تستمتع بهذه الجنة من الفراغ الذي حلمت به كثيرا في الدنيا، لكن عليك أن تدرك أنت أيضا أنني بحاجة لأن أتحدث إليك، بعد أن صار ممكنا أن تسمعني جيدا، لذلك لك أن تحزر مما كنت أخاف كشاعر؟..من الموت الشعري؟.لا بابا...فأنا لم أتحمل يوما مسؤولية الشعراء الكبار مثلك، لذلك كنت ولا زلت أتوقع أن يصيبني ذلك الموت، تريد الحقيقة؟...لكن عليك أن تعدني بألا تغترَّ، فأنا أتوقع أن الشعراء الحقيقيين، يصبحون أكثر غرورا بعد موتهم، لأنهم يجدون الوقت الكافي لأن يسمعوا ما يقال عنهم، ليس كافيا أن تشير بإصبعك، حتى أقتنع بأنك وعدتني بألا تغتر، بل أرقص حتى أقتنع، طبعا بابا... تستطيع أن ترقص... هيا افعلها فأنت اليوم عريس الأبدية، ثم إنك حرمت من الرقص طيلة مرورك في الدنيا، و لك اليوم حق التعويض... طيّب... أنا سأغني لك "على دلعونة"، وأنت عليك بالرقص... لا بدّ أن تحظر ريتّا حتى ترقص؟، لكني لا أستطيع أن أتخطى الحواجزَ إليك، وإلا بحت لك عنها، لتشاركك رقصتك، أنت الذي هناك وبإمكانك أن تبحث عنها بابا... هيا ارقص ولا تتدلّلْ أكثر من هذا، لم يكذب من قال إن الشعراء الحقيقيين يصبحون أكثرا دلالا، بعد أن يرحلوا عن الدنيا، لأنهم يدركون أنهم ضمنوا مقعدهم في الخلود...أوه... ما أبهاك راقصا بابا... واصل... واصل.... فقد ينظمّ إليك زوربا ليكتمل البهاء، بالمناسبة: ما هي آخر كلمة قلتها في الدنيا؟، هل تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية أن تعرفها؟... لا؟... إذن سيفرح الصهاينة كثيرا بجهلها، ويحزن الحمامُ- تحزن فيروز... أعلم أنني ثرثرت عليك كثيرا، لذلك سأبادر إلى القول إنني كنت أخاف أن .... أقرأ نصوصَك، حتى أبقى أنا... فأنت الشاعر الوحيد الذي بقي يملك القدرة على ابتلاعي، وبعدك تستوي جميع الأسماء... بابا إنهم يتحدثون عنك في الفضائيات... هل يقولون الحقيقة؟.. للأمانة: نشر هذا النص من قبل في منابر أخرى