لا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، فإذا لم يلتفت أحدنا إلى عمله فينقِّيه من الشوائب المفسدة، فقد يصبح كالماء الذي فيه شيء من القاذورات، وإذا تركه دون تصفية فقد يتحوّل إلى ماء آسن، لذلك وجب على كل من يبتغي فضل الله أن يحذر من نفسه عليها، فقد تجني عليه أخلاقة وسلوكاته التي تعوّد عليها، كما قد تجني عليه أنانيته، وفي سبيل تحقيق هذا المبتغى تكون هذه المحطات نقاط مثير ومضيئة على درب الصالحين. إتباع الصدقة بالأذى والتفاضل بها الامتنان على الناس من مفسدات العمل الصالح، لأنّك إذا افتخرتَ بالعمل على الله وعلى الناس فإنّك بذلك تُبطله، وفي ذلك يقول تعالى "يا أيّها الّذينَ آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى"، فالمنّة هي أن تؤذي مَن عملتَ له بأن تعتبر عملك فخرا فتجرح كرامته، ولذلك استنكر القرآن الكريم على الممتنِّين، سواء في منِّهم بإسلامهم "يمنّونَ عليكَ أن أسلموا قُل لا تمنّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان" أو فيما أنفقوا في خدمة الإسلام "يقول أهلكتُ مالاً لُبدا"، أي يستكثرون عطاءهم للإسلام وينسون أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي منّ عليهم بما هداهم للإيمان، وبما أنعم عليهم من أموال جعلهم مستخلفين فيها، وللمنة سلبيّتين كبيرتين؛ في إحباطها للعمل وإبطاله في الآخرة من جهة، وبما تُسبِّبه من أذى فيمن تمنّ عليهم من جهة أخرى، ولذا فإنّ الله يريد للعمل الصالح أن يكون خاليا من أي أذى نفسيّ أو جسديّ للآخرين وأن يكون خاليا من الفخر على الله، والتباهي بالعمل الصالح مفسد آخر، وهو أخو المنّة، فكأنّني وأنا أقوم بالعمل الصالح أقول للآخرين أنا أفضل وأقرب منكم إلى الله، وأنّني أهل الصلاح والتقوى، وهو نوع من أنواع الإعجاب بالعمل ومراءاة الناس، وقد ورد في بعض الأحاديث أ نّه "لولا العجب من المؤمن لقبل عمله كلّه". استكثار العمل من صفات المنة أيضا التكاثر، وهو أن تحصي أعمالك وتكاثر بها أعمال الآخرين لتبدو أكثر عملاً في مجال المقارنة بين ما تعطيه وما يعطونه، وحينما ترجح كفّتك تتصوّر أنّ موقعك عند الله أكبر، وبالتالي فإنّ استحقاقك عليه أكثر، يقول تعالى "ولا تمنن تستكثر". السقوط في خطأ رد الأسباب إلى المخلوق الشرك في العمل محبط ومفسد له، فأنتَ حينما تقول للطبيب المعالج "لولا أنت لهلكتُ"، فإنّما تُشرِك بالله أحداً غيره، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو المعافي وهو المشافي، قال تعالى "وإذا مرضتُ فهو يشفين"، ولذلك فإنّ الطريقة الصحيحة في ذلك هي أن تقول للطبيب "لولا أن منّ الله بكَ عليَّ لهلكتُ"، فهي منّة الله وفضله ونعمته على المريض أن رزقه طبيبا عرف مرضه وقدّم له العلاج المناسب فتماثل للشفاء، وهذا هو قوله تعالى "وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مُشركون". الوهم بالقرب من الله مع ترك العمل من مفسدات العمل الصالح الوهم، وهو أن يظنّ بعض الناس أنّ بينهم وبين الله تعالى قرابة، وبذلك فهو يعفو عنهم ولا يحمِّلهم المسؤوليات والتبعات التي حمّلها الآخرين، وقد وصف الله تعالى بعض اليهود والنصارى بالقول "وقالوا لن يدخل الجنّة إلاّ مَن كان هوداً أو نصارى"، كما وصف بعض اليهود الغارقين في أحلامهم وأمنياتهم بالقول "قالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أيّاماً معدودات"، إنّها أماني وأوهام كاذبة، فمثلُ الواهمين كمثل ابن «نوح» الذي دعاهُ إلى ركوب السفينة فأبى واستكبر قائلاً "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"، وقد غرق وكان من المهلكين، ولذا فقد وصف الله تعالى عمله بأنه "عمل غير صالح" في قوله تعالى "قال يا نوح إنّه ليس من أهلِكَ إنّه عمل غير صالح"، كما أنّ الكفر والنفاق والصدّ عن سبيل الله مُبطلات للعمل، قال تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ولا تُبطلوا أعمالكم".