دافع وزير الشؤون الدينية والأوقاف، «بوعبد الله غلام الله»، عن قناعته بضرورة الالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية، وهي المذهب المالكي، متهما عدد من أئمة المساجد بارتكاب «مخالفات» في هذا المجال، وهو الأمر الذي وصفه ب «الخطر» لأن في ذلك «محاولة لتغيير واقع التركيبة الاجتماعية»، وذكر أن مصالحه سجلت 40 مخالفة «غير مرتبطة بالعقائد» وإنما ب «كيفية ممارسة الشعائر الدينية». أفاد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، «بوعبد الله غلام الله»، في حديث مطوّل مع صحيفة «الشرق الأوسط» بأن «محاولة استبدال المذهب المالكي وما تفرّع عنه بالمذهب الحنبلي يخلق نوعا من الاهتزاز، ويحدث نوعا من الارتجاج في شعور الإنسان»، وأضاف بأن ما يقوم به البعض ممن يطلق عليهم اسم «السلفيين» يعتبر بمثابة «أمور غريبة تعتبر تهديدا للنسيج الاجتماعي»، وأشار إلى بعضها على غرار «في العيد هناك خطبتان، هناك من يخطب خطبة واحدة فقط، نحن نسبح التسبيح الجماعي قبل الصلاة في المسجد، وهناك من يرفض هذا التسبيح الجماعي». وتحدّث «غلام الله» عن مسألة أخرى «خطيرة جدا» تتعلق باعتماد المواقيت الشرعية «فنحن لدينا مواقيت شرعية للآذان معتمدة بصفة علمية، وهم لا يعتمدون على هذه المواقيت المتفق عليها في الجزائر، وينتظرون المواقيت الشرعية التي تأتي من دول أخرى، هذه المخالفة تتسبب في إفطار الناس في رمضان، وغير ذلك من التجاوزات»، ولذلك أورد: «إذن المرجعية لا تتعلق بالأصول، وإنما بما درج عليه الناس. واستبدال ممارسات بأخرى في المستوى نفسه هو أمر يثير الاشمئزاز». وضرب المتحدّث مثالا آخر «فالجزائريون يلبسون ثيابا عادية، وحينما نشاهد شخصا جزائريا من دون شوارب، ويرفع قميصه إلى ما فوق الركبتين، وسرواله لنصف الساق، ولحيته كبيرة، نعتبر ذلك أمرا غير عادي، لأننا نحن الجزائريين نعتبر الرجل الذي يحلق شاربه ليس برجل»، قبل أن يُواصل: «أقول إن سبب نفور الأوروبيين من الإسلام هو المناظر السيئة للمسلمين، فمشاهدة امرأة متغطية بالكامل تمشي في الشارع وهي تسحب جزءا من جلبابها على الأرض، أمر يسيء للإسلام». ودون تردّد شدّد الوزير حول مسألة ما كان يدرج عليه السلف في القرنين الأولين من عهد الإسلام بالتأكيد على أن «القرن الأول مات وانتهى، القرن الأول بقيت لنا منه المناهج والمقاصد، أما عادات هذا القرن فهي لم تعد قائمة، ونحن يمكننا استلهام أفكار الأمم قبل هذا القرن، يمكننا أن نأخذ عنهم الأفكار الصحيحة، لكن ليس بنفس الشكل، والطريقة التي كانت تطبق في ذلك الوقت»، لافتا على أنه لا يقصد بذلك «الأمور التعبدية التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولكن الأمور المتعلقة بالعادات، كاللباس ومظهر الإنسان، هذه الأمور غير ثابتة وتتغير». وعاود «بوعبد الله غلام الله» تكذيب ما جاء في فحوى بعض التقارير التي تتحدّث عن التضييق على ممارسة المعتقدات الدينية في الجزائر، بقوله: «لهذا الأمر غير صحيح، نحن قلنا للمنتقدين أعطونا مثالا أو دليلا واحدا فقط لكي نستطيع أن نناقشكم في الموضوع، لكنهم لم يقوموا بذلك»، ثم تابع: «هذه مجرّد دعاوى واتهامات تفتقر لأي سند أو برهان، وأنا أقول العكس.. حرية التعبير وحرية التفكير في الجزائر هي التي فتحت المجال لكثير من الناس لاعتناق مذاهب أخرى غير المذهب المعتمد، وديانة غير الديانة الإسلامية، وسمحت بانتشار طوائف غير السنة، مثل الشيعة». وأشار إلى أن عدد «المتنصرين» في الجزائر محدود «والدليل هو عدم وجود أي قسيس جزائري، أي متنصر في مستوى مكون ومرجعية دينية، وكل المرجعيات الدينية المسيحية في الجزائر هم من الأجانب..»، مبرّرا وجود القيادات الدينية المسيحية في بلادنا الذين قدّر عددهم بحوالي 1000 بهدف «خدمة هؤلاء الطلبة، فهل هناك حرية دينية أكثر من هذه؟ لا توجد دولة في العالم تتبرع بهذا النوع من التصرف تجاه الديانة غير الإسلامية». وعندما سُئل الوزير عن مخاطر «التشيع» أجاب مطمئنا: «ذلك لا يشكل خطرا على الجزائر، ففرنسا على مدار 130 سنة لم تشكل خطرا على هوية الجزائريين، فلا يمكن لأي شخص يدعو إلى ممارسة بعض الطقوس التي يمارسها الشيعة في بلاد الشيعة، أن يشكل خطرا على الجزائر». وفي تقديره فإن ما يجري «مجرّد ظواهر، ولا ترقى لأن تشكل خطرا على البلاد.. وهذه الظواهر لا تقتصر فقط على طقوس الشيعة، فهناك القاديانية وعبدة الشيطان، وقد تم توقيف خلية لهؤلاء، ولكن هذه الفئات محدودة جدا في المجتمع الجزائري». ولمواجهة فوضى الفتاوى قال «غلام الله» إن «المجالس العلمية» المنتشرة عبر الولايات وكذا «هيئة الإفتاء» الموجودة بالوزارة كفيلة بذلك، ليستطرد: «فوضى الفتاوى فذلك سببه وسائل الإعلام، التي تفضل نقل فتاوى علماء أجانب، بدل نقل فتاوى لعلماء الجزائر»، متسائلا: «لست أدري تحديدا ما هو القصد من ذلك، هل ذلك يدخل في إطار معارضة السياسة الجزائرية أم ماذا؟». وفي سياق إبداء موقفه مما يسمى «الربيع العربي» اعترض الوزير على ذلك: «هذه التسمية ليست عربية، هذه العبارة جاءت من الخارج، وجاء بها من كانوا يقصفوننا بطائراتهم، وقالوا إنهم يصنعون لنا ربيعا»، وأوضح أن «الحراك يجب أن يكون نابعا من الداخل، مثلما حدث في مصر.. بينما الحراك في سوريا هو صراع واقتتال داخلي بين السوريين، بواسطة استعمال سلاح وأموال ليست سورية. الأمر نفسه حدث في ليبيا حيث رأينا تدخل دول أجنبية كثيرة».