افتتاح أشغال المنتدى النقابي الدولي للتضامن مع الشعب الصحراوي    مستغانم : عشرات طلبة " العلوم الطبية" يحتجون    تجمعنا علاقات أخوية وإرادة الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة    تسجيل 178 قضية مكافحة التهريب والتجارة غير الشرعية    انطلاق التصفيات المحلية الخاصة بجائزة الجزائر للقرآن الكريم    الرئيس عبد المجيد تبون يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    اتحاد الشغل يدعو العمال إلى وقفة احتجاجية الأحد القادم    أبو الغيط يحل اليوم ببيروت للتشاور مع القيادات اللبنانية    وزير الخارجية التونسي يزور جامع الجزائر    بورصة الجزائر: لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة تقترح توسيع نشاط الوسيط إلى شركات التأمين    التشكيلية يمينة بورحلة تعرض ذاكرتها الإبداعية بالجزائر العاصمة    دراجات: تتويج الدراج حمزة ياسين بطلا للدورة الوطنية للدراجات الهوائية بتلمسان    إيرادات الجباية العادية تواصل منحاها التصاعدي في 2024    أكتوبر الوردي: حملات تحسيسية مكثفة بتيميمون حول الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم    النعامة: الشروع في تسليم الإعانات المالية لإعادة تأثيث منازل المتضررين من الفيضانات    المجلس الشعبي الوطني يشارك بواشنطن في أشغال المنتدى البرلماني العالمي 2024    العدوان الصهيوني: الأمم المتحدة تدين المجزرة الصهيونية في بيت لاهيا    ديدوش: قطاع السياحة يعرف "تنافسا كبيرا" ويحتاج إلى طاقات مؤهلة ومحترفة    الجزائر العاصمة.. إخماد الحريق الذي شب بمصنع للبسكويت بالمنطقة الصناعية بالرغاية    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار : ادراج الصناعات السينماتوغرافية ضمن أولويات الاستثمار في الجزائر    ميناء الجزائر: معالجة أزيد من 232 ألف مسافر خلال موسم الاصطياف 2024    "كانكس ويكاند 2024" : ضرورة وضع آليات مشتركة لتمويل الإنتاجات السينمائية والسمعية البصرية    العرض الأول بالعالم العربي : فيلم 196 ينافس في مهرجان الجونة السينمائي    فلسطين: أكثر من ألف مستوطن صهيوني يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    ملاكمة: ايمان خليف تستعرض مشوارها الرياضي وتكشف عن آفاقها المستقبلية    الوزير الأول يستقبل السفير المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة بالجزائر    معسكر: وفاة شخصين وإصابة آخر بجروح في حادث مرور    طاقات متجددة: الجزائر تمتلك امكانات هائلة للتميز في مجال الهيدروجين الأخضر    بوغالي يرافع للقضيتين الفلسطينية والصحراوية    أوقفوا قصف أطفال غزّة    رقم مميّز للخضر    الشرطة تحسّس التلاميذ    دعوة إلى إشراك جميع الاختصاصات الطبية    اختتام الدورة التكوينية لتأهيل القائد الكشفي المقدسي    مولودية الجزائر ترتقي إلى الصدارة    أعلى لاعبي كرة القدم أجرا في العالم    القاسمي ينعي السنوار    الجزائر ترفض الابتزاز المغربي    يوم إعلامي حول تمويل المشاريع المبتكرة يخص التعريف بالوسائل    جمعية الدرع للثقافة والفنون بخنشلة تتوج بالمرتبة الثالثة في مهرجان الفرنسيسكان للسلام الدولي بمصر    مفوضة الاتحاد الإفريقي تدعو إلى اثراء المتحف الإفريقي الكبير واسترجاع الأملاك الثقافية الافريقية المنهوبة    كرة الطاولة/بطولة إفريقيا: الثنائي بوهني-ناصري يحرز الميدالية الفضية    المنفي مدعو لحضور احتفالات نوفمبر    الاقتصاد الوطني سينمو ب4.5 بالمائة    تظاهرات متنوعة وإطلاق مشاريع تنموية بولايات الجنوب    10 مساهمات للمسلمين في العلوم    وزير الصحة يؤكّد ضرورة إنشاء أقطاب خاصّة    وزير الصحة يشرف على افتتاح أشغال المؤتمر الدولي لأمراض القلب    الابتلاء من الله تعالى    منصّة رقمية لتسيير مصالح الاستعجالات    اللجنة الوطنية للأطباء المقيمين في إضراب وطني لمدة 3 أيام    حملة تلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    المنتخب الجزائري لتنس الطاولة في مواجه ساخنة مع النيجيري    الخضر يتاهلون إلى كأس أفريقيا للأمم 2025    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوبيا البقاء

بقلم: خيري حمدان/ فلسطين
لا أدري كيف حدث كلّ هذا، أذكر فقط بأنني شعرت بدوار شديد حين كنت بمحاذاة غرفة تبريد عملاقة، ثم سقطت بالقرب من بضعة صناديق قديمة، بقيت هناك فترة غير محدّدة من الزمن. أدركت بعدها لدهشتي الكبيرة بأنها امتدت لعقود طويلة. كان قد تجمع من حولي مجموعة من الأطباء، أخذوا يطرحون عليّ أسئلة لم أفهم جزءًا كبيرًا منها. ما هو رقم الضمان الاجتماعي والصحي؟ كنت قادرًا على الردّ عن سؤال واحد، اسمي! لكن، يا لها من كارثة، أنا في عداد الأموات! تمّ تسجيلي في قائمة المفقودين منذ 40 عامًا. حضر رئيس المستشفى غير مصدّق للحالة الأعجوبة التي وجدها أمامه. أقسمت أمامه بأنني الرجل المعنيّ ولا توجد ضرورة لإخفاء وجودي فأنا لا أعاني من فوبيا البقاء!
أخبروني بأنني قد بلغت من العمر 70 عامًا، لكني لا أذكر سوى السنوات الثلاثين من حياتي. شعرت بأنني مميّز، كنت أبتسم حين أقارن بين هيأتي والآخرين من أترابي. لكن هاجس الوحدة بدأ يطرق أبوابي. لم أكن قد تعرفت إلى التقنيات الحديثة، شعرت بأنني قزم أمام شاشات التلفزة والأنوار التي تضيء الشوارع المحلات التجارية ودور عروض السينما والمقاهي وما إلى ذلك. لكن الوحدة بالرغم من كلّ هذه الضوضاء وجدت طريقها إلى أيامي وأمسياتي. حتى النساء اللواتي أخذت يتسللن إلى سريري لم يتمكنّ من تخليصي وتحريري من جمهرة المشاعر الوافدة من عمق التاريخ.
أخذت الذاكرة تلحّ عليّ، كان لا بدّ من استحضار لحظات حميمة بقيت تلاحقني. “هي" دون نساء الدنيا وحدها، طيفها، رائحتها، حضورها، انطلاق ابتسامتها من عقالها دون تملّق. يا أنتِ، يا ذاكرتي المكلومة كيف خنتِ نهاري ورميت بي على بعد أربعة عقود من الزمن وحيدًا دون رفيق. أنا لا أنتمي لهذا الشاب الذي تسلل في جسدي، هذه ليست حياتي، أنا رجلّ سبعينيّ غير قادر على الوصول لرفاقي “وهي" تلاحقني، تناديني، تبحث عنّي، تتحسس كلّ الطرق المسدودة نحوي. إنها زوجتي التي اختزلت في هذه اللحظة كلّ نساء الدنيا.
تمثلت ساميا أمام ناظري حاجبة قوافل النساء من شتى الجنسيات والأعمار. لم أجرؤ على طرح سؤال واحد: هل ما تزال ساميا على قيد الحياة؟ كيف تبدو زوجتي إذا كتب لها البقاء حتى الآن؟ أريدها “هي" دون نساء الدنيا، وليذهب شبابي إلى الجحيم!
وجدت الطريق لوحدي إلى هناك، كيف يمكنني أن أتوه عن بيتي الذي أمضيت أجمل لحظات العمر في أنحائه. كان المنزل خاويًا، مهجورًا، غارقًا في غابة من الأعشاب والشجيرات الطفيلية كأن قدم إنسان لم تطأه منذ زمن بعيد. أزحت من طريقي ما علق من أغصان وقحة ودلفت إلى الداخل. كانت صورتي ما تزال معلقة على الجدار في صدر صالة الاستقبال. لا يا ساميا .. هل فعلتيها وفنيت يا أجمل نساء الدنيا! هذا كثير، يكفيني فقدي لأربعة عقود بعيدًا عن طيفك، لم أتمكن في غيبوبتي الغبية تلك تلمس الطريق لجدائل شعرك. كان بودّي أن ألقي التحية عليك مرة أخرى، أن أقبّل ثغرك، أتحسس بشرة وجهك، شعرك الأسود الغامق كما الليل، كما العتمة. يا لهذا الفراغ الذي ملأ فضاءات روحي الداخلية! كأن يدًا عملاقة امتدت من الأبدية وهزتني، هزتني حتى غبت عن الوعي ثانية، لكن هذه المرة غبت لثوان قليلة فقط. واجهت مرآتها المعلقة في غرفة النوم المهجورة الباردة كما القبر. كأنني رأيت للحظة انعكاس ابتسامتها، تيار كهربائي مرّ في أنحاء جسدي، هزّني، نفض عني غبار الزمن المهدور في غباء الحدث وسخرية المصادفات العابثة.
أنتِ يا غائبة، يا حاضرة في تلافيف الذاكرة المعطوبة. ما كلّ هذه الدموع يا فتى! إنها تليق برجل سبعينيً وليس بشاب لا يتجاوز عمره ثلاثين عامًا. لكني أنا الاثنين في واحد، أنا العجوز الذي يبحث عن نصفه الآخر، بل ثلثيه، بل كلّه حتى وإن بدت عجوزًا شاحبة الوجه. أتحداك يا موت، أحضرها من غيابها، امتحن قدرتي على الوفاء والعشق ودلق المشاعر عند حافة الفراق واللقاء المؤجل. ليتني أقدر على إطفاء الحريق الذي تركته دموعي المسفوحة في حضرة العشق المتمرد أبدًا. أحبك كما لم أفعل منذ أربعين عامًا. لم أعد أشتكي من فوبيا البقاء، تعال يا فناء، غيبني، ضعني إلى جوارها حيث ترقد مادة ذراعيها نحوي، أنا الغبي المنطلق نحو أضوائها. أتماهى الليلة مع فوبيا البقاء، أردد اسمك، أنا الرجل السبعينيّ الثلاثينيّ، فلا تردّني من فضلك يا صاحب السمو – الموت، خذني إليها على أجنحة الأمل قبل اكتمال البدر بلحظة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.