بقلم : إسماعيل بوزيدة /الجزائر تعبت من البقاء هنا على حافة الذاكرة... أتعبني طيفك الذي لا يبارحني أعياني هذا الإدمان وهذا المستحيل وهذا الحنين المزمن ... في أماكن لا زالت جاذبية حضورك فيها عاتية هوجاء . تعبت من هذه الأماكن التي تعصف بي... وتسحبني إلى دهاليز الماضي الدفين في طرق مازلت أراك فيها ياقوتة عذراء متلألئة... في ممرات وزوايا ما زلت أسمع حسيس أقدامك فيها ومرورك العذب السيَّال . تستحضرك هذه الأماكن في غيابك وتبكيك كما أبكيك أنا بحرقة... كلما هبت نسماتك من هناك حيث أنت في عالمك الجميل المتلألئ. كم يؤلمني ذاك الصوت المألوف عندي وهو يخبر عن ذهابك... يخبر عنك بتلقائية وبثقة وبلحن يسري في دواخلي باردًا له طعم الفراق الأبدي... صوت يخبر عنك في تفاصيله شيء من التصريح باستحالة رجوعك... مازال صداه في أعماقي يعاد عليَّ مرَّات ومرَّات كلما استحضرتك . كم أنت قاس أيها المخبر عن السمراء وكم هو قاسي صوتك وإيقاع تعابيرك . وكم هو قاس ما تنبؤنا به وكم هي قاسية الأيام القادمة علينا . بقربك وأنت بعيدة وبمواجهة طيفك المزروع في كل الأماكن كانت أشرطة ماضينا البائد تعاد عليّ في كل الأحايين وفي جنبات هذه الأماكن . أقترب منك حتى أكاد أراك ... فيفاجئني ذاك الصوت في داخلي يخبر بأنك لست هنا وبأنك مضيت في دربك وعدت إلى موطنك . تعودين وتتركين الذين جاؤوا من أجلك هنا في محطة النسيان ... تتركينهم دون ملاذ دون أن تأذني لهم بالرحيل دون أن ترشديهم إلى الطريق الصحيح ... تتركينهم هنا في وسط صحراء حبك القاحلة التي كانت بالأمس جنة خضراء في حضورك . تائهين تركتهم... ولا زالوا ... حائرين في دروبهم حلقة مفرغة تلك التي يسيرون فيها ...لم يعد شيء يعنيهم في هذا الزمن بعد أن فقدوك. منتحرين هم ... على أهبة الانتحار ... باقين هم بقبح الانتحار ... ماكثين يجترون ذكرياتهم معك... يعيدون الماضي شريطا بالأبيض والأسود ... بعد أن كان في حضورك زاهي الألوان... مساكين هم الذين عرفوك... وكم هم محرومون وتعساء الحظ من لم يعرفوك. يا أفقا ألمحه من بعيد فيك تقال أجمل الكلمات بأجمل الحروف الذهبية اليوم فقط وبكل صدق وبكل تجاربي الصغيرة والكبيرة أعترف وأصرح بعيدا عن لغة الخشب ولغة العشق العمياء ودون انحياز عاطفي بأنك من أجمل ما سار على هذه البسيطة..