إخلاص النية لله تعالى أكبر منقٍّ للعمل، حيث تتحقق به صفة التعبد، ويكون ذلك بأن نجعل أعمالنا خالصة لله، وهذا هو الإطار العام، وإذا كان العمل الصالح هو العمل الذي يُراد به وجه الله، أي رضاه سبحانه وتعالى، فإن رضا الله لا يتحقّق إلاّ من خلال معرفته، فإذا عرفنا الله جيِّداً تمكنّا من أن نعيش الإخلاص له ونتّقيه في الخلوات ونصدق معه في المواقف، تماماً كما لو عرفنا حقّ الوالدين أو حقّ الأصدقاء علينا وأدّينا لهم حقوقهم، وقبل أن نتمثّل ذلك ببعض الأمثلة لنتعرّف على بعض الاُمور المتعلِّقة بالله سبحانه وتعالى، فهو الذي هدانا إلى صالح الأعمال ولولاه لم نعرف ما هو العمل الصالح وما هو العمل غير الصالح، وهو الذي منحنا القدرات الكافية على القيام بهذا العمل من صحّة وعقل وإرادة وشريعة هي منهاج للصالحين، وهو الذي يراقبنا في أداء أعمالنا "وقُل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، وهو الذي يحاسبنا يوم القيامة على أعمالنا ويجازينا عليها إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرا، فإذا عرفنا ذلك فإنه علينا أن نصبّ اهتمامنا على إنجاز العمل الصادق المخلص حتى ولو كان قليلا أو صغيرا، ففي الحديث "لا يقلّ عمل مع التقوى وهل يقلّ عملٌ يُتقبّل"، فقد يكون كلمة طيِّبة تطلقها وأنتَ تستحضر رضا الله فيها، وإذا بها تفعل فعل السحر في النفوس، حيث تقلب إنساناً من وضع إلى وضع مختلف تماما، وهذا العمل الصالح يتحرّك بكلمة هادية ومؤثِّرة ويُعدّ عملاً كبيراً وعظيماً عند الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم "لئن يهدينّ الله بكَ رجلاً خير لك ممّا طلعت عليه الشّمس أو غربت"، ولذلك فإنّ تصفية العمل هي أشدّ من العمل نفسه، ألا ترون أنّ هناك مَن يخلط عملاً صالحاً وآخر سيِّئا، كمَن يسرق من الأغنياء ليُساعد الفقراء، وهو يحسب أنّه يُحسن صنعا، في الوقت الذي نعرف أنّ مساعدة الفقراء عمل صالح، إذا كان ابتغاء مرضاة الله، ولكنّ السرقة عمل سيِّئ ولا يجوز شرعا أن أتقرّب إلى الله بعمل صالح أصل إليه عن طريق المعصية، فالهدف النظيف النبيل يحتاج إلى وسيلة نظيفة نبيلة للوصول إليه، والله تعالى يحدِّثنا عن هؤلاء بقوله "وآخرين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئا"، إنّ أفضل طريقة لتصفية العمل هو إجراء مقارنة بين ما يمكن أن يحصل عليه أحدنا من استحسان الناس وثنائهم الذي يشبه فقاقيع الصابون السريعة الانتفاخ السريعة الانفجار والتي تجعلنا نزهو وننتفخ لبرهة قصيرة، وبين جزاء عظيم ومكافأة جزيلة لا أمدَ ولا نهايةَ لها، فماذا يمكن أن نحصل من نتيجة هذه المقارنة؟ إنّ شكر الناس محدود قد لا يتعدّى الكلمات الطائرة في الهواء، وفي أحسن الأحوال هو شهادة تقدير أو مكافأة مالية أو ترقية، أمّا إذا شكر الله سعينا وتقبّل أعمالنا الصالحة فلا يمكن أن نتصوّر حدود عطاياه لنا في الدنيا والآخرة . إنّ رضا الناس غاية لا تُدرَك، فهم يختلفون في تقدير العمل نفسه، فمنهم مَن يرفع من قيمته ومنهم مَن يحطّ من قدره ومنهم مَن يبحث عن المساوئ والثغرات فلا يرى إلاّ العيوب، ومنهم مَن يرى بعين الرضا التي تخفي المساوئ، فلا يرى عيباً، أمّا في حساب الله وميزانه فالعمل الصالح له تقديره الذي لا يتغيّر ولا يتأثّر، أي أنّه يسير ضمن قواعد ثابتة وليس عرضة للمزاج والأجواء المحيطة التي قد تبخس العمل أو تحسده أو تحقد على فاعله.