Konya Anatolian Eagle Exercise التحقت تركيا بالحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، بعد مساع طويلة من واشنطن، بدأت بمحاولة إقناعها لغلق الحدود ومنع تسرّب الملتحقين بتنظيم داعش إلى الأراضي السورية، عبر أراضيها، وقد ظل الموقف التركي رافضا لأيّ تدخّل يُفضي إلى إضعاف المنظمات المتطرفة التي تحارب من أجل إسقاط نظام بشار الأسد، إلى غاية ظهور بوادر تقدّم لأكراد سوريا، الذين حقّقوا مكاسب على الأرض في حربهم ضدّ توسّع داعش في المناطق التابعة لهم، حيث تقدّموا إلى عين العرب – كوباني، ومناطق أخرى، قرب حدود أنقرة. الأيام الجزائرية/ الطاهر مرابعي
يقول المتتبعون للشأن التركي، أن انضمام أنقرة إلى الحرب ضدّ داعش لم يكن من أجل محاربة هذا التنظيم، خاصة وأن تركيا هي نفسها من شجعت و دعمت (على أقل تقدير) معظم الجماعات المتطرّفة الموجودة على الأراضي السورية في سعيها لإسقاط نظام الأسد، وإنما يأتي تحرّكها لكبح تقدّم الأكراد، الذين يقفون في الميدان بصفتهم قوّة فاعلة تواجه تنظيم الدولة الإسلامية. الانضمام التركي للحرب ضدّ داعش، يخفي أهدافا أخرى غير الأهداف المعلنة، فالتقارير الميدانية تتحدّث عن شروع الطائرات التركية في شنّ حملات عسكرية، بالأراضي السورية مع الدول المشاركة، لكنها عمليات عسكرية تتجه نحو ضرب أهداف كردية خالصة، يسري الاعتقاد أن الغاية وراءها هي منع الوحدة الإقليمية الكردية، فيما كان الردّ الأمريكي على أولى بوادر القصف التركي ضدّ الأكراد على لسان وزارة الخارجية الأمريكية بالقول "إن الهجوم التركي على الأكراد بعد موافقة أنقرة على العمل مع واشنطن ضدّ داعش هو مجرّد صدفة"، لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيري، أشار إلى أنه من حقّ تركيا أن تدافع عن نفسها ضدّ الإرهابيين. القصف التركي للأكراد تحت شعار محاربة تنظيم داعش، وتفادي واشنطن بداية الأمر الخوض في موضوعه، ثم اعترافها بحق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين، يكشف امتعاضا أمريكيا تحاول واشنطن أن تخفيه حفاضا على تحالفها مع تركيا بشأن محاربة داعش وخصوصا ما يتعلّق باستعمال القواعد الجوية التركية للقيام بالطلعات الجوية ضد هذا التنظيم . سكوت الولاياتالمتحدة عن الضربات التي وجهتها تركيا لأكراد سوريا ، عرّى ظهورهم بعد أن كانوا حليفا أمريكيا يحظى بالدعم والمساندة العسكرية والسياسية ،وهو ما أضعفهم بالمحصّلة وحيّد بالتالي القوّة القتالية الفعّالة الوحيدة حتى الآن في الحرب ضدّ داعش، حيث يتعرّض الأكراد الآن للهجوم من جهتين، جهة داعش، وجهة تركيا، ما يدفع إلى التساؤل حول مستقبل الوضع في المنطقة، في ظلّ التمدّد الكبير للتنظيم الإرهابي، وتراجع دور أكبر قوّة في الأرض تحاربه، وهي القوات الكردية.
حملة انتخابية على متن طائرة مقاتلة
يمكن قراءة القرار التركي القاضي بالدخول في الحرب إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها ضدّ داعش، في ضوء المعطيات السياسية، فقد حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إضعاف الحزب السياسي الكردي الرئيسي قبل الانتخابات المحتملة في الأسابيع القادمة. وكانت تركيا، على مدار عقود مضت، قد حاربت الجهود الكردية لإنشاء دولة مستقلة، إذ قاد حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه الولاياتالمتحدة وغيرها منظمة إرهابية، معركة من أجل الاستقلال، دون الوصول إلى نتائج في مستوى الطموح الكردي، غير أن الأحداث عرفت منعرجًا بعد الدخول في عملية سلام بين الطرفين، منذ عام 2012، ولكن وسط تصاعد الهجمات، بما في ذلك قتل الحزب لعدد من ضباط الشرطة التركية، تلاشت الآمال في تحقيق تسوية سياسية وسلمية للملف الكردي. ويُشار إلى أن حزب العمال الكردستاني يرتبط ببعض أقرب حلفاء الولاياتالمتحدة ضد داعش، بما في ذلك ميليشيات وحدات حماية الشعب، المعروفة بYPG، والتي هزمت داعش في مناطق مثل مدينة عين العرب – كوباني السورية، وهي إحدى الانتصارات القليلة ضدّ التنظيم. وعندما توسّعت مكاسب أكراد سوريا الإقليمية إلى عين العرب – كوباني، ومناطق أخرى قرب الحدود التركية، زاد توتر السلطات التركية، ما دفع المتابعين إلى القول بأن ذلك هو السبب الحقيقي الذي جعل أردوغان يتخذ قرار الانضمام لقتال داعش، كتمويه للهدف الحقيقي وهو منع الوحدة الإقليمية الكردية. وحاولت الولاياتالمتحدةالأمريكية إقناع أردوغان منذ بدأ الحلف للانضمام للحرب ضدّ داعش، وغلق الحدود أمام الذين ينضمون لداعش عن طريق تركيا، وتقديم المساعدة الإضافية للمهمّة، لكن أردوغان رفض الطلب، وكانت نقطة التحوّل يوم 22 جويلية، عندما تحدث أردوغان مع نظيره الأمريكي، باراك أوباما، هاتفيا، بعد يوم عن المجزرة التي حدثت في مدينة سروج التركية والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصاً. بدأت خطوات التعاون التركي مع التحالف، باستخدام القواعد الجوية التركية في انجرليك وديار بكر، من قبل طائرات الولاياتالمتحدةالأمريكية والتحالف، وتعتبر هذه القاعدة الأقرب إلى أهداف القصف، كما خصّصت تركيا بعض مقاتلاتها للمشاركة بالعمليات.
الحملة ضدّ داعش.. والقصف على الأكراد
استهدفت الغارات التركية المواقع الكردية، مما أدى إلى احتجاج الأكراد، وقال أعضاء وحدات حماية الشعب، المنتصرون في عين العرب – كوباني، أنهم تعرّضوا لإطلاق النار التركي داخل سوريا، رغم أن الحملة التركية كان من المفترض أن توقف عمليات داعش داخل تركيا. وبدأت السلطات التركية حملة محلية، وصفها رئيس الوزراء التركي بالمعركة المتزامنة ضدّ الإرهاب، واعتقلت قوات الأمن أكثر من 1300 شخص، بينهم 137 يُعتقد أن لهم روابط حقيقية بالتنظيم، واعترفت الحكومة أن الأغلبية العظمى كانوا قد أوقفوا لعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني. جاء الردّ الأمريكي متحفّظا من العمل التركي، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الهجوم التركي على الأكراد بعد موافقة أنقرة على العمل مع واشنطن ضدّ داعش هو مجرّد "صدفة"، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، "ليس هناك علاقة بين ما فعلوه (الأتراك) ضدّ حزب العمال الكردستاني وما سنحاول فعله معاً ضدّ داعش"، مضيفاً أنه من حق تركيا أن تدافع عن نفسها ضدّ الإرهابيين. وقال مسؤول عسكري أمريكي إن تركيا خدعت الولاياتالمتحدة، وتستخدم تحالف مقاومة داعش كستار لتحركاتها، بينما قال مسؤول عسكريّ بارز "كانت تركيا تريد التحرّك ضدّ حزب العمال الكردستاني، لكنها كانت بحاجة إلى حجة".
حرب التسابق إلى الصناديق
برأي متابعين أمريكيين لتحرّكات تركيا العسكرية، فإن أردوغان كان يأمل بفوز حزبه بالأغلبية، حينما انتخب الأتراك برلماناً جديداً في جوان الماضي، وكان هذا سيسمح له بالضغط من أجل تعديلات دستورية لتعزيز نفوذ الرئاسة ونفوذه شخصيا، ولكن الخطة تعثّرت بعد فوز الحزب الكردي "الشعوب الديمقراطي"، بقرابة 13 بالمائة من الأصوات، ما حرم "العدالة والتنمية" من الفوز بالأغلبية للمرّة الأولى منذ 2002، وبعد فشل المفاوضات لتحقيق حكومة ائتلافية وتحديد شهر نوفمبر المقبل تاريخا لإجراء انتخابات جديدة، اغتنم أردوغان فرصة التفجيرات التي هزّت بلدة ،سروج، التركية لإنهاء عملية السلام مع الأكراد وإشعال الحرب مع حزب العمال الكردستاني، ليهيّئ الأجواء المناسبة لإحياء المشاعر القومية المناهضة للأكراد، وهو ما سيساعده على تشكيل رأي، يحقّق له الفوز بالأغلبية في الانتخابات المقبلة.
أردوغان يقرع طبول الانتخابات
يُنتظر أن تشهد تركيا في شهر نوفمبر المقبل إجراء انتخابات مبكّرة، كنتيجة لفشل محادثات تشكيل حكومة انتقالية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، وتُعدّ المناورات السياسية المحلية عاملا مهما أيضاً في سياسة أنقرة المتغيرة بشأن حزب العمال الكردستاني، ففي 24 شهر جويلية المنصرم، بدأت تركيا حملة قصفٍ تستهدف معاقل الحزب في العراق، عقب قيام حزب العمال الكردستاني بقتل ثلاثةً من ضباط الشرطة والجيش التركي في ال20 وال22 من الشهر ذاته، وبعد انتهاء وقف إطلاق النار الذي دام عامين، نتساءل؛ من الذي سيظفر في هذه المعركة، وما هي الآثار المترتبة لذلك على سياسة الولاياتالمتحدة؟
القتلى قربان لرهانات المستقبل
خاضت تركيا حربا ضدّ حزب العمّال الكردستاني، دامت قرابة أربعة عقود، قبل دخولها في مفاوضات سلام رسمية مع مؤسّسه عبدالله أوجلان عام 2012، ولا يزال أوجلان، الذي يقبع في السجن منذ عام 1999، شخصية ذات جاذبية تفرض وجودها وتتمتّع بنفوذ هائل في حزب العمال الكردستاني والحركة القومية الكردية الأوسع في تركيا، وكانت أنقرة تأمل في أن تسفر المحادثات مع حزب العمال الكردستاني في إيصال القضية إلى حلّ سلمي وتساعد في نزع فتيل التوتر مع فرعه السوري – حزب الاتحاد الديمقراطي – الذي يسيطر على عدد من المناطق على طول الحدود، وقد برز حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الواجهة في الآونة الأخيرة عبر قتاله ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي تجلّى بارزا في الحملة التي دعمتها الولاياتالمتحدة للدفاع عن مدينة كوباني. ومع ذلك، ففي ال20 جويلية، أثار هجومان قاتلان ردّ فعل تركي، فقد أودى تفجير انتحاري تبنّاه تنظيم الدولة الإسلامية واستهدف بلدة سروج الكردية في تركيا، التي تقع على الحدود مع كوباني، بحياة 32 شخصا، مما سرّع قرار أنقرة بالسماح للولايات المتحدة باستخدام القواعد التركية لشنّ غارات ضدّ أهداف تنظيم داعش في سوريا، بعد أكثر من عام من المفاوضات حول هذه المسألة، وفي اليوم نفسه، قتل حزب العمال الكردستاني ضابطا عسكريا وأصاب جنديين في محافظة أديامان جنوب شرق البلاد، وجاء الاعتداء بعد يومين من مقتل ضابطي شرطة في بلدة تقع قرب سروج وتُدعى جيلان بينار، وقد زعم حزب العمال الكردستاني أنّ الضباط كانوا متواطئين في الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش في سروج، وردا على ذلك، شنّت أنقرة سلسلة من الهجمات في ال24 جويلية، استهدفت الحزب، فقصفت قواعده على طول جبال قنديل داخل منطقة حكومة إقليم كردستان في العراق، وردّ حزب العمال الكردستاني عبر زيادة هجماته، الأمر الذي أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 21 من ضباط الأمن التركي منذ ذلك الحين. لا يبدو أنّ تركيا سوف تدخل مرحلة كارثية من سفك الدماء، على غرار ما حصل في التسعينيات، عندما أودى الصراع مع حزب العمال الكردستاني بحياة المئات شهريا، وبالأحرى، رغم أن المعطيات الواقعية تشير إلى أنّ البلاد تشهد فترة من الصراع المضبوط، حيث لا يسعى الحزب ولا الحكومة إلى التصعيد نحو حرب شاملة، على الرغم من تنامي أعمال العنف.
حرب سيكولوجية متأخّرة ظلت معسكرات حزب العمال الكردستاني، عرضة للقصف التركي، من خلال عمليات عابرة للحدود، في عمق إقليم كردستان، أمّا اليوم، فتكتفي تركيا بالغارات الجوية، وليس هناك دليل على أنّ هذه الهجمات تشلّ الجماعة أو تودي بحياة الكثير من أعضائها، ويبدو أنّ هدف أنقرة الرئيسي من هذه العملية هو إضعاف حزب العمال الكردستاني، وقد أكّد بعض المحللين الأتراك أنّ الحزب استفاد من محادثات السلام لكي يؤسّس "دولة سرية" في جنوب شرق تركيا، يكمّلها الاعتماد على المحاكم ومكاتب الضرائب التي يديرها الأكراد والجماعة، مما يشكّل في الواقع البنية التحتية الأولية لحكم ذاتي كردي محتمل في المستقبل بتركيا. ويعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية ومختلف صنّاع القرار غير الحزبيين، أنّ من شأن الضربات المحدودة أن تضغط على الجماعة للعودة إلى طاولة المفاوضات من موقف ضعيف، كما فعلت في الماضي. وعلى الرغم من أنّ حزب العمال الكردستاني قد أنهى فعليا وقف إطلاق النار عبر قتله ضباطا أتراكا، يبدو أنّ له دوافعه الخاصة لضبط العنف، ففي التسعينيات، شنّ مجموعة من الهجمات الصارخة، كالاستيلاء على بلدات ذات أغلبية كردية في جنوب شرق البلاد، وزرع العبوات الناسفة في مراكز التسوّق، وتنفيذ هجمات انتحارية وعمليات إعدام جماعية بحقّ جنودٍ أتراك، وقد أثارت جميعها سخط الرأي العام التركي، أمّا اليوم، فيبدو أنّ الجماعة تتجنّب مثل هذه الأساليب.
تعزيز المواقع القومية في الحركة الكردية ربما ينبع "ضبط النفس" الواضح من رغبة حزب العمال الكردستاني في تعزيز موقعه العسكري في قلب الحركة القومية الكردية في تركيا، وفي الآونة الأخيرة، قطع الجناح السياسي للحركة شوطا كبيرا عن طريق حزب الشعوب الديمقراطي أو ما يسمى أيضاً بحزب ديمقراطية الشعوب، فمن خلال دمج مختلف العناصر الليبرالية واليسارية، ازداد الدعم الذي يحظى به حزب الشعوب الديمقراطي، ليرتفع من 6.5 بالمائة من الأصوات في انتخابات عام 2011 إلى أكثر من 13 بالمائة في الانتخابات البرلمانية في جوان 2015، وقد تُرجم هذا الازدياد إلى 80 مقعدا من أصل 550 في المجلس التشريعي التركي، ما منح حزب ديمقراطية الشعوب، ثالث أكبر كتلة في المجلس، وأقامه قوة سلمية لا يُستهان بها في المشهد السياسي التركي. يهدف حزب العمال الكردستاني، من خلال اعتماده مجددا على أعمال العنف في الحركة الكردية، إلى سحب البساط من تحت حزب الشعوب الديمقراطي وقائده ذو الشخصية الجاذبة صلاح الدين دمرتاش، وفق قراءات يقدّمها متتبعون للملف.
وضع مفتوح على كل الاحتمالات
من المرجّح أن يعزّز القتال موقع كل من أردوغان وأوجلان، في حال لم يطل أمده، وقد يظهر أردوغان بمظهر الرجل القويّ الذي هزم حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي من شأنه أن يساعد حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه في تحقيق نجاح كبير، في الانتخابات المقبلة خلال شهر نوفمبر. أمّا أوجلان، فلم يتحدّث علناً ضدّ القتال حتى الآن، ومع ذلك، ليس هناك شك في أنّ أعمال العنف التي يتبنّاها حزب العمال يمكن أن تنتهي فورا إذا ما دعا إلى وقفها في المدى القريب، ومن شأن ذلك أن يعيد إحكام قبضة أوجلان على الحركة الكردية ويثبت للأتراك أنّه الوحيد القادر على تحقيق السلام، وقد يصبح مرة أخرى محاور أردوغان في المفاوضات. تخشى قراءات سياسية أن يخفق أوجلان في وقف أعمال العنف في الأشهر المقبلة، خصوصا بعد دخول الملف الكردي في سياقات دولية جديدة، بموجب الحرب في سوريا، ويرى آخرون أنه حتى لو كان قادرا على وضع حدّ للاقتتال، فإنّ العديد من الأتراك قد يرفضون قبوله مجددا في أن يضطلع بأيّ دور في محادثات السلام المستقبلية، كذلك، يمكن أن تنخفض أسهم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان ، إذا تحوّل القتال إلى حرب شاملة، وإذا ارتفعت في المقابل أسهم حزب الحركة القومية المعروف أيضاً بحزب العمل القومي. يترقّب الكثير من المتتبّعين للملف التركي الكردي، دعوة أوجلان إلى وضع حدّ لأعمال العنف، قبل شهر نوفمبر المقبل، ويمكن أن يشكّل ذلك حجر عثرة في طريق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، ويفتح الباب أمام احتمالات أخرى، لا نعلم لها قراءة واضحة حاليا، حول المستقبل السياسي لحزب أردوغان.
أقلعت الطائرات الأمريكية من قاعدة إنجرليك التركية لقصف أهداف تابعة لتنظيم داعش، في ال12 أوت المنصرم، ما سهّل العمليات الجوية، بسبب قرب القاعدة من المناطق المستهدفة، وهو طموح كانت واشنطن تصبو إليه منذ بدأت عملياتها العسكرية الجوية، ما دفعها إلى السكوت عن التحرّكات التركية ضدّ مواقع كردية، غير أن واشنطن لن تسير في اتجاه رغبة أنقرة الكلية، حيث يتوجّب عليها حماية حلفائها الأكراد الذين يقاتلون في الميدان. تضع تركيا حسابات واشنطن في حربها ضدّ داعش على كفّ عفريت، وتدفعها للموافقة على ما تشنّه من هجمات ضدّ حزب العمال الكردستاني، باعتبار ذلك ثمنا تدفعه مقابل الدعم التركي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، غير أن الولاياتالمتحدة تسعى في جانب آخر إلى المصالحة بين تركيا والحزب، وهي غير مسرورة لرؤية الخطر يحيق بالعملية برمّتها. وستواصل واشنطن الدفاع عن حقّ تركيا في حماية نفسها من اعتداءات حزب العمال الكردستاني، كما سترسم أيضا خطا فاصلا بين الهجمات التي تستهدف الجماعة، وتلك التي تستهدف حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي لا يزال فصيلا مقاتلا نشِطا في وجه تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. انضمام تركيا إلى التحالف الذي يقاتل داعش يخدم مصلحة واشنطن، ومع ذلك فإن هذا لا يعني أنّ صنّاع السياسة الأمريكيين سوف يتخلّون عن حزب الاتحاد الديمقراطي، ووفقاً لذلك، ستضغط واشنطن على أنقرة حتى لا تستهدف معاقل حزب الاتحاد الديمقراطي، والنتيجة التي ستتمخّض عن هذه السياسة هي أنّها قد تؤدي إلى تصدّعات بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا تطوّر تهلّل له أنقرةوواشنطن.
المفارقات التركية انتقلت تركيا من نظرية منظريها التي تعتمد على صفر مشاكل مع الجيران ، إلى صفر لا مشاكل مع كل الجيران ، ولعل أبرز المشاكل تلك المتعلّقة بالجارة سوريا ، إذ تحوّل موقف تركيا من الأحداث فيها إلى ما يشبه الصراع والثأر الشخصي بين أردوغان وبشار الأسد، مما جعل تركيا تتورّط شيئا فشيئا في الملف السوري،حيث استعملت كل الوسائل بما فيها دعم الجماعات المسلّحة الراديكالية مثل داعش، في تحالف تكتيكي غير مأمون النتائج ، بل أن الصراع في سوريا هو ما قوّى وما يُقوّي يوما بعد يوم شوكة الأكراد الذين يحاربون في سوريا ،فهي بذلك تريد أن تُسقط الحكومة السورية ،وتريد أن تدعم داعش دون أن يرتدّوا عليها ، وتريد أن يبقى الأكراد ضعفاء كما تشتهي أهواء أردوغان ، مما يجعل من هذه الطموحات أحلاما لا توافقها الحقائق السياسية ولا حتى المنطقية. Share 0 Tweet 0 Share 0 Share 0