لا شك أن الجزاء العظيم الذي يتمثل في جنة عرضها السموات والأرض لمن أدى حجا مبرورا يستحق من العبد المؤمن أن يسابق إلى هذه الحجة وأن يتعرّف على معالم الحج المبرور حتى يأتي به، فيفوز بهذا الجزاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، ومن الطرق المؤدية إلى هذا الحج الكثير من الأعمال التي سيأتي ذكرها. برّ الحج إطعام الطعام وطيب الكلام من أهم معالم الحج المبرور أن يكفّ صاحبه عن الناس أذاه وأن يبذل لهم من معروفه وبره وإحسانه وأن يحسن خلقه مع رفقته خاصة ومع الحجيج عامة، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البرّ فقال "البر حسن الخلق"، وكان «ابن عمر» رضي الله عنهما يقول "إن البرّ شيء هين؛ وجه طليق وكلام لين"، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن برّ الحج قال "بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام"، فيحتاج الحاج لأن يتحلى بمحاسن الأخلاق وسعة الصدر والبشاشة والاحتمال، وهكذا كان السلف رضي الله عنهم، يقول «مجاهد» رحمه الله تعالى "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني"، وكان «عبد الله بن المبارك» رحمه الله يطعم أصحابه الطعام وهو صائم، وكان يحسن إلى رفقته غاية الإحسان من حين سفرهم إلى حين عودتهم. يا داعي الخير أقبل رحلة الحج فرصة عظيمة ليستكثر العبد من الطاعات ونوافل العبادات، وقد عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قيام الليل في أسفاره كلها وكان يصلي على راحلته، وتأسى به من بعده من الصحابة والتابعين فكانوا يحرصون على التزوّد من الطاعات والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات، فكانوا يحرصون على نوافل العبادات، وقد ذكر الإمام «أحمد» رحمه الله تعالى أن «مسروق» رحمه الله تعالى حجّ فما نام إلا ساجدا، وكان آخر يقوم الليل ويتلو القرآن ويأمر حاديه أن يرفع صوته حتى لا ينتبه لعبادته أحد، فعلى المسلم أن يستثمر وقته ليعود من حجه بأكبر أجر، فالحسنة هناك بمائة ألف حسنة، وأكثر من تلاوة القرآن وذكر الرحمن، فإن الذكر غراس الجنة، وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في مناسك الحج فقال "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ"، وقال "فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا"، وقال "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات"، وهكذا بقية الطاعات من صدقة وصيام وأمر بمعروف ونهي عن منكر وغيرها، ومن أعجب ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في الحج في كل يوم مرة. الإخلاص وترك الرّياء ينبغي للحاج أن يبتغي وجه الله تعالى في حجه وذكره وتلاوته ولا يقصد رياء ولا سمعة، لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه. قال تعالى "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا"، ولمّا أهل النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة"، ثم ليحرص المسلم على أن يأتي بأعمال الحج وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج من الحاج إلى أن يتفقّه في أمر هذه المناسك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يبرز للناس في المناسك ويعلمهم أحكام الحج وكان يقول لهم "لتأخذوا عني مناسككم".