دائم التفكير وإعمال العقل خلق الله تعالى الإنسان وزوده بنعمة العقل والتفكير وحثه على زيادة النظر في الكون، فهذا مفتاح من مفاتيح الإيمان والهداية وصفة من صفات أولى الألباب، قال الله تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَاب. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار"، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تفكيرا وتأملا فيما خلق الله تعالى وفى سير الماضين وهو الذي قال "إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه"، والإنسان العاقل وهو يمارس دوره في هذه الحياة، لابد له من ممارسة التفكير، وذلك حتى يكون قادرا على فهم دوره وإحسان ما يقوم به من عمل، فتحسين التفكير كتحسين العمل ولا يبلغ الإنسان كل هذا إلا بشئ واحد ووسيلة واحدة هي السيطرة على النفس، والواثق من نفسه دائماً يُعمل عقله ويمارس التفكير الصائب الواعي. يضيء مسيرة حياته بالمقاصد الإنسان الواثق من نفسه يعرف طريقه جيدا ويخطط لكل أمور حياته ويحدد أهدافه بكل دقة، فلا يدع غيره يفكر له ولا يترك نفسه للظروف لأنه هو الذي يصنعها وليست هي التي تصنعه، ولقد وصف الله هؤلاء في كتابه الكريم فقال "أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم"، ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد كان يخطط لكل أموره، فها نحن نراه في الهجرة الكريمة يحدد لكل واحد دوره وماذا يفعل، وفي جميع غزواته كان ينظم جيشه ويحدد لكل قائد هدفه، وكل ما يصنعه الإنسان أو يمتلكه يبدأ في شكل من أشكال الرغبة وأن هذه الرغبة تبدأ رحلتها من المجرد إلى الملموس من خلال ورشة الخيال، حيث تصنع وتنظم خطط تحويل الرغبة إلى مادة، ولم يترك الإسلام الإنسان يعيش حياته عبثا، بل أرشده إلى كل ما يصلح حياته من كافة النواحي؛ الذاتية والعامة، مادياً وروحياً وعقلياً وإنسانيا، وكل ذلك من أجل أن يبذر فيه بذرة الثقة والثبات على المبدأ.