تتوالى الإشارات من جانب أحزاب المعارضة حول البدائل المطروحة للتعامل مع الانتخابات الرئاسية القادمة، ولا تقتصر هذه البدائل على البحث عن مرشح واحد تدعمه المعارضة، بل تصل إلى حد اقتراح توافق الجميع، سلطة ومعارضة، على مرشح واحد يتم الاتفاق على المهمة التي تسند إليه. تطرح جبهة التغيير التي يقودها عبد المجيد مناصرة، المنشق عن حركة مجتمع السلم، فكرة جديدة بخصوص المرحلة المقبلة تقوم على التوافق على مرشح واحد يقود البلاد خلال خمس سنوات يقوم خلالها بإصلاحات سياسية وإدارية عميقة ما يسمح ببناء ديمقراطية مستقرة فيما بعد، على أن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني تمثل كل التيارات، ويتم تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة. هذا التصور يلتقي مع مطلب التوافق على مرشح واحد للمعارضة في نقطة أساسية وهي أنه لا يوجد أي حزب يرى بأنه قادر على تقديم مرشح يمكن أن يفوز بالانتخابات الرئاسية، غير أنه يتجاوز فكرة مرشح المعارضة في مقابل مرشح السلطة ليطرح فكرة مرشح الإجماع، وهو ما يجعل الانتخابات القديمة شبيهة بانتخابات سنة 1999 عندما تم تقديم بوتفليقة آنذاك على أنه مرشح الإجماع، وفي الحالتين كانت البلاد تمر بظرف حساس، ففي سنة 1999 كانت مسألة استعادة الأمن وتحقيق المصالحة الوطنية هي الأولوية، وقد تم تقديم بوتفليقة على أنه رجل المرحلة، وبالفعل فقد كانت أولويته الانتخابية، ثم الرئاسية بعد توليه الحكم، هي استعادة الأمن والسلم وتحقيق المصالحة، أما الآن فإن الأولوية هي تجسيد إصلاح سياسي عميق في كنف الهدوء والاستقرار، ولا تزال أولوية الأمن طاغية إلى حد الآن بالنظر إلى المخاطر التي تحيق باستقرار البلاد والتي تأتي في مجملها من المحيط الإقليمي والدولي. طرح الخيار من طرف جبهة التغيير تحديدا له دلالات سياسية مهمة، أولها أنه يقلل من حظوظ الإسلاميين في الدخول بمرشح واحد في الانتخابات القادمة، فقد راهن رئيس حركة حمس عبد الرزاق مقري على توحيد المعارضة، والإسلامية منها خاصة، من أجل تحسين موقعها في الانتخابات القادمة، وقد كان تركيزه واضحا على جبهة التغيير ورئيسها مناصرة، بل إن التقارب الحاصل بين الطرفين أنعش الآمال في إمكانية تحقيق هدف إعادة توحيد الحركتين مجددا، لكن يبدو أن الانتخابات تبعدهما عن بعضهما مجددا. وإذا أضيف هذا المعطى الجديد إلى التنافس على الزعامة، وإلى عدم وضوح الرؤية بخصوص من يمكن أن يكون مرشحا للمعارضة بصفة عامة، فإن الحديث عن جبهة إسلامية واسعة سيكون من قبيل المبالغة في التفاؤل، أما تصور تشكيل قطب معارض يضم إلى جانب الإسلاميين، أحزابا علمانية فإنه يبدو ضربا من الخيال. التحول من التوافق على مرشح واحد للمعارضة إلى مرشح للتوافق قد يبدأ في أي لحظة، فما يجمع حركة مجتمع السلم بجبهة التغيير هو السعي إلى الاقتراب من السلطة وتحاشي المواجهة معها، والبديل الذي يطرحه مناصرة اليوم يوفر للإسلاميين الذين جربوا المشاركة في السلطة المخرج الذي يحفظ لهم في آن واحد الحفاظ على صفة أحزاب معارضة دون تحمل أعباء البقاء بعيدا عن دوائر الحكم، وقد يكون مفيدا التذكير هنا بموقف حمس من ترشح بوتفليقة، فقد فضل الراحل محفوظ نحناح انتظار اللحظة الأخيرة للإعلان عن الالتحاق بالأحزاب المساندة لمرشح الإجماع آنذاك، وكان المبرر أن الأمر يتعلق بمرحلة حساسة تتطلب الالتفاف حول شخصية مؤهلة لقيادة البلاد إلى مرحلة ما بعد الأزمة. الظروف اليوم تختلف لكنها تتشابه، فما يجمع الجزائريين اليوم هو الخوف من الانزلاق نحو تغيير عنيف، وتمثل الأوضاع الخطيرة التي آلت إليهاعملية التحول الديمقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا، فضلا عن الحرب المدمرة في سوريا، خلاصة مرعبة يحاول الجميع تفاديها، ومن هنا يأتي الحديث عن مرشح توافق يقدم فرصة من خمس سنوات يتم خلالها وضع قواعد متينة لإصلاح سياسي عميق يجري بحثه وإثراؤه والاتفاق على تفاصيله من قبل جميع التيارات السياسية. وإذا كان تخوف عامة الجزائريين من عواقب نقل الصراع السياسي إلى الشارع قد تم التعبير عنه بوضوح خلال السنتين الماضيتين من خلال رفض الاستجابة لكل نداءات الانخراط في حركية الاحتجاجات التي جاءت مع رياح "الربيع العربي"، فإن انتقال هذه المخاوف إلى الأحزاب السياسية يعتبر تحولا حقيقيا، فالإسلاميون اقتنعوا أن الوقت غير مناسب للسعي إلى السلطة، فزيادة على تجربة التسعينيات التي دمرت البلاد، تبدو الأوضاع الإقليمية والدولية أكثر تعقيدا مما كانت تتصوره حركات الإسلام السياسي، والنكسة التي يشهدها التحول الديمقراطي في مصر تؤكد ذلك. من هنا قد يتحول القبول بمرشح توافق إلى ورقة في أيدي الإسلاميين الجزائريين يثبتون من خلالها حرصهم على الاستقرار السياسي والأمني، وعدم استعجالهم الوصول إلى السلطة، واستعدادهم إلى تقديم تنازلات والعمل مع بقية التيارات السياسية، وهذه كلها تفاصيل فشل فيها الإخوان المسلمون في مصر، ولم ينجح فيها إسلاميو تونس بالقدر الكافي الذي يجعل حكمهم محصنا من محاولات إسقاطه، وفوق هذا كله ستمكن هذه الورقة الإسلاميين الذين اعتادوا على المشاركة في الحكم من البقاء قريبا من السلطة بما يسمح لهم بتقديم أنفسهم كرقم لا يمكن تجاوزه على الساحة السياسية في أي حل أو صيغة قد تطرح اليوم أو غدا. رؤية جبهة التغيير، التي قد تجد أنصارا في الأيام القادمة، تتقاطع مع تصورات طرحتها أوساط وصفت أنها قريبة من السلطة، وتقوم على اعتماد صيغة انتقالية يتم من خلالها التوافق على شخصية تحظى بقبول الجميع تكون مهمتها وضع قواعد الانتقال نحو نظام جديد، ومن ضمن المرشحين المفترضين للرئاسة من تتوفر فيهم صفة مرشح التوافق، ومن الآن بدأ الاستعداد من جانب قسم من المعارضة للالتحاق بالتوافق من خلال دعمه مرشحه، وهو البديل الأرجح في فترة حرجة من تحول سياسي يريده الجميع هادئا وسلميا و بعيدا عن المخاطر الأمنية والسياسية التي تحوم في الجوار الإقليمي.