لم يفوّت الرئيس «بوتفليقة» ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 دون تذكير الفرنسيين بشروط بناء علاقات متميزة بين البلدين وأسس الصداقة الخالصة التي يمكن أن تقوم بينهما. في رسالته إلى المشاركين في الملتقى الذي انعقد في سطيف بمناسبة إحياء ذكرى المجازر قال «بوتفليقة» "ما قيل مؤخرا بشأن إيجابية الاستعمار المزعومة والمبادرات الداعية إلى الخوض في تفاصيل الفترة الاستعمارية ليست كافية البتة لإظهار الحقيقة وإنصاف الجزائر لقاء ما كابدته من فظائع"، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تعبّر فيها الجزائر بصراحة عن موقفها من الدعوة الفرنسية إلى ترك مسألة التاريخ للمؤرخين والمجتمع المدني، وقد كان رد الرئيس حازما عندما قال "المبادرات الداعية إلى ترك المؤرخين والمجتمع المدني يخوضون في تفاصيل الفترة تلكم بما تخللها من عنف ومساس بحقوق الشعب الجزائري وكرامته ليست كافية البتة لإظهار الحقيقة وإنصاف الجزائر لقاء ما كابدته من فظائع". الرسالة واضحة تماما وهي تحمل المطالب التالية: على فرنسا أولا أن تتخلى عن تمجيد الاستعمار بأي شكل من الأشكال، وهذا يعني في المقام الأول إسقاط المقولات الرسمية الفرنسية عن إيجابية الاستعمار، وهذا يعني في النهاية التخلي عن الحلول الوسط والمواقف التوفيقية التي تبناها الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» منذ مجيئه إلى الحكم، وهذه المواقف هي في النهاية إعادة تمرير لروح قانون 23 فيفري بصيغ جديدة. هذا المطلب يمهّد للمطلب الأهم وهو اعتراف فرنسا بأن الاستعمار في حدّ ذاته كان جريمة، وهو ما يستدعي الاعتذار الصريح للشعب الجزائري، فضلا عن الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبت طيلة أكثر من 130 سنة من الاحتلال، وهنا يأتي التأكيد الرسمي الجزائري على رفض اعتبار هذه المسألة من اختصاص المؤرخين، فالمسألة تتطلب اعترافا رسميا واعتذارا من قبل الدولة الفرنسية التي تمثل امتدادا للدولة الاستعمارية، وهو أمر لا ينكره أي فرنسي على المستويات الرسمية أو الشعبية أو في أوساط النخب السياسية والمثقفة. القضية كما يطرحها «بوتفليقة» اليوم هي قضية دولة وقضية سياسية وليست مجرد نقاش فكري يمكن حسمه في الجامعات ومراكز البحث التاريخي، وهذا يعني ببساطة أن مستقبل العلاقات بين البلدين مرهون بهذه القضية، ولا شك أن الرسالة وصلت إلى فرنسا بوضوح.