يتحدث الكاتب الجزائري مولود بن زادي في هذا الحوار، عن عمله الروائي ”عبرات وعبر” الذي يقول إنه جمع فيه ملامح الأدب المهجري بكل ما يحمله من مظاهر الحياة، متوقفا عند إشكاليات هذا الأدب والأسئلة التي يطرحها·· صدرت لك مؤخرا رواية بعنوان ”عبرات وعبر”·· كيف تقدم لنا هذا العمل؟ هي مأساة اجتماعية مأخوذة عن قصة واقعية تروي حياة أم عليلة تدعى ”خديجة” وزوجها المعوق ”إبراهيم” وصراعهما اليومي من أجل إعالة أسرة كبيرة والبقاء على قيد الحياة في أحد أحياء العاصمة الجزائرية· وتصف الرواية طريقة تعامل أولاد ”خديجة” الذين استقروا في أوروبا مع والدتهم وأسرتهم في الجزائر، كما تروي تعلق الابن الأكبر المغترب ”مراد” بوطنه الأم والحنين إلى بلد يعيش بعيدا عنه· يعني كلامك أن الرواية تدور في قالب اجتماعي فقط؟ لكن إلى جانب هذا فهي تشيد بمراحل وأحداث هامة في تاريخ الجزائر مثل فترة الاستعمار وثورة التحرير و”زلزال الأصنام”· كما تتطرق إلى مسائل هامة في المجتمع مثل مكانة المرأة والنمو السكاني والبطالة وغلاء المعيشة وأزمة السكن والصراع اليومي للمواطن من أجل الحياة·· وأريد القول أيضا إن روايتي أبكت العديد ممن قرأوها، بينما اقترح علي البعض تحويلها إلى عمل سينمائي· تتحدث كثيرا عن الهجرة في روايتك·· هل لأنك كاتب مغترب؟ الغربة والحنين إلى الوطن يحتلان مكانا هاما في ”عبرات وعبر”·· كيف لا وهما جزءان مهمان في حياتي·· فأنا غادرت الجزائر قبل حوالي عشرين عاما، وحب الوطن لا يزال يجري في دمي والحنين إليه ما فتئ يمزق نفسي· ألم تواجه صعوبات في كتابة مثل هذه الرواية من المهجر·· خصوصا أنك بعيد عن اللقاءات الأدبية و”الجو الأدبي العربي”؟ أتصور أن الرواية ليست حرفة يتعلمها الفرد في ورشة من الورشات، ولا فنا يتعلمه في ”الصالونات”·· الرواية كما أراها هي موهبة تنمو مع الفرد وتستقي مما يشاهده في حياته ومما يعيشه من تجارب وظروف، حيث أنجب الأدب عبر العصور كتابا كبار لم يعرفوا مجالس الأدباء·· ورغم البعد الجغرافي، إلا أن وسائل الإعلام ومختلف الوسائط الحديثة قرّبتنا من الجو الأدبي في الوطن العربي· وفي المقابل، فإن للبعد الجغرافي بعض الإيجابيات، ذلك أن الهجرة والبعد عن الوطن يساهمان في إنشاء طابع أدبي مختلف يتمثل في أدب المهجر الذي يشتمل على ملامح شرقية وغربية· طيب·· كيف ترى أوجه الاختلاف بين الذين يكتبون داخل أوطانهم وأمثالهم في المهجر؟ هي في نظري الفرق بين من عاش تجربة حياة واحدة ومن عاش تجربتين مختلفتين تماما·· فأدباء المهجر من أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة خلفوا أدبا مميزا فيه روح شرقية وسمات غربية على عكس الأدباء المحليين مثلا· وبالنسبة إلي؛ فقد أمضيت نصف عمري في بلدي الجزائر، والنصف الآخر في المهجر·· وعليه ستظهر تأثيرات المحيطين في كتاباتي وتنعكس عليها مؤثرات بيئتي الوطن والمهجر· هل لك أن تذكر لنا بعض الأمثلة عن هذه الظروف·· ربما أفضل مثال هو الحنين إلى الوطن؛ فكلما طالت غربتي زاد حبي للوطن، وهذا ما ستلاحظونه في روايتي ”عبرات وعبر”، إذ يظهر هذا الحنين في الأسطر الأولى ويتواصل إلى آخر الرواية· ثم هناك موضوع الرواية وأحداثها، وأعتقد أني لو عشت في الجزائر لكتبت روايات تقع أحداثها هناك، لكن بحكم الفترة الطويلة التي قضيتها في أوروبا فإن أحداث الرواية تقع في كل من الجزائر وأوروبا بكل التفاصيل الواقعية، وأنا أفكر في روايتي المقبلة التي ستقع أحداثها بالكامل في أوروبا· كيف تنظر إلى المشهد الأدبي في الجزائر خصوصا في الشق الروائي؟ الجزائر قطب متعدد اللغات أنجب أدباء كبار ساهموا في إثراء المشهد الأدبي من أمثال مولود فرعون ومالك حداد ومحمد ديب والطاهر وطار·· وأرى أن أكبر مشكلة تواجهها الرواية الجزائرية من الناحية التقنية هي التوزيع وإيصال الكتاب إلى القراء، وهذا ما لمسته شخصيا عند نشر رواية ”عبرات وعبر”، فلحد الآن لم أجد موزعا، والموهبة الجزائرية تحتاج فقط لمن يعينها على إبراز إبداعاتها وإيصالها إلى الجماهير· طيب·· هل تحضر لمشاريع أعمال جديدة؟ أنا الآن منهمك في إعداد عمل أكاديمي، عبارة عن منجد للمترادفات والمتجانسات العربية مستفيدا من تخصصي في حقل الترجمة، وهذا العمل يتطلب الكثير من الجهد والوقت، حيث لا أجد أحيانا وقتا كافيا للنوم·· وسأعود بعد إنهاء هذا المشروع إلى الرواية وأكتب رواية عاطفية واقعية تقع أحداثها بالكامل في أوروبا وتحمل كل ملامح الأدب المهجري· يقول البعض إن الجزائريين لا يقرأون·· فبماذا ترد أنت؟ ما أقوله للقارئ الجزائري هو ضرورة الإقبال على عالم الكتاب خصوصا الرواية؛ فأنا لاحظت أن البريطاني يقرأ الرواية والكتب الأخرى في أماكن العمل ووسائل النقل وفي الشارع وفي كل مكان وزمان·· فلم لا نقتدي بالأجنبي الشغوف بالقراءة؟· وأقول أيضا للقارئ إني أمضيت سنوات طويلة من عمري أبحث عن طريقة من أجل الوصول إليك من خلال روايتي·· وأتمنى أن أساهم ولو بقدر بسيط في المشهد الأدبي الجزائري وتشريفه وتمثيله أحسن تمثيل في الخارج·