ثلاث محطّات مخاض، تواجه النظام الملكي في المغرب، منذ أمس، وستكون وعود محمد السادس، التي سبق بها الأحداث، وتنازل بموجبها عن البعض من صلاحياته، مباشرة بعد تحركّات ما سمي بالربيع العربي، على المحكّ، فالملك في مواجهة قرارات قد تكون استعجالية، راوغ بها الشارع، الثائر ضدّ الاستبداد والفساد.. محطّات خطيرة، تصطدم بتشكيك المعارضة في وجود نيّة إصلاح حقيقية، وعزيمة على محاربة الفساد المستشري، ناهيك عن وجود قناعات أخرى تسرّبت في الأوساط الشعبية، ووجدت منتصرين ودعاة لها، ترى بأن الوضع بلغ درجة من التعفّن، تصبح فيه مقاطعة الانتخابات ورقة ضغط ورسالة إلى السياسيين القائمين على تسيير شؤون المغرب، أكثر نجاعة، من التوجّه نحو صناديق الاقتراع لترجيح كفّة مترشّحين أكفاء. الأيام الجزائرية / زهير الشمالي سارع محمد السادس، في سبيل إنقاذ العرش الملكيّ، إلى صناعة ما أصبح يعرف ب"الاستثناء المغربي"، من خلال إطلاق سلسلة إصلاحات، وصفت بالجريئة، وذهب كثيرون إلى وصفها بالمراوغة للشارع، خلال فترة، شهدت فيها عدد من البلدان العربية تقلّبات خطيرة، وواجه المغرب فيها أحداث "حركة ال20 فبراير". محمد السادس، أمام ثلاث محطّات، الأولى بدأت أمس، في اقتراعات المجالس المحلية والجهوية، والثانية سيكون موعدها في ال17 سبتمبر، حيث ستجتمع المجالس المحلية الجديدة لاختيار أعضاء في مجالس المقاطعات، والثالثة في ال2 من شهر أكتوبر، حيث ستدلي الهيئات الناخبة، التي تمثّل الجهات والغرف المهنية، بأصواتها في "مجلس المستشارين"، وهو المجلس الأعلى للبرلمان. وعاء انتخابي مهدور تأجّلت الانتخابات المحلية، في المغرب، استجابةً لطلب الأحزاب السياسية، التي لاحظت إحجام المواطنين عن تسجيل أسمائهم في اللوائح الإنتخابية، خاصة فئة الشباب التي لا تولي أية أهمية للمواعيد الانتخابية، على خلفية الوضع الاجتماعي المستمرّ في الانهيار، والوعود السياسية التي ينقطع خبرها، في كل مرّة، مباشرة بعد الانتهاء من الانتخابات. وتشهد التجارب، للمواطن المغربي، عجز المنتخبين عن التأثير في السياسات الوطنية والدولية، بل يتحوّلون إلى منفذين لأوامر الملك وحاشيته، ضمن ما يطلق عليه اسم "حكومة الظلّ". ويزكي قناعة المواطنين المغاربة، تصريحات على لسان مسؤولين في الحكومة المغربية، فقد صرّح عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة، لقناة الجزيرة في شهر ماي المنصرم "إنّ جلالة الملك هو من يحكم المغرب، فهو رئيس الدولة وأمير المؤمنين ويرأس السلطة القضائية والقوات المسلّحة. إنّه يترأّس السلطات كلّها، وهذا ما ينصّ عليه الدستور المغربي". السلطة المطلقة للملك، تجعل من الانتخابات مجرّد غطاء شكلي، تسوّق به شعارات الديمقراطية وحرية التعبير والانفتاح على الرأي الآخر، وبرأي المثقفين والكتاب المغاربة، فإن المغرب لا يملك نصيبا من التعدّدية إلا شكلا، خاصة وأن القانون يوفّر للملك الحماية من المساءلة، ويعطيه الحقّ في التدخل متى شاء في الشأن الذي يشاء. يقول بعض المغاربة "ولا يستطيع المغاربة أن يسائلوا الملك على أفعاله لأنّ الدستور يحميه من ذلك، وبالتالي لا يمكننا إذن إلّا أن نفترض أنّ الانتخابات هي مجرّد واجهةً تهدف إلى الإيحاء للمجتمع الدولي بأنّ المغرب هو بلد ديمقراطي، وفي الواقع، فإن العاهل المغربي يرأس تقريباً جميع فروع الحكومية الرئيسية ويمكنه استبدال وزراء الحكومة المنتخبين بأولئك الذين يروقون له من خلال قيامه بتعديل حكومي في أيّ وقت يجده مناسبا، وقد وقع هذا الأمر أكثر من مرة حتى الآن، وطالما أنّ الدستور المغربي يجعل من الملك رئيسا للدولة، ويمنحه سيطرة مطلقة على معظم الفروع الحكومية، فليس هناك أيّ أمل يرجى من عملية الاقتراع". العدالة والتنمية.. عفا الله عما سلف ! يطرح قطاع واسع من الشعب المغربي، تساؤلا حول جدوى التواجد في المجالس المنتخبة، وينظر إلى تجربة حزب العدالة والتنمية الذي دخل البرلمان في انتخابات عام 2011، على أنها دليل يثبت استحالة الإصلاح السياسي، حيث فشل الحزب في مهمّة محاربة الفساد، ليفتح الباب لسياسة "عفا الله عما سلف"، ما مهّد الطريق أمام قرارات وقوانين في صالح النخبة الحاكمة والأغنياء. الانخراط في العملية الانتخابية، في نظر فئات اجتماعية كبيرة، ضوء أخضر، يعطيه المنتخبون للسلطة، لاستمرار الوضع على حاله، لذلك تتزايد دعوات المقاطعة، وترتفع الأصوات لإخلاء مكاتب الإقتراع، ويواجه هذا الفريق، فريقا آخر يدعو للمشاركة في الانتخابات، على اعتبار أن "اختيار الامتناع عن التصويت يوفّر للمرشحين الفاسدين، فرصةً أكبر للفوز، لذلك، يحاججون بأنّه ينبغي لجميع المغاربة الإدلاء بأصواتهم واختيار ممثّليهم الذين سيخدمون الصالح العام". دستور 2011 جعل الانتخاب عملا هامشيا وقال الدكتور محمد منار، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض والباحث في المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، في تصريح له "إننا في المغرب لا زلنا بعيدين عن السلوك العقلاني في العملية الانتخابية، سواء على مستوى الناخبين أو المرشحين أو الأحزاب السياسية"، وأضاف في المائدة الحوارية التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية بأن الاختيار العقلاني يتحقق بعد النظر في ثلاث مستويات، البرامج الانتخابية، والمؤسسات التي تفرزها هذه الانتخابات لتطبيق البرامج، ومكانة العملية الانتخابية في النسق السياسي والدستوري، وخلص إلى القول بأن العملية الانتخابية في المغرب وانطلاقا من دستور 2011 "لا زالت على الهامش، وتعتبر آلية هامشية، وليس آلية مركزية في القرار السياسي وفي التمثيل السياسي للمواطنين". تسويق الإصلاحات للاستهلاك المحلي والعالمي أوصلت التعديلات الدستورية والانتخابات التشريعية حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في المغرب، وينتظر أن يجد الملك المغربي نفسه في زاوية بعيدة عن صناعة القرار بالشكل الذي كان يتم في وقت سابق، في ضوء "إصلاحات" ما سمي ب"الاستثناء المغربي"، حيث جرى الاقتراح بتفويض سلطة الدولة إلى الجهات الفرعية، مما يُعتقد بأنه سيمنح حكما ذاتيا للهيئات المنتخبة محليا، وزيادة المساءلة العامة، وفي نظر الملاحظين للشأن المغربي، فإن حصول هذا الأمر، يعتبر مسألة مستحيلة، خصوصا بعد انتكاسة ثورات الربيع العربي التي كانت سببا في إصلاحات المغرب، زيادة على أن النظام الملكي يخضع لتوازنات أخرى جانبية، تتعلّق بالحاشية ومصالحها، وما ترتبط به هذه الحاشية من علاقات مع مختلف الفئات الاجتماعية، بدءا وأساسا بالمال، وعلى حساب الطبقات البسيطة. قد يكون الملك المغربي، جازف واستعجل باتخاذ قرارات سابقة لأوانها، لم تتهيّأ لها الطبقة السياسية والمجتمع، والمحيط الملكي ذاته بالشكل الكافي، ومن هذا المنظور، يُطرح أكثر من سؤال، على المدى البعيد، حول إمكانية استمرار تلك القرارات، أو تحويرها، من أجل المحافظة على التناسق العام في تسيير شؤون المملكة، فضلا عن إمكانية أسوء، تتعلّق بإبقاء الوعاء القانوني على حاله من القرارت، دون أن يكون لذلك أثر عملي في الحياة السياسية، ما يعني أن المرحلة العملية من الإصلاحات، ستدخل بدورها مرحلة التسويق للرأي العام العالمي وتمويهه بوجود إصلاحات جذرية في تركيبة النظام والقوانين، وتوجيه إشارات للرأي العام المغربي بوجود تغيير، لامتصاص غضب الشارع. خطوات لإقناع الغرب انشغلت أحزاب كثيرة بالجديد السياسي في المغرب، وانخرطت في الدعاية له والمشاركة فيه، وبالمقابل، تبرز فئة أخرى تصف هذه الانتخابات بأنها مجرّد إلهاء عن عملية إرساء الديمقراطية الحقيقية، خاصة وأن الإصلاحات لا تشمل، تخفيف سلطة الملك أو تعزيز الممثلين المنتخبين أو تعزيز الحريات الشخصية، كما يقتضيه مفهوم الإصلاح، بل إن النظام الملكي يأمل في تجنيب المغرب الفوضى. تبرز مبرّرات كثيرة تؤكد بأن المغرب يبحث عن امتصاص غضب الشارع وإقناع القوى الكبرى في العالم بإصلاحاته، وليس إرساء تعددية وحرية حزبية، حيث شارك لأجل ذلك كحليف للولايات المتحدةالأمريكية في مكافحة الإرهاب، في مسعى لكسب ودّها، وأطلقت القوات الجوية المغربية طائراتها في سوريا لمقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وشاركت المملكة في ترؤس "الفريق العامل المعني بمكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، التابع ل "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، وهي جميعا مساهمات ذات صبغة دعائية، وإن كانت منسجمة مع التوجّه العام لمعظم الدول العربية الطامحة لتوفير الأمان والأمن لدولها ومواطنيها. العدل والإحسان.. الانتخابات شكلية وكانت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، قد أعلنت مقاطعة انتخابات أمس، ودعت أبناء الشعب المغربي وكل القوى السياسية والمدنية الحية إلى مقاطعة هذه الانتخابات، بسبب فساد أساسها الدستوري والسياسي وشكلية مؤسساتها المنتخبة واستبداد آلياتها القانونية والتنظيمية. وجاء في بيان لها "المخزن يصرّ مرة أخرى على محاولة إلهاء القوى السياسية واستغفال الشعب المغربي والالتفاف على مطالبه، بانتخابات صورية، تكرّس النزعة التسلطية وتفتح الباب واسعا للسلب والنهب والتلاعب بمشاعر المغاربة وإرادتهم، دون حسيب أو رقيب من خلال مؤسسات شكلية وبرامج تنموية وهمية وعقيمة، ليس لها من وظيفة إلا إخفاء الوجه البشع لنظام الفساد والاستبداد". مؤاخذات حول الانتخابات يقدّم حزب العدل والإحسان ملاحظات حول الانتخابات المنعقدة، أمس، بنى عليها مواقفه بالمقاطعة، ومنها؛ – دستور 2011 تكريس للاستبداد، وهو ما ثبت بعد حين، حيث ظهرت عوراته مباشرة بعد إعماله، فبدأ الحديث عن "التنزيل الديمقراطي" و"التأويل الديمقراطي" للتغطية على عيوب النص والمضمون والصياغة وطريقة الإقرار. – تبنى المغرب منذ عقود "نظام اللامركزية"، ولكنه ظل شكليا، بسبب الوصاية المتشددة والمراقبة المبالغ فيها التي تعكس غياب الثقة والخوف من إرادة الشعب. – تعترض المناخ السياسي الذي تجري فيه هذه الانتخابات اختلالات سياسية كبيرة تتمثل في استمرار الاعتقال السياسي، والتضييق على حرية الرأي والتعبير والصحافة. – تجري هذه الانتخابات في ظل تحكم مخزني في مفاصل اللعبة الانتخابية طيلة كل مراحلها، وهو ما يفقد هذه الانتخابات حدها الأدنى من ضمانات النزاهة، ويكرّس جوّ الشك والريبة والعزوف وفقدان الثقة؛ التردد في تحديد تاريخ الانتخابات، والسرية والتسريبات بخصوص مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية. – الهيمنة الواضحة لوزارة الداخلية التابعة مباشرة للقصر في إعداد مختلف مشاريع القوانين التنظيمية والقوانين والمراسيم والقرارات المتعلقة بالانتخابات، واحتكارها للتدبير الحقيقي للقسط الأهم من أمور الجماعات الترابية. أرسلان.. نقاطع مؤسّسات الاستبداد قال فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، إنّ جماعة العدل والإحسان لا تقاطع العمل السياسي، كما يحاول البعض أن يصور ذلك، إنما تقاطع مؤسسات سياسية، ليس لذاتها، وإنما لفساد تلك المؤسسات وافتقادها للسلطات والصلاحيات التي ينتخبها الناخبون على أساسها، ونظرا لأن الإطار الدستوري والقانوني وواقع الممارسة السياسية طيلة ستة عقود لا يسمح للمؤسسات المنتخبة بممارسة الحكم، وإنما يحصر دورها في خدمة الجهات الحاكمة فعليا، غير الخاضعة لا للانتخاب ولا المحاسبة، ويضيف "أما انخراطنا في العمل النقابي والمجتمعي المستقل، فهو بديهي، وأستغرب كيف تجعل منه تناقضا وهو من صميم عمل أي حركة مجتمعية ترتبط بهموم المجتمع، فنحن نقاطع المؤسسات السياسية الخادمة للاستبداد والفساد، ولا نقاطع المجتمع والعمل السياسي برمته، وأعضاء العدل والإحسان بحكم عضويتهم في النقابات التي ينتمون إليها يشاركون بشكل تلقائي في انتخابات الهيئات المهنية التي يقدرون أن لها ارتباطا مباشرا ومستقلا بخدمة العمال والمستخدمين والموظفين". تشكيك الشركاء السياسيين وكان قد سبق إجراء الانتخابات، حملة تشكيك لأحزاب المعارضة التي قرّرت المشاركة في الانتخابات، حيث أعربت عن خوفها من مدى ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات، وقالت النائبة البرلمانية عن فريق حزب الأصالة والمعاصرة سليمة الفرجي "الكلّ يتحدث اليوم عن الشفافية ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة ومقاومة خطاب النوايا والشعارات الجوفاء، علمًا أنّ الغاية هي توفير العيش الكريم للمواطن في بلد جعل من الخيار الديمقراطي أحد ثوابته الأربعة في الدستور"، وأشارت النائبة البرلمانية إلى أنّ ما "استنتجناه من النتائج النهائية لانتخابات التجديد العام للنقابات المهنية، أكد بشكل قطعي مدى تضرّرها خلال أربع سنوات من السياسة الحكومية، والأمر يتطلّب كفاءات ونخبًا وممثلين مبدعين، لا مكرسين لقاعدة إبقاء ما كان على ما كان"، أما النائب البرلماني عن فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رشيد حموني، فقال "نحن على أبواب جهوية موسّعة ومتقدمة، رسّخها الدستور الجديد". الاتحاد الأوروبي.. الديمقراطية مؤجّلة وكان الاتحاد الأوروبي، قد عبّر عن موقفه، في أعقاب مراجعة الدستور المغربي، على لسان سفيره بالرباط، إنكو لاندا بورو، الذي قال إنّ الدستور المغربي الجديد لم يصل إلى درجة إقامة ملكية برلمانية، مشيرا إلى أنه "مازالت للملك في المغرب سلطات مهمة جدا، وهذا يطرح مشكلة مع الديمقراطية"، وتساءل "إلى أيّ حدّ يتناسب نظام يركز سلطات واسعة مع الديمقراطية؟"، قبل أن يضيف "لهذا يجب أن يبقى النقاش مفتوحا". ونسبت "أخبار اليوم" ل"لاندابورو" قوله بأنه لم يكن يعرف ما إذا كان سيرى دستورا جديدا في المغرب لولا وجود حركة 20 فبراير، ورفض الدبلوماسي الأوروبي وصف المغرب بأنه حالة استثناء أو نموذج في المنطقة، وقال بأنه لا يحب كثيرا عبارة "الدولة النموذج"، شارحا بأن الاتحاد الأوروبي ارتكب أخطاء كثيرة في الماضي بسبب تحويله بعض الدول إلى نماذج، واعترف السفير الأوروبي بأن أوروبا كانت تجامل أنظمة ديكتاتورية قبل "الربيع العربي"، وأضاف بأنهم قاموا بنقد ذاتي لتقديم جواب ملائم للربيع العربي. باحث أمريكي..7 خرافات حول انتقال المغرب نحو الديمقراطية وتطرّق الباحث الأمريكي المتخصص في آليات السيطرة السياسية والمساءلة الديمقراطية والتغيير الاجتماعي، تيل بروكنر، في مقال خصّصه لتحليل موضوع الديمقراطية في المغرب، لما سماه "فضح سبع خرافات شائعة حول انتقال البلد نحو مزيد من الديمقراطية"، حسب تعبيره. الخرافة الأولى المغرب ليس ملكية دستورية، بل هو بلد قائم على نظام ملكي، ولديه دستور مكتوب، صحيح أن هناك نوعا من فصل الأدوار، ولكن المغرب لم يصل بعد إلى مرحلة الفصل بين السلطات، التي تتركّز كلها في يد القصر الملكي، وهناك منصة تعرض مسرح عرائس مسل جدا، عنوانه الحكومة، بالإضافة إلى سلسلة كوميديا ظهرت منذ فترة طويلة تدعى البرلمان، ومزيج من الأحزاب السياسية المنقسمة، التي تعمل على لعب أدوارها في فصول مؤامرة مسلية وغير منطقية، ويجدر التذكير بأنه كل بضع سنوات، تنظم انتخابات داخل المملكة، يتم خلالها نثر القليل من الكذب للحفاظ على وهم التغيير. الخرافة الثانية أحدث القصر الملكي بعض الإصلاحات الهامة، منذ اعتلى الملك محمد السادس العرش في 1999، ومن بينها تطوير البنية التحتية، وتمكين القرى من الكهرباء والماء، وإطلاق العنان لحرية التعبير، والحدّ من التعذيب في السجون، ولكن لا يمكن اعتبار هذه إصلاحات ديمقراطية، وفي عام 2011، عندما خرج المتظاهرون المغاربة المتأثرون بالربيع العربي إلى الشوارع، وعد القصر بإحداث إصلاحات ديمقراطية، وقدم بالفعل إصلاحات دستورية تضمنت أغلبها بنودا حول الحريات الفردية والسياسية، لكن لا يجب أن ننسى أن القصر كان قد وعد منذ الاستقلال بتحقيق الإصلاحات الديمقراطية، وسوف يعد بذلك مرّة أخرى في المستقبل، أي كلما دعت الحاجة إلى ذلك. الخرافة الثالثة الديمقراطية في المغرب هي طريق ذو اتجاهين، والآن أصبحت البلاد تسير في الاتجاه المعاكس، ولإعطاء مثال على ذلك، يمكن الحديث عن الدستور الذي ينصّ على حق الحصول على المعلومات لجميع المواطنين، لكن القانون المنظم المرفق، يضيف بندا قمعيا، وينصّ القانون على أن للمواطنين الحق في الحصول على المعلومات، ولكن نشرها يمكن أن يتسبب في سجن الفاعل، وهكذا يتقن المغرب في كل مرّة التقدم بخطوة إلى الأمام، ثم يعود بعدها وبطريقة غير مباشرة، بخطوة إلى الوراء. الخرافة الرابعة لم يسمح للمغاربة أن يختاروا من قبل بين التطور والثورة، ولا أحد يعرف ما الذي تريده الغالبية، خاصة أنه من غير المحتمل أن شخصا ما، قد حاول في وقت مضى استشارتهم بشأن هذه المسألة، ربع المغاربة الراشدون فقط هم من شاركوا في الانتخابات الماضية، ومن ذلك يمكن القول أن المغاربة اختاروا بشكل جماعي اللامبالاة السياسية على أي تطور أو ثورة. الخرافة الخامسة ما هو صحيح هو أن العديد من الشباب المغاربة عاطلون عن العمل، في ظل ظروف الرأسمالية الحرّة العالمية، وذلك لن يغيّر في أيّ وقت قريب كما يروج، ومعظم خريجي المدارس المغربية غير مؤهلين لشغل مناصب عالية في سوق الشغل العالمي، بسبب نظام التعليم المغربي الكئيب، والإصلاح الذي يجرى بقيادة القصر حاليا في هذا المجال، في حال نجاحه، سيتطلب الأمر جيلا كاملا، حتى تؤتي العملية ثمارها. والتحدي اليوم لا يكمن في خلق ملايين فرص الشغل، وهو أمر مستحيل على المدى القصير، بل لعلّ التحدي الحقيقي هو الحفاظ على هدوء الملايين من الشباب الغاضبين من التنفيس عن غضبهم بشكل جماعي. الخرافة السادسة المغرب في واقع الأمر، قد يكون أقل استقرارا من ليبيا ومصر وموريتانيا، ولكنه رغم ذلك يحاول حماية صورة الاستقرار التي تحيط به، كما أن للمغرب عدة مداخل وهفوات من الممكن أن تسرع بخلخلة استقراره، ومن هذه المداخل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وبين الريف والحضر، بين العرب والأمازيغ، والتي يمكن لها بسهولة أن تعمّق الانقسامات الموجودة والدفينة، خاصة إذا تم استغلالها من قبل الفاعلين السياسيين منعدمي الضمير، إذا ما سنحت لهم الفرصة. المظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد خلال فترة الربيع العربي، انتهت بأعمال شغب كبيرة في العديد من المدن المغربية، ويمكن أن يتسبّب تزايد العاطلين مثلا أو التغير المناخي، أو مجموعة من المشاكل الاجتماعية الأخرى المعروفة في المستقبل القريب، في توتر الاستقرار الاجتماعي الذي يعاني أصلا من الهشاشة. خرافة السابعة فكرة أن "الجميع متفق على أن المزيد من الديمقراطية ستكون أفضل للبلد"، يفنّدها تصميم رئيس الحكومة على إبراز أن دورها هو تنفيذ التوجيهات الملكية في العديد من المناسبات والخرجات الإعلامية، مما يبيّن أن الأحزاب السياسية هي أهرامات لرعاية مصالح لا غير، خاصة أنها لا تقوى حتى على ممارسة الديمقراطية داخليا. معظم المواطنين المغاربة لا يصوّتون في الانتخابات، ومعظمهم لا يقومون بأنشطة ضدّ النظام، وإذا تساءلنا حول ماذا يريد المغاربة؟ فإننا لا نجد إجابة، لأنه لا وجود لبيانات اقتراعات موثوق بها. وعلى الرغم من الإصلاحات الهامة التي تعرفها المغرب في مختلف الجبهات، فإن المغرب لا يتحرّك نحو مزيد من الديمقراطية، ويبدو أنه من غير المرجح أن يفعل ذلك في المستقبل القريب، فالاستقرار الهشّ، سيتأثر بضغط البطالة ومشاكل أخرى مستترة، خاصة منها آثار تغير المناخ، الشيء المؤكد هو أن الاختباء وراء شعارات الديمقراطية والاستقرار، لن يساعد أيّ شخص على فهم حاضر المغرب، أو التنبؤ بمستقبله. Share 0 Tweet 0 Share 0 Share 0