بقلم: العيد بن منصور/ الجزائر ربما ونحن نسمع كلمة فوبيا، تتبادر إلى أذهاننا أسئلة الخوف، وتسكننا هواجس الرهبة ومشاعرها، ويخطر ببالنا قليل الأشياء التي تخيفنا أو كثيرها . وقبل أن يتحول الخوف إل جبن ، يظل شعورا إنسانيا سلبيا من حيث اتجاه الفعل و رد الفعل ، أو من حيث ثنائية التأثير والتأثر، و لكنه كثيرا ما يكون إيجابيا من حيث أنه يدفع إلى توخي الحذر و توسل الحيطة لتجنب الأخطار والمهالك و العمل على حماية الفرد والمجتمع ومكتسباتهما ، و إبداع الطرق الكفيلة بحفظ السلامة و إشاعة الأمن و هي الظروف التي تنشأ فيها الحياة الطبيعية الكريمة ، و التي يفترض أن تسودها الحرية و التسامح و الاختلاف و التعدد . ويظل الخوف في حياتنا ظاهرة فردية أو جماعية قد يتحول في أشكاله و انفعالاته إلى حالة مرضية أو عقدة مستعصية تؤثر على السير الطبيعي للحياة ، متحوّلا إلى معطى قائم بذاته ، له تأثيره السلبي عادة على نشاط الفرد أو الجماعة و على طبيعيّة سيرورة الحياة التي بات الخوف جزءً رئيسا فيها بهذا الشكل ، مع تباين كبير في مستوى حالاته ، و الأشياء التي تثير مخاوفنا أو تتكون فوبيا في حياتنا . هنا نتحدث عن الفوبيا ، أعرف شخصا كانت لديه فوبيا العناكب ، و كان بيته بحكم موقعه و كأنه مرتع خصب لها ، ما جعل حياته مكدّرة كلما رأى واحدة منها ، فيترك العمل الذي يؤديه و يغادر المكان الذي هو فيه خوفا منها و اشمئزازا من رؤيتها ، عندما زرته علّمته كيف يتخلص منها و غالبا كيف يقتلها ، مؤخرا راسلني و هو يخبرني بأنه أصبح قادرا على مواجهتها بعدما كان لا يملك سوى استعمال مكنسة الغبار الكهربائية التي يستعملها في تنظيف أثاث بيته . فمن فوبيا العناكب و الثعابين و بقية الحيوانات إلى فوبيا الأماكن العالية أو الخالية أو العامة و المزدحمة إلى الفوبيا الاجتماعية و فوبيا المواقف و سوء تقدير الذات و قدراتها أمام الآخرين .. تتراتب مستويات هذه الحالة المرضية في تصنيفها العلمي المعروف ، غير أن الواقع بإشكالاته و تعقيداته يعرف أنواعا كثيرة منها يعيشها الأفراد و المجتمعات ، أشهرها في مجتمعاتنا العربية المنغلقة سياسيا فوبيا المخابرات و رجال الأمن و في مستوى أعم فوبيا السلطة التي بدورها تعيش فوبيا الديمقراطية و الحريات و الشعب و الانقلابات ، كما يعيش المثقف العربي فوبيا القرائية و النشر و الجوائز و الشهرة و المنافسة و النص و النقد و الرقابة و الحبس و الحجر و ربما القتل و التشريد ، قائمة طويلة تجعل من المثقف العربي يحوز الجزء الأكبر من كميات الفوبيا في الوطن العربي الذي تحول بتخلفه و كثير من أفكاره المتطرفة و سلوكات بعض من أفراده المنحرفة إلى فوبيا للعالم الحر المتحضر ، فيما بات يعرف العربوفوبيا أو الإسلاموفوبيا أو الإرهابوفوبيا ، و هو أمر تعزز كخطر حقيقي تخشاه هذه المجتمعات خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمر ، و لسنا نتحدث عن توظيف المصطلح في أغراضه المختلفة بقدر ما نعدّد مظاهر هذه الفوبيا و صورها التي تعدت الإطار النفسي الذي يمكن معالجتها فيه ، إلى الإطار السياسي والعسكري الاستراتيجي الذي أتاح بموجب الرغبة في مواجهتها و القضاء عليها إلى احتلال دول كالعراق و أفغانستان و قتل الآلاف من البشر و تدمير بنيوي لمجتمعاتها ، و ما انجر عن ذلك من ويلات و دمار و مآس لا شك أنها خلفت متشظية عشرات الفوبيات التي يعيشها الناس هنا و هناك . خطر لي الحديث عن الفوبيا و أنا أتساءل عن الأمر الذي دفع برئيسة موقع فوبيا الكاتبة الجزائرية سهيلة بورزق المقيمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو من أوحى لها ، بإطلاق هذه التسمية " فوبيا " على موقعها الإبداعي الجديد على الانترنت ، و تصورت أن للكاتبة فوبيا كبيرة تسيطر على حياتها و تفكيرها إلى درجة الجنون ، إلى أن رأيتها تنشر على صفحتها على الفايسبوك كلاما مفاده بأنها قد تلقت رسالة تتضمن تهديدا صريحا لها صادرا عن مواطن عربي بطبيعة الحال ينتمي إلى دولة عربية تعتبر رمز الصورة الحقيقية للفوبيا الأمريكية الحديثة خاصة.. و كبقية العرب الذين يعيشون في الغرب عامة وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية على الخصوص تدرك الكاتبة و غيرها بالطبع مدلول هذا المصلح و آثاره الجديدة عليهم ما جعلهم نتيجة لكل ذلك يعيشون رهابا آخر هو " فوبيا الفوبيا " ، يتنفسون فوبيا و يتكلمون فوبيا ، و يلعبون فوبيا ، و أتصور أن الزمن و الأحداث و الظروف الموضوعية و حتى النفسية قد تهيأت الآن لتصنع لنا مجموعة جديدة من مبدعي و كتاب المهجر يتسمون " برابطة فوبيا " على غرار" الرابطة القلمية “ التي تأسست رسميا عام 1920 بنيويورك على يد نخبة من أدباء المهجر تحت عمادة جبران خليل جبران . و يمكنني أن أتصور كذلك فكرة و فعل التسمية في إطارهما النفسي ، جزءً من قرار التخلص من هذا الرهاب المكبل و المثبط ، الذي حاصر الجاليات العربية هناك و جعلها تعيش تحت مجهر المراقبة و التشكيك و وضعها في إطار من الخصوصية الأمنية التي انعكست بالسلب على نشاطها و فاعليتها ، خاصة و أن أفضل وسيلة لتجاوز الخوف أو الخطر هي مواجهته و التصدي له و لا يتم ذلك إلا بسلوك طريق الحضور المتميز و الإبداع و إثبات الذات و قدرتها في وجهتها الإيجابية و الفعل و البناء المؤثر و هو ما يقصد إليه ربما هذا المشروع الثقافي النخبوي و الذي نتمنى له النجاح و البروز ، ليبقى أفضل الطرق لعلاج الفوبيا هو مواجهة عامل الخوف المتسبب فيها و التصدي له تماما كما أثبتته تقنيات العلاج السلوكي ، ما يؤكد مجددا أنك إذا أردت القضاء على مخاوفك فتسلح بخوفك. * شارك: * Email * Print